في الزاوية (شبه) الأسبوعية في صحيفة "هآرتس" (أيام الجمعة) تحت عنوان ("أحري موت"- بعد رحيلهم")- نشرت الصحيفة في عددها الأخير (1/13) نبذة عن حياة الطيار الإسرائيلي، المقدّم يوفال افرات، الذي توفي قبل أيام عن عمر يناهز (79) عامًا، ومقتطفات مقتضبة من مذكراته التي ضمّنها كتابه الصادر تحت عنوان "المرآة".

وكتبت "هآرتس" عن هذا الطيار أن والديه هاجرا من ألمانيا إلى فلسطين وأقاما في كيبوتس "غفعات برنر"، في أواسط البلاد، وقد أنهى بعد تجنيده دورة للطيران العسكري ("بامتياز"- حسبما ذكر)، وكانت أول حرب ضد العرب يشارك فيها- عدوان حزيران 1967، إلّا أنه مني من أول غارة على مصر بفشل ذريع لا ينساه، حيث كتب يقول: "يا له من حظ سيء .. كنت في التاسعة والعشرين من عمري، في ذروة قدراتي وعزيمتي، انتظر بشوق عارم الفرصة التي تتيح لي اثبات مهارتي عمليًا، وإذا بي أنطلق بطائرتي وهي مزودة بحمولة قدرتها (600) قذيفة، فعدْتُ بها وهي تحمل (603) قذائف"- قاصدًا أنه لم يتمكن من إطلاق أية قذيفة، بل أصيب طائرته بثلاث قذائف مصرية مضادة للطائرات.

الملك حسين فوق القدس!
وفي وقت لاحق أصبح "افرات" طيارًا للمروحيات، وفي سنوات السبعين وقع الاختيار عليه ليقلّ الملك الأردني حسين بن طلال، عدة مرات بمروحية إلى الأراضي الإسرائيلية، لإجراء لقاءات سرية مع كبار المسؤولين في الدولة العبرية. وقد وصف في كتابه إحدى رحلاته هذه، فكتب يقول: "استقبلتنا البلدة القديمة بطيف من الأنوار الألوان .. ما الذي دار بخلد الملك يا تُرى وهو يحلّق فوق القدس التي أصبحت الآن تحت سيطرة اليهود؟ كعادته، لم تظهر على وجهه أي انفعالات، وظلّ محتفظًا بقسمات وجه لاعب "البوكر". 

وأردف لطيار الإسرائيلي: ربما أن هذه الرحلات قد حقنت دماء كثيرة، وربما تكون حالت دون وقوع حرب، إذ أن الملك حسين لم يشارك في حرب اكتوبر تشرين 1973، وقد تكون لي مساهمة متواضعة غير مباشرة في هذا الصدد!

بدوي في المروحية

كما كان هذا الطيار نفسه يقل، في فترة من الفترات، وزير الدفاع الدفاع الإسرائيلي الراحل موشيه ديان، وقد تطرّق في مذكراته إلى هذا الموضوع، فكتب أنه استُدعي عشية يوم الغفران من العام 1971 (قبل حرب اكتوبر بعامين) لنقل ديان إلى غزة بغرض اجراء لقاءات من مسؤولين فيها، وقبل العودة إلى تل أبيب تغيّر جدول مواعيد الرحلة بشكل مفاجئ، نزلًا عند طلب من ديان الذي كان يستغل طائرات سلاح الجو في مغامراته بالتنقيب (والسرقة) عن الآثار. فقد ضمّ ديان إلى الرحلة وهو عائد من غزة، بدويًا كانت مهمته إرشادي إلى مكان توجد فيه آثار، وقد أشار إلى تلّة رملي برز منها طرف تابوت حجري قديم، فما كان من ديان إلّا أن هرول نحوه وراح يحفر حوله بيديه، بهمّة عالية، دلّت على ولعه بالآثار"- حسبما كتب الطيار يوفال افرات.

عمليات خلف الخطوط المصرية والسورية..
ويقول المقدم طيار إفرات أنه شارك في عدد من العميات خلال حرب تشرين اكتوبر 1973، خلف خطوط الجيشين المصري والسوري: ففي ليلة الحادي عشر من اكتوبر كُلّف (في إطار عملية سميث "بونتياك") بإنزال (23) جنديًا من الكوماندو الإسرائيلي، كان من بينهم "عاموس يارون" الذي أصبح فيما بعد جنرالًا بالجيش ثم مديرًا عامًا لوزارة الدفاع- وكانت المجموعة مزودة بمدفعين، وقد أنزلت في منطقة جبلية داخل الأراضي المصرية، وكان الغرض من العملية – حسبما كتب افرات "أن نثبت أننا قادرون على نقل مدافع إلى أرض العدو، وأن نقصف هدفًا معينًا، ثم نعود إلى قواعدنا سالمين. وأكثر من ذلك، كانت لدينا رغبة في القيام بعمليات غير اعتيادية، لنثبت للمصريين أننا ما زلنا قادرين على مفاجأتهم" – كما ورد في الكتاب.

شاؤول موفاز في "القطيفة" بسورية!
لكن العملية لم تنته بهذه السهولة، رغم تنفيذ المهمة المحددة، فعندما استُدعيت المروحيات لإعادة الجنود إلى الأراضي الإسرائيلية، تبين أن هذه المهمة تبدو مستحيلة بسبب أحوال الجو، من غيوب وضباب " لكنني بقيت مصرًا على تنفيذ المهمة، بأي ثمن، ومهما كانت المخاطر- وكانت مخاطر- وعدنا جميعًا سالمين" – كما ورد.

وبعيد يومين من هذه العملية داخل الأراضي المصرية، كلّف افراد بعملية مشابهة داخل الأراضي السورية سميت "عملية دافيدكا" شارك فيها أربعون جنديًا من إحدى وحدات النخبة في سلاح المظلات، بقيادة شاؤول موفاز (قائد اركان الجيش الإسرائيلي لاحقًا، ثم وزير الدفاع)، وكانت مهمتهم تفجير جسر في موقع يسمّى "القطيفة" في منطقة القلمون شمالي دمشق، لكن الجيش السوري اكتشفهم، فهربوا بالمروحية، تحت النيران وتحت جنح الظلام"- كما وصف.

وبعد تسريحه من الجيش عمل افرات طيارًا (مدنيًا) في شركة "ال- عال" الإسرائيلية للطيران، طوال (25) عامًا.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]