ولدتْ لميس خالد حبيب الله، مع تَميُّزٍ، كان الدافع والمحرك الأساسي، الأول لتطوير نفسها، لتصل لما هي عليه اليوم، حيث ترى بنفسها، مصدر الهام للغير ومميزة بـ "إعاقتها " بيدها- حسب قولها.

صُدفة كانت بمثابة نقطة تحول في حياة لميس، حين كانت تشاهد فيلمًا قصيرًا، تدور أحداثه حول " أم" تنوي قتل ابنها من ذوي الاحتياجات الخاصة، وعند محاكمتها، توجه لها المحامي بسؤال: " هل لو تم الأفراج عنك وعدت للبيت هل ستفعلينها مرة ثانية وتحاولين قتل ابنك"؟
فأجابت الأم: " لو قمتم بوضعي وراء القضبان سهل علي من ان اكون سجينة طوال عمري معه"!

هذا التخبط الموجود في حياة أهل هذه الشريحة من الأشخاص، هو الدافع والمحرك الأساسي لانطلاقة مشروع " أنا بقدر" الذي باردت إليه لميس شهر آب، 2016 الماضي.

أنا بقدر.. ولادة مشروع، وتحقيق حلم...

المشروع تم تأسيسه في بلدتها عين ماهل، وبمشاركة قسم الشبيبة بالقرية، ويضم أطفال وشباب من الفئات المختلفة من ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة أنه يضم أيضاً 42 متطوعًا ومتطوعة جاؤوا ليمدوا يد العطاء والدعم والحب لهذه الفئة.

و يهدف المشروع إلى استثمار وقت الفراغ من خلال فعاليات وبرامج لا منهجية منوعة بالإضافة إلى فعاليات تهدف إلى دمجهم وخرطهم مجتمعيا.

وتعمل لميس، مدرسة للتربية الخاصة في روضات السنابل للتعليم الخاص في بيت حنيا بالقدس، بالإضافة لكونها مديرة لمشروع " أنا بقدر"- للتربية الخاصة، ومعلمة لدروس تقوية، وهي ناشطة وفعالة مجتمعيًا، وتعمل متطوعة في أكثر من مكان، وكل ذلك بهدف التغيير المجتمعي، الذي تطمح إليه في عدة أصعدة، وبالأساس العمل على تقبل الآخر.

وهي حاصلة على لقب أول في مجال التربية الخاصه وشهادة تدريس من كلية دافيد يلين في القدس، وعلى لقب ثانِ في مجال ادارة الاطر التربوية اللامنهجية من جامعة بار ايلان، وحاصلة على شهادة توجيه مجموعات من كلية "גישות"، بالإضافة إلى التحاقها بالعديد من الدورات والاستكمالات من اجل تطوير ذاتي على الصعيد الشخصي والمهني.

المجلس قام بتبني المشروع..

وتُشير لميس في حديثها، أن مشروع أنا بقدر هو بمثابة حلم بالنسبة لها وتحقق، وكانت تخطط للمبادرة له منذ زمن، وبعد ولادته وانتشاره، بادر المجلس المحلي في قرية عين ماهل بتبنيه، وبنينا شراكة مع قسم الشبيبة.

ومشروع " انا بقدر" يهدف الى استثمار وقت الفراغ بشكل فعال وسليم ودمج ذوي الاحتياجات الخاصة مجتمعياً والاثبات للجميع بأن ذوي الاحتياجات الخاصة قادرون على فعل ما يفعله الاشخاص العاديين، لا بل واكثر.

وفي الوقت الحالي سيبقى " انا بقدر" في اطار مشروع، وذلك بسبب عملي الثابت في مدينة القدس ولكني أطمح أن يصبح جمعية في المستقبل القريب، والتي تضم أبناءنا المميزين من جميع أنحاء البلاد.

الى اين تسعين في تطوير المشروع، وما هي المشاريع التي تعملين عليها حالياً؟

وردًا على سؤالنا، قالت لميس: " أسعى لتطوير المشروع من حيث الحصول على مكان ثابت من أجل تمرير الفعاليات والدورات المختلفة لأولادنا المميزين، بالإضافة الى احتضان اولاد مميزين من خارج عين ماهل ضمن عائلة " أنا بقدر" وحول ما يتم العمل عليه في الوقت الحالي، نحن نعمل على بناء فريق رياضي مكون من أشخاص ذوي احتياجات خاصة، وذلك بمشاركة قسم الرياضة في المجلس المحلي وقسم الشبيبة، بالإضافة الى اننا نقوم ببناء بازار خيري بطابع أنثوي بمناسبة عيد الام.

انها ليست إعاقة... وقدراتي لا تختلف عن الناس الأسوياء

وردًا على سؤالنا، حول إعاقتها الحركية التي تعاني منها في يدها، وإذا كانت دافعًا لنجاحها، وتخطي كل الحواجز التي تواجهها، قالت: " لم تحد إعاقتي ولن تمنعني من عيش حياتي وممارسة اموري اليومية مثل غيري من الأشخاص " الأسوياء".

على الرغم من أنه مشوار شاق ومليء بالمطبات ففي كل مرة كنت ألتقي بها مع أشخاص، كنت بحاجة لأن أبرر وأشرح أن قدراتي لا تختلف عن الناس الأسوياء، فلدي عقل متكامل ومشكلتي تتمحور بقصور في اليد اليسرى، ولكن هذا الحكم المسبق على الشكل يجعلهم يفكرون بأني غير قادرة على أداء المهام المختلفة دون مساعدة من الآخرين.

وتابعت: " وما يزيد الطين بلة " نظرات الشفقة والخوف التي أراها في عيون الكثير من أبناء مجتمعي.

وأكدت لميس: " ولدت مع هذا التميز، ونجحت في تطوير طرق وآليات لنفسي، والتي جعلت مني مستقلة، ومنحتني القدرة على اداء مهماتي دون حاجتي لمساعدة او ملازمة اي شخص مرافق.

وأسلوب التفكير هذا، جعلني اتخطى جميع العقبات بدعم من العائلة والأخوة والأصدقاء، وكنت في كل مره اتعرض بها لنظرات الاستخفاف والاحتقار من مجتمعي يزداد لدي الاصرار والتحدي لكي اثبت للجميع أنه لدي المقدرة على عيش حياة مستقلة طبيعية كسائر البشر لا بل وأفضل.

وأكدت، اليوم ارى بنفسي ملهمة للغير ومميزه بإعاقاتي والتي كانت هي الدافع والمحرك الاساسي لكي أحقق كل ما وصلت له اليوم وما اطمح له مستقبلاً.

هل كانت الإعاقة سببا في عدم ايجاد وظيفة او لعدم اندماجك في أماكن معينة؟

لميس: "سأتوسع بالاجابة قليلا، وسأعود بذاكرتي الى الخلف، كل ما ساتحدث عنه الآن سيصب في مكان واحد وسبب واحد هو الحكم المسبق، فخلال فترة تواجدي على مقاعد الدراسة اصر معلميني وبشكل دائم على ارسالي لتعلم اللغة العربية، وتعلم الحساب، ضمن دروس للتقوية، وهي ضمن مجموعات لطلاب ذوي تحصيل متدني إلى متوسط، وبالرغم من أن تحصيلي كان ممتازًا!

وكانت معلمة دروس التقوية قوم بإعادتي الى الصف وتخبر المعلمة بأنني لست بحاجة الى هذه الدروس فأدائي الذهني ملائم لأداء أبناء جيلي، هكذا امضيت سنين دراستي بين تكهنات المعلمين بسبب ايمانهم بأن هناك علاقه بين الاداء الذهني والشكل الخارجي.

ولم يختلف الوضع خلال التعليم الأكاديمي في اللقب الاول وخلال تنفلي بالباصات كنت ارى نظرات الشفقة والخوف في عيون الناس بالاضافة الى انهم كانوا يعتقدون بشكل دائم وخلال فترة الامتحانات في الكلية بشكل مُلح على إعطائي بطاقة وقت اضافي وذلك لأنني من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولأنني كنت ولا زلت ارفض هذا التصنيف كنت في كل امتحان أتحدى ذاتي وأنهي الامتحان قبل وقته المحدد لكي لا استعمل الوقت الاضافي.

عند دخولي الى الحقل وبداية عملي كمعلمة للتربية الخاصة كنت ارى الصدمة والذهول في عيون الزملاء والاهل، إذ تعرضت خلال هذه السنوات الى الحكم المسبق بأنني لا استطيع ان اقوم بالمهات التي تصب ضمن مسماي الوظيفي دون مساعدة بالاضافة الى رفض بعض الاهالي لان اكون معلمة لأبنهم لأنني لن اقوم بإستعمال استراتيجيات عمل صحيحة لتطويره، والادارة المدرسية المتمثلة بالسيدة نضال شاهين آمنت بي وبمقدرتي على العمل بطريقة صحيحة لا بل مميزة.

وفي كل مرة أخوض فيها عمل جديد، أو مكان دراسة جديد، كنت أتواجه مع فكرة الحكم المسبق، والأمر محبط بعض الشيء، ولكني اليوم، تجاوزته وأصبح أمر الاندماج أسهل وأسرع، وبت أعتبره جزء من سيرورة اندماجي في مكان جديد.

كلمة اخيرة ..

واختتمت لميس حديثها معنا بهذه الجملة: " أحبونا واحتضنونا وتقبلونا، لأنه الذي يحق لكم يحق لنا .. فكلنا إنسان".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]