بعد رحيل الأديب العالمي نجيب محفوظ صيف 2006، تعالت أصوات محبيه وقرائه للمطالبة بتخصيص متحف يضم مقتنياته الشخصية، وبعض أعماله التي لم ترَ النور؛ تخليداً لذكراه، حيث استجابت وزارة الثقافة لتلك الأصوات، وصدر قرار وزاري آنذاك، باختيار تكية محمد بِك أبوالدهب بمنطقة القاهرة التاريخية لتكون مقراً لمتحف أديب نوبل.

على مدى 13 عاماً، تواصلت أعمال تأسيس المتحف، الذي تم افتتاحه أخيراً، بالقرب من المنزل الذي ولد وعاش فيه الأديب الراحل، بحي الجمّالية، وبين المناطق التاريخية التي كتب عنها معظم رواياته واستوحى منها شخصيات أبطاله، إلى أن انتهى العمل بالمتحف الذي تم افتتاحه بداية الأسبوع الجاري.

التكيَّة

تم اختيار التكية لتكون مقراً لمتحف «صاحب نوبل»، إذ يعدها علماء الآثار ثاني أهم مجموعة أثرية تجسّد روعة العصر الإسلامي بعد مجموعة «الغوري»، لأنها تجمع بين كونها جامعاً وتكية، ورغم أنها لا توجد بها مئذنة أو منبر، إلا أن بها محراب لإقامة الصلاة.

كما تضم سبيلاً وكُتاباً ومسجداً من 3 طوابق، وحوضاً وسبيلاً ملحقين بالمسجد من الناحية الجنوبية، وتصميمها المعماري عبارة عن صحن مكشوف به حديقة ونافورة، تحيط به مجموعة من القاعات.

وتعدّ التكية من أهم التكيات ذلك العصر، شيدت عام 1187هـ لتكون مدرسة تساعد الأزهر في رسالته العلمية، على يد محمد بِك أبوالدهب، وتتكون من 3 أدوار، خصص منها الدوران الأرضي والأول للمتحف، بينما ظلّ الدور الثاني بحوزة وزارة الآثار.

جائزة نوبل

يتكون المتحف من دورين، الدور الأرضي ويضم عدة قاعات أهمها قاعة جمعت فيها المقتنيات الشخصية لـ«صاحب نوبل»، وأخرى لمؤلفاته العربية، وثالثة لمؤلفاته باللغات الأجنبية، إضافة إلى مكتبة للإعارة الخارجية تضم كل مؤلفات الأديب الراحل من روايات وقصص قصيرة ومقالات، وأيضاً مكاتب إدارية لمسؤولي المتحف وصالون كبير لاستقبال الضيوف.

فصول دراسية

الدور الأول تم تخصيصه للدراسة عبر عدّة فصول منها فصل للكتابة الإبداعية يهتم برعاية الموهوبين في مجالات الأدب المختلفة، وفصل لدراسة كيفية السيناريو والحوار سواء للسينما أو التلفزيون، ومكتبة أخرى تم تخصيصها لكل ما كتب عن محفوظ من نقاد عالميين وعرب.

إضافة إلى قاعة متعددة الأغراض يتم استخدامها لاستضافة الندوات والمؤتمرات أو المعارض الفنية، كذلك هناك قاعة لروايات محفوظ التي تحولت لدراما وسينما وكذلك البرامج واللقاءات التلفزيونية التي ظهر بها.

ميداليات

ومن المقتنيات الشخصية، مجموعة الأوسمة والميداليات التي حصل عليها محفوظ، وبعض المتعلّقات الشخصية مثل «أدوات الحلاقة» والقبعة وبعض الملابس ونظارته.

بالإضافة إلى أوراق رسمية وصور فوتوغرافية، وهناك محاكاة للحجرة التي كان يعمل ويكتب فيها، بخلاف جائزة نوبل التي خصصت لها غرفة مستقلة تحمل اسمها، وتحوي صوراً لجميع من حصلوا على جائزة نوبل في الآداب، وبينهم محفوظ الذي حصل عليها عام 1988م، ولوحة كتب عليها نص كلمة محفوظ خلال حفل تسليم الجائزة.

تأسيس المتحف

فتحي عبدالوهاب، رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة المصرية، الجهة المشرفة على تنفيذ المتحف بالتعاون مع وزارة الآثار المصرية، كشف لـ«البيان» عن مراحل تأسيس المتحف وكيف تم جمع مقتنياته قائلاً: «وزارة الثقافة تسلمت تكية أبوالدهب من وزارة الآثار قبيل 7 أعوام لتكون متحفاً لـ«أديب نوبل»، وبعد تسلمها بدأنا بتجهيز المكان بالشكل الأمثل المناسب لاستقبال كل ما يخص نجيب محفوظ.

وبالفعل تم الانتهاء من تجهيز المكان وتسلمنا كثيراً مما يخص الأديب الراحل، منها متعلقات شخصية سلمتها أسرته للمسؤولين في الوزارة، تضم ما يزيد على 70% من مكتبته الخاصة الفعلية، وأكثر من 140 كتاباً موقعاً بإهداء له.

بالإضافة إلى بعض المتعلقات التي أهداها أصدقاؤه ومحبوه لإدارة المتحف لتبقى ذكرى خالدة، وتم التواصل مع جهات مثل اتحاد الإذاعة والتلفزيون وغيرها التي لديها مواد متعلقة بالأديب العالمي لعرضها بالمتحف».

وعن سر اختيار تكية أبوالدهب لتكون مقراً للمتحف، قال: «اختيار ذلك المكان لإقامة المتحف كان مقصوداً؛ لأن المنطقة الموجودة بها التكية كانت مسرحاً لمعظم روايات «أديب نوبل» الذي سخَّر قلمه لنقل حكايات المهمشين في تلك المناطق وعالم الفتوات الذي كان سائداً في زمنه، ومنطقة القاهرة التاريخية كانت حاضرة وبقوة في ثلاثيته الشهيرة «قصر الشوق»، و«السكرية»، و«بين القصرين»، والتكية كانت الشكل الملهم لهذه الأماكن التي عايشت الثلاثية.

إشراف

وشدّد عبدالوهاب على أن كافة تجهيزات المتحف تمت بإشراف كامل من متخصصين في الآثار لهم مواصفاتهم في التصاميم والديكورات، ووجود تنسيق مع محافظة القاهرة لتطوير المنطقة المحيطة بالمتحف، حيث يوجد أكثر من نموذج موضوع لتطوير المنطقة، لعمل رواج لهذا المكان سياحياً ووضعه على خريطة المزارات السياحية.

قيمة أدبية

الروائي الكبير يوسف القعيد، الذي اقترب من «أديب نوبل» فترة كبيرة من حياته في سنواته الأخيرة، أبدى سعادته بافتتاح المتحف، مشيراً إلى أن تلك الخطوة تأخرت سنوات طويلة، مشدداً على أن الأديب العالمي الراحل قيمة أدبية عظيمة تستحق الاحتفاء والتكريم طول الوقت.

وأكد أن الأجيال الجديدة تحتاج إلى معرفة الكثير عن محفوظ وأدبه الذي وصل إلى العالمية بعد أن ترجمت أعماله إلى أكثر من 20 لغة حول العالم.

وتوّج مشواره بحصوله على أرفع جائزة أدبية في العالم «نوبل»، وهو العربي الوحيد الذي فاز بتلك الجائزة. فيما دعا القعيد تلامذة محفوظ ومحبيه وكل من يمتلكون أياً من متعلقاته إلى التبرع بها للمتحف حتى تكون متاحة للأجيال القادمة، لافتاً إلى أنه تواصل مع بنات الأديب الراحل وأبدى استعداده لتقديم الدعم والمساندة في أي أمر يتطلبه المتحف.

مناشدة

ووجه القعيد مناشدة لوزارة الآثار بالتخلي عن الدور الثاني في تكية أبوالدهب والتخلي عن المكاتب الإدارية الخاضعة لإشراف الوزارة وضمها لمتحف نجيب محفوظ، للاستفادة منها في عرض كافة محتويات المتحف بالشكل الذي يليق بسيرة ومسيرة كاتب عالمي عاش حياته مبدعاً محباً لبلده.

12 مليوناً

كشف رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة المصرية، فتحي عبدالوهاب، عن القيمة الإجمالية للانتهاء من تجهيز المتحف، والتي وصلت إلى ما يزيد على 12 مليون جنيه، مشيراً إلى أنه روعي في دهان تكية محمد بِك أبوالدهب من الخارج الحفاظ على الشكل التراثي الذي يتماشى مع مباني منطقة القاهرة التاريخية.

المصدر: البيان 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]