كان اللقاء مع إيمي بـَلْمور من اللقاءات التي تركت الأثر فيّ. فخلال اللقاء، تبادرت إلى ذهني أغنية أم كلثوم "الأطلال" وجملتها الشهيرة، من قصيدة الشاعر إبراهيم ناجي، "واثق الخطوة يمشي ملكا". فهي كذلك، واثقة الخطوة، تعي جيدًا ما تريد، دارسة مُحنكة لبيئتها، تعرف نقاط ضعفها وتعترف بها وتعرف نقاط قوتها وتستغلها كما يجب. 

لم تُخفِ بلمور عني محاولتها إقناع وزيرة القضاء السابقة، تسيبي ليفني، بأنّ تشغلها في منصب المديرة العامة لوزارة القضاء، إذ لم يكن من السهل تعيينها في هذا المنصب بداية الأمر، لكنها أثبتت جدارة مكّنتها ليس فقط من إدارة الوزارة فترة ترؤس ليفني الوزارة، إنما استمرت في منصبها حتى بعد أن دخلت الوزيرة السابقة، أيليت شاكيد، التي تحمل أراءً ومواقف يمكن القول إنها تختلف عن آراء بلمور ومواقفها، إلا أنّ الوزير الحاليّ، أمير اوحانا (الليكود)، أوقف اليوم مسيرتها بقرار فصلها عن العمل. 

تؤكد بلمور أنّ سر نجاحها، أو إن صح التعبير "سر بقائها" في منصبها حتى اليوم، رغم تغير الوزيرة لفني، في الوقت الذي تعتبر وظيفتها "وظيفة ثقة"، هو تعاملها الرسمي. فمن جهة أولى، هي تحمل رؤية وترغب في تطبيقها، وقد بدأت بتطبيقها بالفعل، إلا أنها تعرف حدودها وتلتزم بالسقف المُحدد لها، من جهة أخرى. 

وعند الحديث عن السقف، وبما أنّ الحديث عن سيدة، وعادة ما تنشأ حساسيّة ما بين السيدات والسقف، فثقة بلمور بذاتها وبإنجازاتها وحساسيّة منصبها تدفعها إلى ذكر السقف دون أي مشاكل. فبالنسبة لها، وإن كانت تدير أكبر الوزارات الحكومية، إلا أنّ هذه الوزارة خاضعة للاعتبارات السياسيّة، كغيرها من الوزارات الأخرى. 

في مقابلتنا التالية نتعرف إلى بلمور أكثر، نطرق محطات من حياتها، منذ أن كانت طفلة دبلوماسيّة إلى رياضية في الجامعة، إلى المكاتب واللجان التي ترأستها وانتهاءً بمنصبها الحاليّ...

كيف تعرفين نفسك، إيمي بلمور؟!
أنا إيمي بلمور، أم نمرود ويوفال. وعندما أتحدث عن نفسي أبدأ، عادة، بالتعريف عن نفسي كأم، فهذا بالنسبة لي أبعد من مجرد تعريف. هو تصريح. فقد وصلت إلى ما وصلت إليه وأنا أم، وأكثر من هذا، أنا أضع أمومتي في صلب اهتمامي. إنها في أعلى سلم أولوياتي. وعندما تقومون بفحص هذا أمام أطفالي، ستحصلون على تأكيد له.


عند الحديث عن نساء كمديرات عامات لوزارات حكومية، نصطدم بواقع قاسٍ نوع ما، فهنالك 29 مديرًا عامًا، ونحن 3 نساء فقط نشغل هذا المنصب، المديرة العامة لوزارة المواصلات، كيرِن تيرنير، المديرة العامة لوزارة الشؤون الاستراتيجية، سيما فاكنين، وأنا.
أنا من مواليد القدس، عمري 51 عامًا، كان والداي موظفين في وزارة الخارجية، ولهذا يمكن القول إني "مثلت الدولة وخدمت في السلك الدبلوماسي" منذ كنت في سن 3 سنوات. 

بسبب عمل والديّ، اضطررت إلى السفر إلى عدة أماكن في العالم، هذا هو العمل الدبلوماسي، مثـّلنا إسرائيل في بلجيكا، في النرويج، في الأرجنتين وفي عدد آخر من الدول.


احترام الأقلية ..

من المهم القول إنّ والديّ وُلدا لأبوين عانيا في البداية من نظام ملكيّ في رومانيا، ثم فاشيّ لاحقاً، ونازيّ بعدها، ثم شيوعيّ. لذلك، كانا مقتنعين بأن قيام دولة إسرائيل هو ضرورة وحاجة ماسة. ولأنهما كانا ضمن أقلية تحت عددٍ من الأنظمة، فقد كانا مقتنعين بأنّ إسرائيل يجب أن تكون يهودية، ولكن مع ضمان احترام الأقليات باعتباره قيمة وبوصلة يجب أن تحرك هذه الدولة، مما يعني أيضًا كونها ديمقراطيّة.
كان والداي يعتبران أن تحولنا إلى أغلبية ينبغي ألا يغير من احترامنا للأقليات. وبالنسبة لهما، كان هذا الاحترام التزاماً، وخاصة بعد المعاناة التي تعرضا لها. لقد علّمانا ذلك وربّيانا عليه، أنا وأخي الذي يخدم أيضًا في السلك العام، فلم نذوت ذلك فقط، بل ترجمناه إلى برنامج فعلي على أرض الواقع. وفي رأيي، فإن التغييرات في وزارة القضاء في هذا المجال كفيلة بتقديم شهادة على صحة ذلك.
هذا الالتزام ولّدته الذكرى السيئة من كونك مطاردًا وملاحقًا بسبب انتمائك الديني، التزام رافقه العديد من النقاشات والأزمات. فوالداي لا يذكران الكارثة والبطولة، إنما يذكران ماذا يعني أن يكونا في مكانة الأقلية. وللمعلومة فقط، فقد تم طرد والديّ من الجامعات وأضطر والدي إلى العمل في الكهرباء بسبب ذلك. 

رياضة و- Cheerleader
من المهم القول في هذا السياق إنه، ورغم أني كنت أعاني من التمييز، إلا أنني عانيت من تمييز مختلف، إيجابي لكن مذل. فلطالما سمعت جملاً مثل: "أنت لا تبدين كاليهود"، "لا تتصرفين كاليهود". وكان هذا يضايقني رغم أنه جاء كنوع من التفضيل والإطراء، وربما جاء بسبب انخراطي القوي في النشاطات الرياضية في الجامعة. فقد كنت رياضية معروفة ومارست ألعاب القوى، منها الرمي والوثب، ثم كنت لاحقاً راقصة مشجعة لفرق الجامعة!

العنصرية التي رافقتي خارج البلاد مورست ضدي هنا، أيضاً. فعلى سبيل المثال، أذكر أنه ومع بدء مزاولتي منصبي الحالي، عينتُ سيدةً سائقة شخصية، لا رجلاً، ولم يستوعب حارس الأمن بعد أن هاتين السيدتين هما المديرة العامة وسائقتها، فتعامل معنا بنوع من الازدراء، علمًا بأنه لم يكن ليفعل ذلك لو كان المدير، أو حتى السائق فقط، رجلاً.
وربما كوني امرأة هو الذي يجعلني اتماهى بشكل كبير مع الفئات التي تعاني من العنصرية. فمثلاً، عندما قمت بفحص العنصرية في مجتمع القادمين الجدد من أثيوبيا، لطالما ربطت بين العنصرية تجاههم والعنصرية تجاهي كامرأة، وهذه الفرضية دفعتي أكثر إلى تفهم احتياجاتهم، ثم محاولة مساعدتهم بالتالي، من خلال عرض توصيات بدأ العمل على تطبيقها. 

من ليفني إلى شاكيد، تحوّل سياسيّ، متى بدأتِ عملك في وزارة القضاء وكيف أثرت التحولات السياسية على استقلاليتك؟
بدأت ممارسة عملي في وظيفتي الحالية كمديرة عامة لوزارة القضاء في العام 1996. آنذاك، كانت الوزيرة تسبي لفني تبحث عن مدير عام فترشحتُ أنا وكان من الصعب إقناعها، لكن حصلت على الوظيفة.
وصلتُ إلى عملي في منصبي هذا في وزارة القضاء بعد أن عملت محامية في عددٍ من المكاتب الخاصة، كمحامية متدربة في البداية ثم كمحامية مؤهلة لاحقاً، ثم عملتُ مدعية عامة في وزارة القضاء والمحكمة العليا، ولاحقًا مديرة لقسم العفو في وزارة القضاء. من خلال عملي المتنوع هذا، أيقنتُ أنّ الشعار يجب أن يكون مقولة نيوتن، فقد قال سابقًا أن "الأشخاص يعرفون كيف يبنون جداراً من العزلة، لكنهم أقل خبرة في بناء الجسور". وأدركت أنا أن مهمتي الحالية هي بناء الجسور. جسور من التعاون. فالتركيبة السياسية، وخاصة في وزارة القضاء، معقدة جدًا والبيروقراطية الإسرائيلية تتعرض بشكل كبير إلى ضغوطات دائمة. ولهذا، يتمثل الحل لتجاوز هذه الضغوطات في بناء جسور من التعاون، بناء شراكات عمل، وكسب الثقة. وكسب الثقة يعني، بالضرورة، المحافظة على التعامل الرسميّ والخط الحكوميّ، من الشخصي إلى العام.

خلال فترة عملي في وزارة القضاء تعاملتُ وعملتُ مع عدد من وزراء القضاء، من يوسي بيلين (حين كان في حزب "العمل") إلى أييليت شاكيد (البيت اليهوديّ)، ولطالما حافظت على عمل مهني ورسمي جدًا. هذا التعامل أدى إلى كسب ثقة الجميع. ليس عندي شك في أنّكم لو توجهتم اليوم إلى أي وزير قضاء سابق ـ عدا الوزير طومي لبيد (رحمه الله) الذي لم يعد بيننا، لأعطاكم توصية بالعمل معي.
العمل 14 عامًا في قسم العفو، مما يعني إدارة عدد من صفقات المفاوضات لإطلاق سراح أسرى، وأهمها صفقة الجندي جلعاد شاليط، أضف إلى ذلك ديناميكية العمل في هذا القسم والتي تتأثر بشكل كبير من المناخ السياسيّ وتحوّل الوظيفة إلى وظيفة ثقة، علمتني كيف أقوم بإطفاء الحرائق وكيفية التعامل معها. كما تعلمت أيضاً من وظيفتي في المحكمة التأديبية في مصلحة السجون، والتي بدأ الأسرى إضراباً عن الطعام فور استلامي لها، إضافة إلى وظائف أخرى كنت قد أشغلتها في عدد من الوزرات كانت تستدعي التروي والتعامل بحكمة ورسمية مع الأمور، مع كسب ثقة الجميع من خلال البحث عن الحلول الأمثل. 

طريقة التصرف والتعامل هذه تفسر وجودي إلى اليوم مع الوزيرة أييليت شاكيد (البيت اليهوديّ)، كما فسرت وجودي في السابق مع الوزيرة تسيبي ليفني، وستفسر وجودي إلى جانب وزراء آخرين. لن تجدوني أوجّه النقد وأخرج إلى الإعلام بقدر ما أركّز على العمل من الداخل للتغيير والتحسين. 

أي المعيقات والتحديات رافقت بداية عملك في الوزارة؟!
بداية، من المهم القول إنّ الحديث عن وزارة القضاء يعني الحديث عن مؤسسة تشغّل قرابة الـ 4,600 موظف، من الشمال إلى النقب، كما تشغّل قرابة الـ 2,000 محامٍ، سواءً في الادعاء أو في مكاتب المساعدة الحكومية. 

للوزارة مكاتب في الجليل وأخرى في الشمال، المثلث، المركز، القدس والنقب. والحديث عن الوزارة يعني أننا نتحدث، أيضاً، عن 40 مديرًا لوحدات كبيرة، منها الطابو، المحاكم الدينية، سلطة براءة الاختراعات، الوصي العام والحارس القضائي الرسمي، سلطة مكافحة تبيض الأموال، سلطة التنظيمات وغيرها.
باختصار، إذا طلبنا من أي محامٍ، حتى لو كان متمرساً، أن يعدد 10 وحدات تابعة لوزارة القضاء فعلى الأرجح أن لا يفلح في ذلك، خاصة وأن الحديث يدور عن تفرعات كبيرة جدًا. على سبيل المثال، فكّرنا في الآونة الأخيرة بالدمج ما بين سلطة براءة الاختراعات ووزارة العلوم، لكي نزيد من نجاعة العمل، لكن اتضح لنا أنّ هذه السلطة أكبر بكثير من وزارة العلوم بأكملها! وهذا وحده يوضح لنا حجم وزارة القضاء.
وعودة إلى المعيقات، المعيق الأول الذي شعرت به منذ بدأت بإشغال منصبي هو أنّ في اليوم الواحد 24 ساعة فقط وأن في الأسبوع 7 أيام فقط، أحدها ـ السبت ـ أستغله للراحة. ففي نهاية الأمر، أنا انسان وبحاجة إلى الراحة.
كمية العمل المطلوب والمواضيع التي تتطلبمعالجتي أكبر بكثير من الزمن المتاح في الأسبوع. وهذا هو العائق الأول الذي شعرت ولا زلت أشعر به. 

المعيق الثاني، وهو المحبب إلى قلبي، أنني مع بداية استلامي لمنصبي أوكلت إلي مهمة إضافية. فقد كانت هناك لجنة وزارية تشكلت وسميت باسم "اللجنة لإزالة المعيقات أمام دمج الأقليات في الخدمة العامة"، قبل أن أترأس هذه اللجنة كانت تعمل وكان أعضاؤها ينشطون في المجال، إلا أن الإنجازات لم تكن ملموسة على أرض الواقع. 

عندما ترأست اللجنة، فكرت عدة مرات كيف يمكن أن أجعلها أكثر نشاطاً وفاعلية وأن أجعل انجازاتها ملموسة. وكان الحل الذي توصلت إليه أنّ أبدأ بالتغيير من البيت الذي أديره، من وزارة القضاء. قلت في نفسي: إذا ما نجحت في التغيير في وزارة القضاء، فلا بد أن أكون نموذجًا يحتذى به في الوزارات الأخرى. وهذا ما كان. 

أي الإنجازات سجلت حتى الآن في هذا السياق؟
في العام 2014، بدأت عملي في رئاسة هذه اللجنة. يمكن القول إنه منذ العام 2014 وحتى اليوم، حصلت زيادة سنوية بمعدل 1% في عدد العرب العاملين في وزارة القضاء، من الشمال إلى الجنوب وفي وظائف متنوعة.
من المهم أن أقول أكثر من هذا، أيضا: دمج العرب والأقليات لا يأتي من باب "المنّة"، إنما من باب الحاجة والكفاءة. وعليه، فقد تقلد العرب في وزارة القضاء مناصب رفيعة، وليس مجرد مناصب متدنية كما في الوزارات الأخرى.
وليس هذا فقط. العرب خاصة والأقليات عامة، نافسوا على مناصب غير مخصصة للأقليات، إنما للجمهور العام، نافسوا نظراءهم من اليهود، من المركز والقدس، وحيث أثبتوا الكفاءة اللازمة فازوا بالوظيفة، دون أي مانع لذلك. 

مسار دمج العرب يجري بموازاة مسار آخر لدمج اليهود من أصل أثيوبي في وزارة القضاء. فقبل اللجنة وإشغالي رئاستها، كان عدد اليهود من أصول أثيوبية في وزارة القضاء أقل من 0.5%. أما اليوم فنسبتهم تصل إلى 2.5% من الموظفين، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بما كان في السابق. 

هذا التغيير في تعزيز التعددية في الوظائف لم يكن من نصيب اليهود من أصول أثيوبية والعرب فقط، انما طال فئات مجتمعية أخرى مهمشة، فزاد عدد النساء وزاد عدد اليهود المتدينين، رغم الصعوبة في تعريف من هو الحريدي، وارتفعت نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة في الوزارة.
ولأن مفهوم التعددية وإنصاف الفئات المهمشة يتعدى التعريف القومي، فقد كانت هنالك تعددية مناطقية أيضاً، إذ نرى ابن الجليل يعمل في المركز، ونرى ابن قرية نائية في النقب يعمل في القدس. وكذلك الأمر بالنسبة للجيل أيضاً. فحتى ما قبل إشغالي المنصب كانت الوزارة عنوانًا للشباب، لكن ماذا مع فئة عمرية أكبر من الشباب تبحث عن مجالات عمل أخرى غير التي أشغلتها سابقاً؟ هؤلاء أيضًا منحناهم الفرصة ودمجناهم في الوزارة، علمًا بأنه ليس من السهل أن يترأس موظف شاب شخصاً آخر كبيراً في السن. لكن، نحن على قناعة بأن التعددية والدمج في سوق العمل يشكلان مبدأ، والمبدأ لا يخضع لأي اعتبار، بل العكس يُطبَّق ويتجاوز كل الاعتبارات.
وعند الحديث عن المبدأ، ولضرورة الحاجة إلى تبسيط الأمور، كان بيني وبين مدير المحاكم الشرعية، القاضي إياد زحالقة، حديث سابق، أخبرته خلاله بأنّ المحاكم الشرعية معفاة من تعيين يهود، فهي تشغل العرب فقط، لكن عليك أن تحاول توظيف عرب من ذوي الاحتياجات الخاصة وهذا ما كان. توجهت إلى المحاكم الدينية الدرزية وطلبت تعيين نساء وهذا ما حصل هناك أيضاً. 

هل يتم في المقابل تنظيم ورشات مهننة للمحامين، كي يتم قبولهم في الوظائف الحكومية، وخاصة في وزارة القضاء؟
الفكرة الشائعة هي أنّ سوق المحامين في حالة إشباع، وهو ما يسبب البطالة والبطالة الخفيّة، إذ هنالك قرابة الـ 70 ألف محامٍ. لكنني أقول دائمًا إنّه ليس من الضروري أن يعمل المحامي في مهنة المحاماة فقط. 

على سبيل المثال، قمنا مؤخرًا بدمج محامين في سلطة الطابو. فعليًا، نحن لسنا بحاجة إلى محامين هناك، لكن للمحامي أفضلية على أي موظف آخر. 

نحن لا نقوم بإجراء دورات تثقيف ومهننة. وبرأيي، هذه وظيفة نقابة المحامين. في المقابل، نحن لا نؤيد الادعاء القائل بأن طلاب الكليات، ولأن إنجازاتهم التعليمية أقل من طلاب الجامعات، هم أقل كفاءة، فأنا نفسي لم أكن طالبة متميزة في الجامعة، كنت متمرنة متميزة وأبدعت في العمل، لكن تحصيلي العلمي كان أقل. واليوم في الوزارة، هنالك عدد لا بأس به من طلاب الكليات التي لمع اسمها وحققت إنجازات ملموسة.
كلمة السر في مهنة المحاماة ليست التحصيل العلمي، إنما الرغبة والشغف في مزاولة المهنة، وهي صفات أهم من التحصيل والعلامات، في رأيي. 

هل تم نسخ النموذج الذي بادرتِ إليه في وزارات أخرى؟ نقصد دمج الأقليات في الوزارات الحكومية.
أنا لم أتطرق إلى النموذج كله. فقد ذكرت الجزء الأول منه فقط. وبالنسبة لسؤالك، فبعد أن اطلع رئيس الدولة على الإنجازات، قام بجمع 6 مدراء عامين؛ من وزارة الصحة، وزارة العمل والرفاه والخدمات الاجتماعية، وزارة المالية، سلطة الخدمات العامة للدولة، وزارة القضاء ووزارة المواصلات وعرض عليهم الإنجازات التي تحققت. 

حاليًا، تُقدَّم في 3 وزارات تقارير عن التعددية في التوظيف ودمج الموظفين، منها وزارة الصحة ووزارة العمل والرفاه الاجتماعي.
أنا مستمرة في المحاولات التي وصلت إلى اقناع المحاسب العام, وجهاز المحاكم, بتوظيف أبناء أقليات . فـتخيلوا، مثلاً، أنه لم يكن في المحاكم في منطقة النقب أي موظف عربي، بينما هنالك اليوم عدد من الموظفين العرب.
حتى من ناحية كتابة التقارير الحكومية، بدأت بالتفكير في دمج عرب وآخرين من أقليات أخرى، حتى وصلنا إلى مرحلة نجد أنّ موظفاً عربياً يعالج شؤون اليهود من أصول اثيوبية والعكس صحيح. وفي رأيي، هذا هو التكافل المجتمعي المطلوب.


لنتحدث عن إنجازات أخرى تحققت من خلال وظيفتك؟

لنحدد النقاش هنا، جميع الإصلاحات والتغييرات التي قمت بها تصب في خانة تسهيل المناليّة للعدل، ما يعني أن يكون العدل متاحًا للمواطن البسيط.
في هذا السياق، وسعنا بشكل كبير جميع المراكز التي تقدم مساعدات قضائية. أقمنا وحدة كهذه هي الأولى في مدينة اللد، وهي وحدة ضرورية، حيث يحتاج السكان هناك إلى خدمات قضائية بشكل متواصل. 

وسّعنا الخدمات القضائية في المحاكم. فهنالك اليوم في كل محكمة موظف من وحدة المساعدة القضائية وظيفته استقبال جمهور المحتاجين ومساعدتهم في الحصول على خدمات قضائية، في حال تعذّر ذلك عليهم من ناحية اقتصادية. 

وسّعنا، أيضًا، دائرة الخدمات التي يقدمها الدفاع في الاجراءات الجنائية (הסנגוריה). فخط الدفاع يعمل 24 ساعة ويستقبل مكالمات من الجمهور ويعمل على إرشادهم وتوجيههم. 

إلى ذلك، قمنا بتحسين الخدمات في مكتب الوصي العام. والأهم، أننا أحدثنا ثورة رقمية في مكتب الطابو. فكي تسجل "ملاحظة تحذيرية" ( הערת אזהרה) في الطابو، لم تعد ملزَماً اليوم بالوصول إلى هناك والانتظار ساعات في الدور، بل يكفي أن تدخل إلى الموقع من خلال البطاقة الذكية وتقوم بتسجيل هذه الملاحظة. من المؤكد أن هذا يوفر الكثير من الجهد، الانتظار والمعاناة اليومية. 

في المحاكم الشرعية، على سبيل المثال، أحدثنا ثورة شاملة. وهي ثورة بدأت مع الوزيرة السابقة تسيبي ليفني واستمرت مع الوزيرة الحالية أييليت شاكيد، فقد زدنا عدد القضاة من 10 إلى 18 قاضياً شرعياً، غيّرنا ووسعنا في جميع المحاكم، أضفنا طواقم عمل إلى الطواقم الحالية، ولأول مرة هنالك مساعدون للقضاة وسكرتيرو محاكم. 

لم نكتفِ بهذا فقط، بل قمنا ببناء محكمة شرعية إضافية جديدة، في سخنين. وفي هذا الصدد، يمكن النظر إلى الإنجازات وكأنها تحصيل حاصل، لكن عند القرار بشأن إقامة مبنى حكومي تابع لوزارة القضاء، نحتاج إلى اختيار المبنى الذي يستوفي جميع المعايير، وهذه المهمة كانت مستحيلة تقريبا في سخنين. إلا أننا، ورغم ذلك، نجحنا في هذه المهمة، لم نطوِ الملف ولم ندّع بأنه لا يوجد مبنى، بل عملنا على تحسين مبنى حتى يستوفي جميع الشروط والمعايير.
فوق هذا كله، وهذه خطوة قامت بها الوزيرة شاكيد نفسها، قمنا بتعيين محامية كأول قاضية شرعية، وهي إنسانية مهنية تمتلك الكفاءة تمامًا وقد بدأت بمزاولة منصبها في عكا في العام 2017. 

يمكن التلخيص والقول في هذا السياق أننا نجحنا في تحويل وزارة القضاء إلى وزارة اجتماعية تحمل السمات الاقتصادية، فمن ناحية عززنا مناليّة الحصول على خدمات ومن ناحية أخرى وفرنا بشكل كبير في طواقم العمل والموظفين. 

كيف تجاوزتم الخلاف الديني حول تعيين قاضية شرعية؟
بداية، من المعروف أن هنالك قاضية شرعية في السلطة الفلسطينية وفي الأردن أيضاً. لست مطلعة على النقاش الديني، لكن هذا دليل مؤشر على أنّ إمكانية تعيين امرأة قاضية شرعية هي إمكانية واردة. 

تعيين القاضية الشرعية المسلمة جاء بعد عملية إصلاح كبيرة في المحاكم الشرعية، كما فصّلت أعلاه، وعندما نقوم بكل الإصلاحات نستطع المطالبة بتعديل وتحسين الجهاز. وقد جاء طلبنا ليس من موقع الفرض والإملاء، وإنما من خلال الحوار، وهو مدعوم بطلب من عضويّ الكنيست العربيتين أيضاً.

لقد قوبل الاقتراح بالترحيب وتم تطبيقه برحابة صدر. وفي المقابل، نواصل تحسين الخدمات في المحاكم الشرعية وتسهيل مناليتها للجمهور العام وللنساء خاصة. 

من الواضح أنّ جل عملك هو في المستوى المهني، أليس لك تدخل سياسي، في قانون المستشارين القضائيين، مثلاً، أو في قوانين أخرى؟!
لتوضيح هذه النقطة، وظيفة المدير العام هي الحفاظ على التنظيم الإداري في الوزارة، في حين أن الوزير هو المسؤول عن سياسات الوزارة.
لطالما حافظت على أن أمارس منصبي بصورة رسمية، وهذا ما عزز ثقة الوزراء باختلاف انتماءاتهم السياسية بي،. فأنا لا أتدخل في قراراتهم السياسيّة. قد يحدث أن يُطرح موضوع هو في صلب مسؤوليتي ومجال عملي، مثل قانون محو ملفات من المحاكم المختلفة، مثلاً. هذا الاقتراح يتعلق بعملي بصورة مباشرة. وفي هذه الحالة، تقوم الوزيرة أو الوزير بالتشاور معي، لأن هذا يصب في مجال عملي.
فيما يتعلق بقانون المستشارين القضائيين، نظرًا لأني ترأست لجنة منذ أعوام تعمل على إيجاد مستشارين ملائمين، فقد يكون لي رأي في الموضوع، لكنني لا أتدخل في معظم القوانين التي تُطرح ولا تدخل في صلب عملي. 

والجدير بالتنويه أن الوزيرة الحالية تحترم طريقة عملي واستقلاليتي في خلق وزارة اجتماعية قريبة من الجمهور وهي تمنحني المساحة اللازمة لتطبيق ذلك. وأنا أحترم عملها وقراراتها أيضاً.

لكن طبيعة العمل هذه تختلف عن عملك في قسم العفو. في حينه، كانت لك قرارات مصيرية في إتمام صفقة شاليط. أليس كذلك؟
هذا تقدير خاطئ، إذ لم تكن لي أية قرارات مؤثرة في صفقة شاليط. كان دوري إدارياً ومهنياً خالصاً، ما يعني قراءة ملفات الأسرى ووضع تقديرات بشأن إطلاق سراحهم ـ ماذا يعني إطلاق سراح أسير يداه ملطختان بالدم، قتل العشرات وحُكم عليه بالسجن عدة مؤبدات؟ وما هي الخطورة التي يشكلها؟ وفي المقابل، ماذا يعني إطلاق سراح أسير آخر قضى في السجن شهراً واحداً فقط من مدة محكوميته؟
في صفقة شاليط، كان القرار في إتمام الصفقة قرار الحكومة فقط. لم ولن يتجرأ أي موظف حكومي على التعبير عن رأيه في مثل هذه القضايا، سواءً كانت الصفقة صحيحة أم لا، مضرة أم مفيدة، ضرورية أم لا. هذا خطاب لم ولن تسمعه مني أو من أي موظف حكومي مهني يعي حدود وظيفته. 

أقول لك بصراحة، ورغم أنني أتحدث في مقابلة لمجلة باللغة العربية: أنا عملت في أمور تخص الصفقة، وفي تلك الفترة تجند ابني البكر للجيش، فهل تعتقد بأن كون ابني مجنداً قد أثر على عملي؟ الجواب هو: كلا، قطعياً. 

أذكر ان ابني دخل إلى البيت ذات مرة وأفرغ حاجياته. من ضمن الحاجيات، بطاقة الجندي الأسير، ما يعني أنه إذا تم أسره، مثلا، فما هي الحقوق يتمتع بها وفق وثيقة جنيف؟ نظرت إلى الوثيقة التي كانت على الطاولة وبدأت بالبكاء، لأني أم. لكن هذا الموقف لم يؤثر على عملي، إطلاقاً. عندما كنت أصل إلى المكتب، كنت أعزل نفسي بشكل تام عن كل المؤثرات الخارجية وأنفذ وظيفتي في حدود المسموح والمطلوب.
اتهمني كثيرون بأنني قمت بإطلاق سراح مخربين ومغتصبين وقتلة وما إلى ذلك. أنا لم أقم بإطلاق سراح أي أحد،، بل نفذت وظيفتي فقط.
عودة إلى تقرير العنصرية، "تقرير بلمور". هنالك ادعاء بأن التقرير قد تطرق إلى اليهود من أصل أثيوبي فقط وتجاهل العرب. ما تعقيبك؟
هذا ادعاء خاطئ ومغالط في آن واحد. من المهم قراءة التقرير قبل الحكم عليه. وقد سبق أن سمعت هذه الملاحظة من أعضاء الكنيست العرب. جزء كبير من التقرير قدم توصيات تتعلق بالعنصرية تجاه العرب وتجاه جميع الفئات التي تعاني من العنصرية، بينما تطرقت بعض التوصيات فقط إلى اليهود الأثيوبيين، منها ضرورة إنشاء مجمع مختصين من الأثيوبيين لتحسين صورتهم في الإعلام. وهنا، أنت تعلم جيدًا أنّ هذا المشروع قائم في المجتمع العربي وأنّ هنالك بوادر لتحسين صورة العرب في الإعلام الإسرائيلي، وإن كانت ليست كافية.
بعيدًا عن العنصرية والسياسية، أثارني أنك سيدة ومع ذلك ترفضين قانون تجريم الرجال "مستخدمي الخدمات الجنسيّة"؟ 

لنبسط الموضوع قليلاً. أنت محامٍ وأنا محامية، وكلانا يعرف مدى صعوبة أن يكون لشخص ما ملف جنائي. لنفرض، مثلاً، أنّ هناك شاباً يدعى أمير، موظف ومجتهد، لكن يرغب في خدمة جنسية. لماذا نقوم بفتح ملف جنائيّ ضده؟! 

في السويد، على سبيل المثال، كان الحل من خلال عقوبات مالية، وهذا قلل فعلا، وبشكل كبير، من استخدام الخدمات الجنسية، إلا أنّ هذا القانون كانت له إضافة وهي العمل على إخراج النساء من دائرة البغاء والعمل في الزنا، من خلال تقديم الخدمات اللازمة لهن والعمل معهن لإخراجهن من هذه الدائرة.
ما أقوله هو التالي، لنترك أمير جانبًا ولنهتم أكثر بدعم وتأهيل هؤلاء النساء. فمجرد أننا قدمنا لائحة اتهام جنائية ضد أمير يعني أننا نوسع دائرة الإجرام ولا نقلص دائرة استغلال النساء.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]