يقول "غسان كنفاني "حين تخون الوطن، لن تجد ترابًا يحنُّ عليك يوم موتك، ستشعر بالبرد حتى وأنت ميّت". قول يدعم ما يحصل للعرب المجندين في الجيش الإسرائيلي من اذلال وسخرية حتى بعد انهائهم للخدمة العسكرية فلا يتم تقبلهم في المجتمع الإسرائيلي ويتم نكرانهم من مجتمعهم الفلسطيني أيضا.

يتهم بعض السياسيين العرب في "إسرائيل" الحكومة بتقديم رشاوى لاصطياد الشبان العرب من خلال سياسة ممنهجة تبدأ بإفقار الناس من أجل حملهم على قبول الخدمة في الجيش. اذ انه ما بين 52 و54 في المئة من الفلسطينيين في إسرائيل يعيشون تحت خط الفقر لإن سياسة الحكومة القائمة على تفقير الناس ترغمهم على قبول الحل الوحيد المتاح أمامهم.

اخرج من هنا يا عربي

كشف النقاب مؤخرا عن قصص لمجندين عرب في الجيش الإسرائيلي عانوا التنكيل والإذلال والطرد والتهديد والتجويع والسخرية فقط "لأنهم عرب"، احد المجندين لم تشفع له خدمته العسكرية حيث تعرض بحسب وسائل اعلام إسرائيلية الى الإهانة والتنكيل في القاعدة العسكرية التي كان يعمل حارسا للمنشآت فيها، حيث جاء في التقرير ان الجنود الإسرائيليون قاطعوه واطلقوا عليه الفاظا بينها "كلب مخرب" و عربي فلسطيني" وكانوا يلقون الحجارة على شباك غرفته وسرقوا سلاحه الشخصي في احدى المرات واخذوا يسخرون منه وهو يبحث عنه واغلقوا عليه محبس الماء في كل مرة يستحم بها ونشروا النفايات في غرفته وهددوه بمنعه من الدخول الى غرفة الطعام اذا لم ينظف المراحيض يقول "اذكر انني مكثت بدون طعام لمدة ثلاثة أيام"، المجندات الاسرائيليات أيضا حاولن السخرية منه وهددنه باتهامه باغتصابهن في حال تقدم بشكوى ما دفع للجوء الى قائد القاعدة لتقديم شكوى حول تعرضه المتواصل للتنكيل الا ان الأخير طرده بحجة انشغاله قائلا "انا مشغول، اخرج من هنا يا عربي"، وفي احدى المرات سمعت والدة المجند بالصدفة التنكيل والسخرية التي يتعرض لها اثناء حديثه معها عبر الهاتف فطلبت منه العودة الى البيت ويعتبر منذ ذلك الحين "جنديا هاربا من الخدمة العسكرية ويرفض العودة اليها" كما انه يعاني من "اضطراب ما بعد الصدمة" بحسب تقرير الطبيب النفسي.

كنت فخورا بخدمتي في الجيش لمدة 23 عامًا، ولكن اشك بأن أقوم بالخدمة مرة أخرى

قضية أخرى طفت على السطح مؤخرا تدعم نظرية ازدراء الاسرائيليين للمجند العربي، يعتقد الضابط من أصول بدوية وحيد الهزيل أنه لا يمكن أن تتحقق المساواة في "إسرائيل" خاصة بعد قانون القومية، تصريحاته جاءت لوسائل اعلام اسرائيلية بعد ان رفضت مستوطنة "كيرم شالوم" اليهودية السماح له بالسكن لديها، "كنت فخورا بخدمتي في الجيش لمدة 23 عامًا، ولكن اشك بأن أقوم بالخدمة في الجيش مرة أخرى بعد كل ما حصل"، الضابط وحيد الهزيل من مدينة رهط- جنوب الأراضي المحتلة يصف نفسه بانه كان المدافع الأول عن اسرائيل وعمل عشرات السنوات لصالح امنها تعرض خلالهم لإصابات كثيرة ولكن خدمته في الجيش الإسرائيلي لمدة 23 عاما لم تحقق له المساواة ولا الكرامة، في 2006\7\25 اشتبك مع مقاومين فلسطينيين خلال عملية اسر الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط" بالقرب من المستوطنة ذاتها، وفي عام 2008 اشتبك مع مقاومين فلسطينيين نفذوا هجوما عليها وكان حينها نائب قائد كتيبة دورية الصحراء وأصيب في هذه العملية وحصل على ميدالية "رئيس الأركان"، وخلال عام 2012 كان الهزيل يعمل قائدا للكتيبة الصحراوية المؤلفة من البدو، أصيب خلال اشتباك مع مصريين أرادوا ان يقوموا بعمليات ضد اهداف إسرائيلية ، وبعد سنوات من انهاء خدمته العسكرية وبالتحديد في عام 2017 أعلنت المستوطنة عن قدرتها على استيعاب إسرائيليين وعائلات إسرائيلية للسكن فيها واتصل الهزيل بالأرقام المخصصة للاستفسار عن الامر لتأتيه الإجابة من الموظف بعد ان تأكد من انه عربي "هذا المكان غير مناسب لك" وعندما اصر على معرفة سبب الرفض قيل له ان "هذه المستوطنة لا تناسبه اجتماعيا" وذلك بالرغم من انه عمل في المنطقة لسنوات ويدرك طبيعة الحياة بها وفي نهاية المحادثة الهاتفية اكد الموظف بانه سيعود له بجواب وحتى اليوم ما زال "الضابط الوفي" ينتظر الجواب. خدمته في الجيش الإسرائيلي وحمايته للمستوطنين كل تلك السنوات لم تشفع له لديهم، فعلى الرغم من أسفهم بسبب المشاعر التي تولدت لدى الهزيل لرفضهم أن يكون من سكان المستوطنة، إلا أنهم لم يبدوا أي استعداد للموافقة على مسألة كهذه

هروب من واقع مجتمعي سيء

الشاب امير "اسم العائلة لدى التحرير" من سخنين، أنهى خدمته العسكرية في عام 2013، بعد ثلاث سنوات قضاها في الجيش الإسرائيلي حيث خدم في وحدة حرس الحدود، ذاق فيهم شتى أنواع الإهانة والاذلال جعلته يعتبر الخدمة العسكرية امر مستهجن وغير مستحب للعربي، يرى امير ان التحاقه بالجيش الإسرائيلي منذ البداية كان للتعرف على الخارطة السياسية المفروضة في "إسرائيل" والتي تتقلب بين قوى يمين يسار ومركز حيث اعتقد ان الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي وسيلة جيدة للتعرف على الشعب الذي يعيش معه "المقصود اليهود" ويفهم طريقة تفكيره، "لا أؤيد الخدمة في الجيش الإسرائيلي ولكنني اعتقد ان ذلك وسيلة جيدة للتعرف على الشعب الذي نعيش معه خصوصا وأننا نقضي 24 ساعة مع اليهود في الجيش"

امير قال لـ "بكرا": ينظر الفلسطينيون في إسرائيل والفلسطينيون عموما الى المجند العربي بشكل مختلف ومنتقد اذ يعتبرونه "خائن" لقوميته وعروبته وشعبه، فرفضه للخدمة العسكرية من المسلمات، لأنه من البديهي والممكن خلال تأديته هذه الخدمة ان يواجه أبناء شعبه في أراضي الضفة المحتلة وقطاع غزة وحتى في الداخل الفلسطيني وربما يضطر الى قتلهم لكن معظمهم يلجأ الى الجيش للهروب من واقع مجتمعي سيء فغالبية المتجندين في الجيش الإسرائيلي هم من عائلات بسيطة ومحدودة اقتصاديا يهربون من مجتمع يعيق تقدمهم الاقتصادي واستقرارهم المادي في اطار يرفع مكانتهم على كافة المستويات اعتقادا منهم ان الخدمة العسكرية ستكون كرتا اخضرا يضمن لهم مستقبلا مزهرا ورديا من خلال الاندماج في المجتمع الإسرائيلي والحصول على ميزات لا يحصل عليها أي فلسطيني لا يخدم في الجيش في حين انهم يصطدمون بالواقع فيلفظهم الجيش ولا يتقبلهم الجنود الإسرائيليون ويقضي فترة خدمته العسكرية منبوذا ووحيدا وعندما ينهي الخدمة لا المجتمع اليهودي يتقبله ولا العربي أيضا. بينما هناك اخرون يخدمون في الجيش ايمانا منهم ان "إسرائيل" هي "دولتهم".

امتيازات تعد بها "إسرائيل" العرب لاصطيادهم

وتابع: انا لست ضد التجنيد ولكني لا اؤيده، عائلتي كلها خدمت في الجيش الإسرائيلي جدي والدي واعمامي، لأنهم يؤمنون بان "إسرائيل" هي "دولتنا" ويجب ان نحافظ عليها ونخدم في جيشها، انا لا ارفض عروبتي ولا اتنكر لجذوري الفلسطينية ولكن في النهاية انا احمل الهوية الإسرائيلية، تختلف الأسباب التي يتجند العرب لأجلها عن الأسباب في تجنيد "إسرائيل" لهم، فهناك المجموعة الصغيرة المهمشة التي تخدم في الجيش خدمة لإسرائيل ضد شعبها تدرك أنها تتجاوز خطا أحمر في الوطنية. كما ان 90 في المئة من العرب الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي لا يُعاملون على قدم المساواة أسوة بالإسرائيليين. إن إسرائيل لا تحتاج إليهم لحماية أمنها، إنها قضية سياسية- أولا وقبل كل شيء هي مسألة فرق تسد. هذا ما يراه بعض المنتقدين للخدمة العسكرية لكن دعونا نطرح بعض الامتيازات التي تعد بها "إسرائيل" العرب لاصطيادهم، احدى الامتيازات هي إمكانية لشراء قطعة ارض من "الدولة" بسعر زهيد او منخفض، في الوقت الذي يسمح لليهودي الحصول على ارض او بيت بدون حتى تأدية الخدمة العسكرية عكس العربي، الذي لا يحصل أيضا على الارض مجانا وانما يدفع نسبة 30% من سعرها، يقول امير "يرى الشبا العربي بهذه الأرض فرصة ذهبية نظرا لانعدام مساحات البناء في البلدات العربية وسعر الأراضي المرتفع الذي يصل أحيانا الى ملايين الدولارات.

امتيازات للقادمين الجدد وتهميش المجندين العرب!

وفسر قائلا: هذه الامتيازات ليست للعربي فقط بل هناك امتيازات تعطيها إسرائيل للقادمين الجدد "يهود أمريكا وأوروبا" ولكنها غير مشروطة بالخدمة العسكرية اذ تسعى "الوكالة اليهودية" دائما الى إحضارهم الى إسرائيل من خلال برامج وجولات كما يحصلون على امتيازات متعددة مثل المال، وبيت للسكن، أمور اساسية يجب ان تحرص أي سلطة حاكمة ان توفرها لكل مواطن بصرف النظر عن قوميته الا ان العربي يرهن حصوله عليها بولائه "لإسرائيل" يقول امير "الامر غير منطقي، يدفعون المليارات على القادمين الجدد" يتم تقسيم المجندين بحسب قدراتهم الجسدية والفكرية، والتعليمية أحيانا، بعد اختبارهم، ويتم وضع الشرائح المستضعفة مثل العرب والاثيوبيين في مناطق الصراع حيث ان معظم الجنود في وحدة حرس الحدود هم "عرب واثيوبيين والبدو"، يقول امير "كنت ضمن كتيبة حرس الحدود وهي الكتيبة التي تستقر على الحدود بين الدول او المناطق التي تشهد صراعا مستمرا، ومعظم نخبة حرس الحدود في الجيش الإسرائيلي يضعونهم على المعابر مع مناطق الضفة المحتلة، الجنود من هذه الطبقات وخصوصا العرب يواجهون محاولات عنصرية وتهميش بشكل مستمر، فهو ليس مستهدف فقط من اليهود الإسرائيليين فقط بل هناك الاثيوبيين الذين يتفننون في قمع الفلسطينيين من خلال تجنيدهم في وحدات المطاردة وحرس الحدود والخدمة على المعابر والحواجز اذ يتم غسل ادمغتهم مع وصولهم الى اسرائيل واشباعهم بأن العرب لا يزالون يؤمنون بالقضاء علينا "كانوا يصفونني بأنني جاسوس في الجيش الإسرائيلي، حتى كانوا يرفضون ان اتحدث باللغة العربية وهي لغتي ويرددون على مسامعي جملة "انت واحد مننا لكنك لست لنا" وأحيانا تكون هناك إساءة حرفية لشخصي".

تتكاثرون مثل الحيوانات!

ووجه امير نصيحة الى الشباب العرب الذين ينوون الالتحاق بالجيش الإسرائيلي قائلا: انا انصح كل عربي يريد ان يتجند في الجيش ان يدرس الامر جيدا قبل ذلك ويدرس تاريخنا وتاريخ "إسرائيل" ويدرس اكثر الإمكانيات المتاحة امامه في الجيش وما بعد الجيش ويتابع تجارب من سبقوه. يسرد امير عن معاناته باقتضاب بعد ان وجه نصيحة لكل عربي يريد ان يتجند في الجيش الإسرائيلي ان يدرس الامر جيدا ويتعلم من تجارب من سبقوه "كنت مستاء جدا من معاملة الجنود اليهود معي في الجيش، كانوا ينبذونني لأنني عربي مسلم بالأساس أتيت من عقيدة ومن بيت يؤمن بالسلام والمحبة ويؤمن بان جذورنا فلسطينية ولكننا في النهاية مواطنين في إسرائيل وواجب علينا ان نخدم عسكريا"، ويتابع "اليوم انا لا أوافق هذا الرأي، ولا أوافق على انني يجب ان اتجند حتى احصل على الامتيازات، انا مواطن في "إسرائيل" واقوم بدفع جميع واجباتي الضريبية وغيرها وعلى الدولة ان تعطيني حقوقي كاملة" خلال الجيش يتم التركيز على قضية "المحرقة اليهودية" او ما يسمى ب "الهولوكوست" وبالتالي فان المجند اليهودي ينهي خدمته العسكرية ليس كارها فقط للعرب ويشعر بالحقد تجاههم وانما كارها لفئات كثيرة، "اذكر مرة ان أحد الجنود اليهود سألني مرة سؤال غريب "كم تتكاثرون في السنة" وعاد ليتابع "انتم تتكاثرون مثل الحيوانات".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]