القراءة كنزٌ ثمينٌ يُستغنى به عن باقي الكنوز، وهو الباب الذي يدخل به الفرد على حقل المعارف فيختار أزكاها لينتفع به، فتجده يتجوّل عبر الكتب التي يختارها بين ماضٍ عابق بالتجارب والإفادة باحثاً عن إجابات حاضر يعجُّ بالأسئلة والألغاز مقبلاً على مستقبلٍ مليء بالتقدّم والتطور، فتتوسع بذلك مداركه ويتوهج عقله بما يختبره في تلك الكتب من معلومات تتطلب منه جهداً يستثمره في ربط، وتحليلٍ، وتمحيصٍ، وتخيُّلٍ، وتتبعٍ للسياق، واحتفاظٍ بالمعلومات، ثمّ إنَ القراءة تشذّب لغة الفرد وتجمّلها وإن لم يشعر، فمن خلالها يطّلع على غريب المعاني والمفردات، وروائع الآداب من شعر ونثر ورواية وغيرها، وما تحويه من حكمٍ وعبر، فيعلَق في ذهنه ما يعلق، ويترك ما بقي منها أثراً حسناً في جوارحه دون أن يشعر.

مراسلتنا اجرت حديثا مع الكاتبة نورا صالح من قرية المشهد وهي من مؤسسي نادي القراء في المشهد.


1) كيف نخلق قيمة القراءة في نفوس اطفالنا؟

- جميعنا ندرك بأنّ الأطفال يقلّدوننا في كلّ شيء، يستخدمون كلماتنا التي نكرر قولها، يحبّون ارتداء ملابس تشبه ملابسنا، ينتعلون أحيانًا أحذيتنا لشعور مؤقت بأنهم أصبحوا نحن. لذلك فإنّي أرى قبل كلّ الأشياء التي بإمكانها تحفيز أطفالنا على القراءة هي أن نقرأ أمامهم، ونقرأ لهم. أن نخصص وقت يوميّ للقراءة كما نخصص وقت لاستخدام الحاسوب، كما نحدد وقت اللعب. علينا أيضًا أن نشتري لهم الكتب، كما نشتري الملابس والغذاء وكما نحرص على نموّهم الجسديّ، علينا ألا نغفل عن نموّ أذهانهم. علينا أن نأخذهم للمكتبات، أن نعرّفهم على سحر الكتب، وأن نصنع لهم مكتبات في غرف نومهم. أن نحكي لهم القصص قبل النوم. وأن نحسن في البداية تعريفهم على أدب الأطفال الجيّد.

2) كيف نجعل القراءة عادة؟

- لم أفكر يومًا كيف أجعل من القراءة عادة يوميّة. أنا أشعر بالنقص الشديد في اليوم الّذي لا أتمكن فيه من القراءة، وأقرأ بشكل يوميّ منذ الصّغر، لذلك لم أواجه يومًا معضلة عدم القدرة على البدء في القراءة والاستمرار بها، ربما لأنني أفهم جيّدًا كيف ينعكس فعل القراءة على حياتي. لكن أستطيع القول من خلال تجربة إنشاء نادي القرّاء في البلدة، الذي يضمّ شريحة مختلفة من القرّاء، من ضمنهم أشخاص لم يقرأوا قبل النادي بالمرّة، هو الالتزام في تحديد وقت يومي للقراءة، قراءة صفحة أو أكثر، ثم قراءة ساعة يوميّة، وهكذا.. التدريج في البدايات.
وتابعت: ثمّ القراءة فيما نحبّ أن نعرف عنه، حتى نستطيع فيما بعد أن نقرأ فيما لا نحبّ، وأن نقرأ في كافة الأجناس الأدبيّة. وقبل ذلك أن نؤمن بتأثير القراءة وأهميّتها في حياتنا. أشعر بأنه من الصّعب أن تصبح القراءة عادة لأشخاص لا يدركون قيمتها وأهميّتها، ولا يلمسون التأثير الكبير الذي تحدثه على تفكيرهم، أو أولئك الذين لا يسمحون لها بإحداث ذلك التغيير.

3) ماذا نعمل مع الكتب العميقة والجادة؟

- نغار أولًا لأننا لسنا من كتبها. ونحسد الكاتب العظيم الّذي تمكّن من اختراق حواجز كثيرة واستطاع الوصول إلى نقاط عميقة في داخلنا، واستطاع أن ينير الضوء في غرف مظلمة منذ زمن.ثمّ نعممها على الأصدقاء والقرّاء، نكتب توصيّة فيها، مراجعة نحلل خلالها ما قرأنا وما استطعنا أن نكشف من خبايا الكتاب. ولإحداث الجدوى الكبرى من قراءة كتاب جيّد، هو مناقشته في نوادي القراءة مع مجموعة كبيرة من القرّاء الذين قرأوا الكتاب نفسه، ولكن حين يبدأون الحديث يكتشفون جميعًا، بأنّ كل واحد منهم قرأ وحلل شيئًا مختلفًا، وهذه هي اللذة العظيمة في الكتب، أنها مفتوحة على التأويل.


4) كيف نصنع من القراءة متعة؟

- هذا شيء لا يمكننا صنعه. كلّ القرّاء يشعرون بالمتعة أثناء القراءة، ويدركون بأنّ ليس لهم أيّ يدٍ في ذلك. القراءة نفسها تحوي على المتعة. ندرك ذلك عندما نبدأ برسم الشخصيات من خلال المعطيات المتواجدة في الكتاب، عندما نبدأ في سماع الأصوات وكأنها تدور في الغرفة حولنا. عندما نسابق الأحداث، ونتخيّل ونخمّن مسار الشخصيات، عندما نفكّر حتى بعد القراءة فيما سيحدث بعد أن انتهت الحكاية. المتعة تكمن في إثارة خيال القارئ، والكتب الجيّدة قادرة على استثارة خيالاته. وهكذا نشعر بالمتعة ونحن في حضرة الكتاب.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]