- استعراض تحليلي أعده: أدار بريمور (" شومريم"- المركز للإعلام والديمقراطية)

- ترجمة وتلخيص: موقع " بُـكرا"

خصصت وسائل الإعلام المحلية والعالمية حيزًا واسعًا لاتفاقية السلام بين إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة، بوساطة أمريكية، وسط خلاف واختلاف حول بعض تفاصيل هذه الاتفاقية، لا سيما حول تأثيرها على ميزان القوى في المنطقة، وعلى العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، ودور تركيا وإيران في إضعاف الموقف العربي، واحتمال انضمام أطراف عربية أخرى تيار التطبيع مع إسرائيل، وما إلى ذلك.
لكن لوحظ إجماع على موضوع واحد، ألا وهو أهمية تلك الاتفاقية بالنسبة لنتنياهو وترامب، على خلفية تراجع شعبيتهما لنتنياهو وترامب، على خلفية تراجع شعبيتهما بسبب أزمة الكورونا، إذ يبدو أن الاتفاقية ستسهم في انتعاش شعبية الزعيمين، وفي الخروج من ورطة ضم غور الأردن، وهي القضية التي نشأت في أعقاب " صفقة القرن" التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب قبيل الانتخابات الإسرائيلية العام الماضي.
أسئلة معقدة، وأجوبة معقدة
وهنا يجدر طرح السؤال حول ما إذا كان هذا المسار برهانًا جديدًا على النظرية الشائعة القائلة بأن العلاقات بين رئيس حكومة إسرائيلي ورئيس أمريكي لم تشهد تقاربًا إلى هذا الحد، وكتحصيل حاصل- لم يكن لإسرائيل تأثير بهذه القوة على البيت الأبيض.
وبما أن الواقع مركب ومعقد، كذلك فإن الجواب على هذه الأسئلة أشد تعقيدًا.

نبدأ بالحقائق: خلال السنوات الأربع الأخيرة تلقى نتنياهو من ترامب رزمة من الهدايا التي لم يسبق لأية إدارة أمريكية أن قدمتها إلى إسرائيل، أهمها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، وإلغاء الاتفاق النووي مع إيران.

وتضاف إلى هذه " الرزمة" ما أشيع عن أن إسرائيل كانت الدولة الوحيدة التي شوركت في مخطط اغتيال قاسم سلماني، قائد " فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني مطلع هذا العام.

ولعل الأمر الآخر الذي يندرج في هذا السياق هو القرار الذي اتخذه ترامب عام 2018 بشأن التقليص الهائل في المعونة المالية الأمريكية للفلسطينيين.
التقرير التالي يتضمن مقابلات مع عدة خبراء ضالعين في العلاقات الإسرائيلية-الأمريكية، يتحدثون عن سبب الدفء الاستثنائي في هذه العلاقات، والأهم من ذلك أنهم يحاولون الإجابة على السؤال المركزي: هل تُعتبر إسرائيل رابحة من هذه العلاقات، أم ربما تكون خاسرة؟

* * *

صفقة القرن

يتجلى التأثير والنفوذ الإسرائيلي الفائقان في " صفقة القرن"، التي طرحها الرئيس الأمريكي ترامب كمشروع للسلام في الشرق الأوسط.
ويدّعي " يغئال بلمور"، المتحدث السابق بلسان وزارة الخارجية الإسرائيلية، أنه من السهل تشخيص دور إسرائيل في صياغة هذه الصفقة، من خلال اسهامات السفير الإسرائيلي في واشنطن- رون ديرمر، وسفير إسرائيل السابق في الأمم المتحدة- دوري غولد. ويضيف أن ترامب منح نتنياهو تفويضًا تامًا وكأنه يقول له ولدولة إسرائيل: " افعلوا كل ما تشاؤون، وأنا داعم لكم"!

من المعروف أن دينيس روس، كان من أنشط الشخصيات في إطار المساعي الأمريكية لإحلال السلام في الشرق الأوسط، متمسكًا بالنهج التقليدي للبيت الأبيض فيما يتعلق بالروابط مع إسرائيل، وهو يؤكد الآن على الدور المؤثر لإسرائيل في صياغة " صفقة القرن" حيث يعترف بأن التنسيق للصفقة تم مع إسرائيل وحدها، وبقي الفلسطينيون خارج الصورة، وكذلك زعماء الدول العربية، حيث لم تُعرض أمامهم- لا الخطة ولا الخرائط، بينما شوركت إسرائيل مسبقًا في كل شيء.

ويلمح روس إلى أن سبب الدور الإسرائيلي المتنفذ في صفقة القرن يعود إلى مجموعة المستشارين والمقربين اليهود لدى ترامب، بالإضافة إلى السفيرة الأمريكية سابقًا في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، التي لم تدّخر وسعًا في إظهار دعمها لإسرائيل على جميع الأصعدة.
ويؤكد روس أن البيئة اليهودية المقربة من ترامب- مثل صهره جارد كوشنر والمبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلاط، والسفير الأمريكي في إسرائيل- ديفيد فريدمان، يُظهرون التزامًا " نادرًا" بمصلحة إسرائيل، ولهم تأثير فائق على الرئيس ترامب، يضاهي تأثير المسيحيين الانجيليين عليه، بصفتهم القاعدة الشعبية الراسخة والواسعة له (70-80 مليون شخص) وينتمي إليهم مايك بومبيو- وزير الخارجية، ومايك بنس، نائب الرئيس، وكلاهما مرشحان لوراثة ترامب.

إيران والقضية الفلسطينية

بالإضافة إلى الأجندة المشتركة لنتنياهو وترامب فيما يتعلق بإيران والقضية الفلسطينية ومكافحة الإرهاب- فإنهما يتشاركان أيضًا في العداء للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، حيث يعتقدان أنه مني بفشل ذريع في الشرق الأوسط، وخاصة في إحلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ولديهما رغبة انتقامية في محو ومسح إنجازات الرئيس السابق، لا سيما الاتفاق النووي مع إيران.

ويعتقد " ناداف تمير"، القنصل العام الإسرائيلي سابقًا في بوسطون في عهد الرئيسين بوش وأوباما- بأن الرباط الوثيق بين نتنياهو وترامب عائد إلى مبنى شخصيتهما المتمثل في نرجسية الرئيس الأمريكي وفي قدرة رئيس الحكومة الإسرائيلية على اجتذابه لمنفعة المصالح الإسرائيلية. لكن الخبير في الشؤون الأمريكية، ليؤون هدار، يرى في ترامب أمريكيًا متعصبًا ونرجسيًا لا يتوانى عن سحق كل من يتواطأ ضد نهجه ويحول بينه وبين إنجازاته الشخصية، بمن في ذلك " صديقه الأبدي"- بنيامين نتنياهو!
العداء للعالم الإسلامي

يرى البروفيسور شلومو أفينيري، الباحث في العلوم السياسية والمدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية أن ترامب ونتنياهو لا يلقيان بالاً إلى العالم وقضاياه، إلى درجة أنهما لا يبدوان قلقين من تراجع مكانة دولتيهما في الأسرة الدولية، فلم تعد الولايات المتحدة تعتبر شعلة للحرية، ولم تعد إسرائيل تعتبر شعلة للحرية، ولم تعد إسرائيل تعتبر معقلاً وحيدًا لحقوق المواطن في الشرق الأوسط.

يقول البروفيسور أفينيري: " نتنياهو وترامب يعيشان في عالم ذي فرعين: الأول، فرعهما، صادق ومحقق تمامًا في كل شيء، بينما الفرع الآخر مخطئ. وكلا الزعيمين يبحثان عن عوامل الفُرقة ويؤججانها، ويتقاسمان أجندة تستند إلى منطق القوة والعداء للعالم الإسلامي وعدم تقبّل الاتفاقيات وإلى القطعية مع المؤسسات والمنظمات الدولية، كالاتحاد الأوروبي، بينما يبديان تعاطفًا مع الأنظمة الدكتاتورية والشمولية- مثل الفيلبين والبرازيل- وكلاهما يشعران بالارتياح تجاه الرئيس الروسي بوتين.

ويتفق دينيس روس مع البروفيسور افينيري على أن سياسات ترامب الصدامية وعداءه للمنظمات الدولية تلحق الضرر بالمصالح الإسرائيلية: ففي حال نشوء إشكال بين نتنياهو والاتحاد الأوروبي فليس من المحتمل أن يتلقى عونًا أمريكيًا لحل الإشكال، لأن ترامب لا يملك " القوة الناعمة"، ولا يجيدها.

ويتساءل روس: هل تتوافق السياسة الأمريكية تجاه الصين مع المصالح الإسرائيلية؟ الجواب- برأي روس- كلا. وهل بمقدور إسرائيل أن تؤثر على الولايات المتحدة من أجل تغيير سياستها تجاه الصين بحيث تتلاءم مع المصالح الإسرائيلية؟ والجواب هنا أيضًا- كلاّ! وهل نجحت إسرائيل في زيادة الدعم المالي والعسكري المقدم لها من الإدارة الأمريكية الحالية لمقاومة التموضع الإيراني في سوريا؟ كلا وكلا!

ما بعد الانتخابات الأمريكية

تشير معظم التقديرات، إلى أنه في حال فوز ترامب في انتخابات الرئاسة المقبلة ( في نوفمبر تشرين الثاني) فستبقى سياساته تجاه إسرائيل على حالها، وسيصبح إداؤه أشدّ غلوًا وانفلاتًا، ومن الصعب توقّع تداعيات ولايته الثانية على المكانة الدولية لإسرائيل وعلى القضايا الاستراتيجية عالميًا، لكن ليس من المستبعد اتساع الشرخ ما بين إسرائيل وأوساط واسعة في الحزب الديمقراطي وفي صفوف الشعب الأمريكي عمومًا.
وفي حال فوز المرشح الديمقراطي- جو بايدن فستصبح السياسة الأمريكية أكثر توازنًا واتزانًا تجاه القضية الفلسطينية وإيران، وعندها ستتراجع مكانة إسرائيل في المنظمات الدولية، لكن ليس إلى درجة حدوث " زلزال مدمّر".


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]