تعتبر كريمة عبود من اوائل المصورات الفوتغرافيات على مستوى فلسطين وحتى شرق الأردن، ومن الملفت للنظر والإعجاب إن هذه الحرفة التي وصلت لفلسطين في أواخر القرن التاسع عشر كانت تعالج فقط بأيدي ذكور، لان الطلب على الصورة كان احتكاريا من حيث مبدأ الحشمة وعدم السفور والظهور أمام الغرباء وهذا أمر طبيعي في تلك الحقبة الزمنية التي ترافقت بالتواصل مع اللباس التقليدي الذي تجسد بالخمار واليشمك والنقاب إسلاميا ومسيحيا على حدا سواء لا فرق بين الاثنين حتى في هذه السنوات كان الإقبال عليها من قبل العائلات ميسورة الحال فقط.
ولدت الآنسة كريمة اسعد عبود في مدينة الناصرة في أواخر القرن التاسع عشر ويعتقد وفق سجل المعموديات أنها ولدت عام 1894.
كان والدها كاهنا خدم في العديد من المدن والقرى الفلسطينية في الكنيسة اللوثرية وخاصة بيت لحم، وكان دائم التنقل بحكم عمله. وبطبيعة الحال فقد كانت العائلة برفقته أينما كان. مع تفتحها اكتسبت كريمة خلال هذه الفترة من طفولتها الكثير من التجارب.. وفي الناصرة تعلمت المراحل الأولية وفي القدس المراحل الثانوية والأكاديمية في بيت لحم مولد المسيح عليه السلام.
قام والد كريمة خلال تنقله بين العديد من المدن العربية الخارجية مثل السلط ودمشق وبيروت باقتناء كاميرا فوتوغرافية لابنته التي لم تكن آنذاك تتجاوز العشرين من عمرها.
في تلك اللحظة أثبتت كريمة مدى عشقها لجمال الطبيعة وامكانياتها، وراحت تلتقط صورا لمواقع وفيرة من المناطق الفلسطينية، كان أولها المعابد التقليدية منها الكنائس والمساجد.. ثم التقطت صورا كثيرة لمعالم بارزة من المدن الساحلية، منها مدينة طبريا ويافا وحيفا.
حرصت كريمة عبود على أن تضع اسم مدينة الناصرة باللغة الانجليزية كي تعرف مصدرها.. لكن بعد سنوات العشرينيات أصبحت تكتب على ظهر الصورة تحت عنوان (كريمة عبود مصورة شمسية).
لا شك انه كان لكريمة دور كبير في ظهور تلك المهنة التي كانت دخيلة على المجتمع العربي والشرقي! خاصة وان الكثير من العائلات المحافظة لم تكن تقبل بان تظهر على عدسات هذا الاختراع الغريب باستثناء بعض العائلات العريقة التي كانت تتبناها بالتصوير الجماعي، وهو ما تثبته الصور القديمة لبعض عائلات القدس ويافا وحيفا وحتى غزة هاشم في أيام الانتداب البريطاني لفلسطين.
من الناصرة ارض المولد والمنشأ سافرت كريمة لتستقر في بيت لحم مع ذويها، ولتبدأ مرحلة الصعود لحرفية المهنة، ومن هناك افتتحت أستوديو ومشغلا لتلوين وصبغ الصور الفوتوغرافية وإدخال الألوان الزاهية بداخلها وكان هذا الامر نادرا في حينها، فقد أدخلت الألوان الأحمر والأخضر والأزرق لتعطي الصورة النطق بعد الصمت في سنوات الثلاثينيات.
كانت كريمة عبود تقوم أيضا بتصوير النساء بداخل بيوتهن لأنها أنثى، وهو ما خولها لان تلتقط مئات الصور الفوتوغرافية لكثيرات من نساء المشايخ والوجهاء، وللطالبات اللواتي كن يتعلمن في كليات التعليم العالي في القدس وبيت لحم وبيروت والشويفات أيضا.
لم تتزوج كريمة وبقيت عزباء في مدينة بيت لحم، وتوفت على الأغلب في أواخر الستينيات، ودفنت في بيت لحم تاركة صورا بلغ تعدادها 1000 صورة ونيف ما زال أكثر من 400 منها مشتتا في أزقة المدن الفلسطينية المهجرة!!.


المصادر:-
- سجل المعموديات لكنيسة بيت لحم.
- وثائق عائلية.
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]