فرحةٌ لم تكتمل... وأحلامٌ وردية شوهتها يدُ القدر... غطى الحزن على آمالٍ لطالما كانت جزءً من سعادتهم، أن ينتقلوا إلى مأوىً أكثر عصرية، ليتساووا بسائر البشر.

لكن... الواقع كان مختلفًا... عائلة الشابة سناء زبيدات كانت تستعد وتضع اللمسات الأخيرة للانتقال من بيتها وهو عبارة عن براكية، سقفها من "الإسبست" إلى بيتٍ عصري، لعله ينقلهم الى حياةٍ أكثر دفئًا واستقرارًا وراحة... الواقع كان مغايرًا.

شيءٌ ما في حياة سناء حول سعادتها إلى حزنٍ وأسى.. وما كان بالأمس أجمل حلمٍ تمنت تحقيقه، أصبح آخرُ همها... صار ما يعنيها اليوم هو شفائها من مرض "سرطان العظام"، الذي هاجمها على غفلة ليأخذ منها ساعات فرحها، وليحول حياتها وعائلتها إلى ليالٍ طويلة من الألم والتمني والصلاة إلى الله أن يأخذ منهم أيُ شيءٍ مما يملكون، ويبقي لهم نور عيونهم سناء... الشابة التي كانت تحلُم ان تعيش حياة صبية جميلة في ظلِ عائلة مستقرة.

"ربي خذ منا كل شيء واترك لنا زهرة العمر سناء"!

عشرة أشهرٍ عاشتها سناء وسط آلامٍ وأحزان، والأصعب أنّ والدتها سميرة زبيدات، وقفت عاجزة أمام هذه المعاناة، "لماذا أنتِ؟!! أسأل المولى عز وجل أن يشفيها ويعيدها إليّ سالمة، لا أريد بيتًا عصريًا، ولا حتى قصرًا، ما يهمني أن تبقى سناء في حضني".

"ما أصعبَ أن ترى قطعة من القلب، ابنتك، تحتضر أمام عينيك. ما أصعب أن تراها تعاني، وتطلب مساعدتك، وأنتَ عاجز عن فعل شيء! سناء بكت كثيرًا، تألمت، ليالٍ طوال لم تعرف فيها طعم النومِ ولا أنام. تقيأت دمًا بين يديْ، كانت تموت في كل يومٍ... أموتُ معها، ثم نحيا بفضلٍ من الله عزّ وجل. عشرة أشهر كانت ابنتي قبالتي، وكنا وحدنا نتألم بصمت".

"من شدة الألم، وبسبب العلاج الكيماوي، كُسرت قدم سناء وهي في سريرها، آهٍ ما أصعبها من حياة، تعذبنا، إنها محنةٌ من الله صعبة، لكن ليس لي سواه أرجوه أن ينقذنا، عشر أشهرٍ كانت كافية أن أعرف أنّ الأبناء هم أغلى ما في الحياة، وبعدهم لا طعم للدنيا".

تتابع الأم: "آمنتُ أنّ الله تعالى يحبنا، تحسنت حالة ابنتي كثيرًا، صارَ تحركها أحسن بكثير، زال الخطر تقريبًا عنها، لكنْ نظلُ نتردد على المستشفيات من أجل المراجعات والاطمئنان، الحمد لله، وإن لم يكن لي في الحياةِ عزوةٌ وسند، فلي عند الباري عز وجل مكانٌ في الدنيا والآخرة إن شاء الله".

بيتٌ جديد غيرُ آمن!

وأخيرًا انتقلت العائلة إلى بيتها الجديد، لكنّ الخوف والخطر يسكن قربهم، خاصة أن هوائية ضخمة نُصبت قرب البيت... تقف الهوائية أمامهم كالشبح يهددهم أنّ تجربتهم مع المرض والألم لن تنتهي... "لماذا يطاردوننا؟!!"، تقول العائلة وتضيف: "شركات الهواتف الخلوية، لا يملك أصحابها ضمائر، يعرفون أنّهم يأتون بمصيبة إلى البيوت ولا يهمهم سوى جني الأرباح!!".

وإن كانت عائلة الشابة سناء زبيدات، تشعر بخوفٍ شديد، فإنّ سكان الحي قاطبة يشاطرونهم ذلك الخوف من الهوائية الكبيرة المنصوبة في حلوقهم. فهم يعرفون أنّ تهديدًا بأمراض السرطان يهاجمهم، ويعرفون أنّ هناك "صمتٌ قاتل" يحيط بهم... أهالي الحي يحاولون أن ينقذوا أبنائهم من الخطر بمنع الأطفال من الخروج من المنازل، أو... يلجأون إلى إغلاق الشبابيك، يعتقدون أنّ هذه الاحتياطات كفيلة بتخفيف الذعر الذي دبّ في قلوبهم، ويعتقدون أنّ ما يفعلون هو "محاولة اتخاذ خطوات وقاية"!

الخوف في قلوب الجميع كبير، لكن في قلبِ الشابة سناء هو رعبٌ وصراعُ بقاء، خلفَ هذه الهوائية "اللعينة" يختبئ "سرطانٌ قاتل"، تخشى سناء أن يفتك بها ويشوه صباها.

ولم تنسَ سناء أنّ الأطباء نبهوهها "إعلمي أنّ هناك احتمالاً كبيرًا بعودة خطر المرض إليكِ، على الأقل في الخمس سنوات القريبة"، تحذيرٌ لا يرحم! وظروفٌ قاهرة تعيشها سناء شخصيًا، لا تستطيع أمامه حراكًا!

مجلس محلي عاجز!

توجهت العائلة الى المجلس المحلي من أجل مساعدتها وفعل أي شيء للعائلة ولأبناء الحي بأكملهم، لكن لا آذان صاغية، لا حياة لمن تنادي.

وإن لم تؤثر المشاعر الإنسانية، بأناسٍ وضعنا فيهم ثقتنا، فلن يؤثر فيهم لا حديثٌ هاتفي، ولا حتى رسائل، ودعوات، ولقاءات ورجاءٌ أن يشعروا بما تعيشه عائلة تخشى خطر الموت.

رئيس المجلس لم يقابل العائلة، ولم يُحرك ساكنًا ليمنع نصب الهوائية التي تقف في حلوقهم!

"لدينا قناعة أن هناك موافقة، أو شراكة وإلا كيف نفسّر رضى رئيس المجلس عن نصب الهوائية، التي قد تقتلنا بالسرطان، والخطر لا يمسنا نحنُ فقط بل هو أيضًا وأفراد عائلته، حتى لو كان بعيدًا عن المكان".

بصوتٍ خافت، وبكلماتٍ موجِعة قالت سناء: "لا أتمنى لرئيس المجلس محمد ياسين زبيدات، أن يعيش ما عشته من مأساة، رأيتُ الموت بعيني، ليالٍ طويلة من السهر والآلام لم يشعر بِي أحد، لم يخفف عني سوى عائلتي، لا أتمنى لأحد هذه المصيبة، لكن أطلب من رئيس مجلسنا، الذي انتخبناه أن لا يكون قاتلاً! ألا يحرمني من حقي بالحياة من أجل حفنةِ أرباحٍ له أو لغيره".

وتضيف: "لماذا عليّ أن أدفع ثمن صفقة تجارية رابحة وأخسر عمري"!

سناء تلوم الرئيس، لأنها كانت تأمل أن يكون أول الواقفين إلى جانبها، لأنها وثقت به، لأنها والعائلة يعولون على إنسانيته، وعلى أخلاقياته، وعلى أنّه يعلم تمامًا أن لا شيء يساوي حياة الإنسان، لذا تمنت أن يوافق على أن يخط مكتوبًا، فيه بضع كلماتٍ لا أكثر، ويرسله معترضًا على الهوائية القاتلة التي تقف شبحًا أمام المنازل، وهي تقف مباشرةً أمام شباك سناء، لتذكرها دومًا أنّ خطرًا قريبًا قد يداهمها ويحمرها من الحياة الطبيعية كسائر البشر.

موقع "بكرا" بانتظار رد المجلس!

حاولنا في موقع بكرا مرارًا وتكرارًا الاتصال برئيس المجلس المحلي لعرب زبيدات، محمد ياسين زبيدات، الا انه تعذر علينا الحصول على رد "نحنُ أيضًا"!!

لكننا نعد قرائنا الأعزاء أننا سننشر رده حال وصوله، وسنتابع بالمقابل هذه القضية الإنسانية، على أمل أن نساند نحنُ وأنتم هذه العائلة، ونفعل أيُ شيءٍ لإنقاذ سناء زبيدات، وغيرها من سكان عرب زبيدات...

 

تعقيب منتدى الشركات الخلوية على التقرير

تعقيبا على ما ذكر بالتقرير،قال ناطق بلسان "منتدى الشركات الخلوية" في البلاد: "إن هذه الهوائية حصلت على جميع التصاريح اللازمة لإقامتها وفق القانون، وبضمنها ترخيص بناء صادر عن السلطة المحلية، وترخيص أمان صادر عن وزارة حماية البيئة. ولذلك فإنها تعتبر مستوفية لكل المعايير التي أقرتها الوزارة، والتي تعتبر من أكثر المعايير تشددا في العالم الغربي، كما أنها تتماشى مع متطلبات منظمة الصحة العالمية في هذا المجال.
بالإضافة لكل ما ذكر، فإن قوة البث الصادر عن هذه الهوائية، تخضع لمراقبة وزارة حماية البيئة المتشددة، وعلى مدار 24 ساعة يوميا، مثلها كمثل بقية الهوائيات وأبراج البث في مختلف أنحاء البلاد".


تابعوا معنا هذا الفيديو المؤثِر.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]