في عام 2011، ورغم أن أبحاثًا عديدة أشارت إلى النسبة المرتفعة لاتصال البيوت بالانترنت، والمراكز التي تبيع أجهزة الكترونية عديدة ومختلفة، ورغبة الأجيال الحديثة المتعاقبة في استخدام الوسائل المتطورة، وكذلك التخلي عن الزراعة مثلا، او تطوير الزراعة لتواكب التطورات التكنولوجية، إلا انه ما زال في عرابة من يحاول الحفاظ على ما تبقى من التقاليد العربية، والتراث القديم العريق، وخاصة الديوان العربي بكل محتوياته، القهوة العربية الأصيلة، والجلسة. مراسلنا زار ديوان درويش مصطفى كناعنة (أبو مصطفى) في عرابة حيث زين ابو مصطفى جدران الديوان بصور قديمة له، في أيام سادتها "المخترة" بدءً من الانتداب البريطاني مرورًا بإعلان وعد بلفور وإقامة الدولة، للحديث معه حول الديوان....والثورات...

أيام ...فيها راحة بال...

يقول ابو مصطفى: "رغم محدودية الأدوات الصناعية البدائية بالفلاحة وتربية المواشي والمشاحر وغيرها، وهذه مصادر المعيشة الأساسية التي اعتمدنا عليها، إلا أن هذه الحياة كانت مليئة بالايجابيات وراحة البال، ويأت هذا التقييم بحجم ما نفتقد اليوم من مشاعر طيبة مثل حب الناس لبعضهن ووحدة الأهالي والثقة فيما بينهم، فهذه الصفات بدأت اليوم تزول... حتى انه تم فقدان الاحترام".

ويتذكر ابو مصطفى عندما كان يزرع الأراضي فيقول "كنا نرمي البذور على الأرض، ومن ثم نهتم بنمو الزرع وحصده باليد او الحيوانات، وبعدها نأخذ المحصول إلى البيدر وبعد ذلك تتم عملية تبادل البذور كوسيلة للبيع والشراء في وقت لم يكن فيه نقود لشراء الحاجيات، بعكس اليوم، لا تستطيع الخروج من منزلك لعدم وجود مال بجيبك!".

الدواوين....حل للمشاكل وملتقى لأهل البلد كافة...

ويقول ابو مصطفى عن "دواوين زمان"، التي يحّن إليها "إن حياة الدواوين لها رونقًا خاصًا ومميزاتها، حيث أنها كانت تجمع الأهالي للتداول في أمور وهموم البلد، وهي ملتقى لطرح مشاكل الناس ومحاولة لحل هذه المشاكل. وكان الحضور يحاولون تقديم المساعدة، لأن صاحب الديوان لم يكن بإمكانه حل المشاكل لوحده، وكان يميّز الأهل والحضور النزاهة خاصة في إصدار حكم معين".

ويتذكر أبو مصطفى، في سياق استحضار الماضي، أن مجموعة من أهل عرابة توجهت له للتدخل والحكم في قضية خلاف مع طرف آخر، وفي عرس ابنه قاموا بإرسال نقود كثيرة له فقرر الانسحاب من التحكيم لأنه اعتبر ذلك رشوة.

الفلسطيني مثقف وواعٍ جدًا والقيادات العربية باعتنا...


وعن تقييمه للثورات اليوم مقارنة بنكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، لا سيما وأن ابو مصطفى عاصر الفترتيّن، يقول ابو مصطفى: "تلك الفترة وتحديدًا ما قبل ال- 48 كانت فترة التي ميزّتها الثورات وخاصة ثورة أو إضراب الستة اشهر (قام الفلسطينيون بإضراب عام شامل لمدة ستة أشهر احتجاجا على مصادرة الأراضي والهجرة اليهودية)، وكانت الثورة في ظل الانتداب البريطاني والذي ولّد وعد بلفور المشؤوم (في 2 نوفمبر 1917 قامت الحكومة البريطانية بإصدار وعد بلفور في هيئة رسالة من وزير خارجيتها جميس ارثر بلفور إلى زعيم الحركة الصهيونية تعهد فيها وزير الخارجية بان تقوم حكومة جلالة الملكة بالعمل بأفضل ما يمكنها من اجل تحقيق هدف تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين كما تعهد بان لا تقوم بريطانيا بعمل اي شيء من شانه أن يضر بمصالح وحقوق المجتمعات غير اليهودية الموجودة في فلسطين)، وهي فترة شهدنا فيها خنوع وخضوع الرؤساء العرب للمصالح الضيقة والأطماع الإقليمية، وهذا عكس ما نشهده اليوم، حيث نشهد هبة شعبية في معظم أنحاء الدول العربية لإسقاط الأنظمة التقليدية منذ تلك الفترة وحتى يومنا هذا.

وأضاف "الشعب الفلسطيني هو من أوعى الشعوب العربية خاصة إبان ثورة عام 1936 وإضراب الستة اشهر، حينها علم الفلسطيني جيدًا أن الزعماء العرب استغلوا الوضع لتحقيق مصالح شخصية وانتقامات سياسية".

وأضاف "جدي كان صاحب ديوان، وكان يُجبر بإطعام الانجليز عند زيارتهم الديوان!، وكان يطعم الثوار كذلك خوفًا من الإعدام!، فثورة عام 1936 انحرفت عن المخطط بسبب الزعماء العرب، وبدأت حرب النكبة 1947-48، حيث كانت مرحلة نضال لنا لاسترداد الأراضي المنهوبة، فشُكِلّت قيادة محلية وهبت ثورات لكنها لم تنجح بفعل الحقيقة أن المساعدات العربية كانت "إسقاط واجب" أو مُسخرة لأهداف ومصالح شخصيّة فقط مما أدى إلى نكبة شعب بأكمله وهزيمة عربية واسعة، في مقابل دعم الانجليز اليهود وزودوهم بالأسلحة محققين لهم مطامعهم في إنشاء دولة".

وقال "ثورات هذه الأيام هي ثورات الكرامة، هي ثورة على قيادات عربية متخاذلة، والثورات هي رد الشارع العربي على حالة الإنجرار والخنوع للدول المستعمرة".

وأختتم ابو مصطفى قوله مؤكدًا "هنالك دول لا يوجد بها أي حراك شعبي، أو هنالك حراك مقموع لم نسمع عنه، برأيي، عام 2011 سينتهي وتنتهي معه كل الأنظمة القمعية المتخاذلة".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]