استطاع العرب في نتسيرت عليت أن يحافظوا على بقائهم في المدينة، وأن يكافحوا من أجل الحصول على حقهم بالعيش والعمل الكريم.

فرغم المعيقات الكثيرة، ورغم العصرية المتفشية، وما يقوم به العنصريون المتطرفون، وما يواجهه أعضاء المجلس البلدي في نتسيرت عليت من قبل البلدية ممثلةً برؤسائها وأعضائها اليمينيين، إلا أنّ الإصرار على البقاء وعلى تحقيق الانجازات لصالح العرب، ساهم بشكلٍ كبيرِ في تأكيد الحضور العربي، وبالحفاظ على الوجود العربي رغم المشاهِد الموجِعة التي يعيشها العربي، عندما تستفزه الكلمات النابية، والشعارات العنصرية، والإهانات المقصودة، والطريق الوحيدة للدفاع هي الصمود في الوطن...

ومؤخرًا حقق عضو البلدية د. رائد غطاس مزيدًا من النجاح بعد انتخابه رئيسًا للجنة العطاءات في بلدية نتسيرت عليت وبإجماعٍ لصالحه، وبذلك يكون أول عضو بلدية عربي يحظى بهذا المنصب الهام، ممثِلاً للقائمة العربية المشتركة للتعايش.

عن تحديات المواطنين العرب في نتسيرت عليت، لنا هذه الوقفة مع شخصياتٍ اعتبارية، رفعت شعار التحدي رغم العنصرية المستشرية في المدينة...

د. شكري عواودة: ما يهمنا هو العيش بكرامة في وطننا!

هو طبيبٌ في مهنته وعضوٌ في بلدية نتسيرت عليت، وله دور بارز في الحفاظ على البقاء العربي في المدينة، وعن وجوده هناك قال د. شكري عواودة: أسكن منذ 23 عامًا في مدينة نتسيرت عليت، أنا كناوي الأصل وعائلتي مقيمة في قرية كفر كنا، وأنا أيضًا رئيس للقائمة العربية للتعايش المُمثلة بعضوين في البلدية.

وللحق يجب أن أقول إنّ خُمس مواطني نتسيرت عليت هم من المواطنين العرب، كانت البداية للمدينة غالبية عربية، فجاءَ اليهود ضيوفًا على حي الكراميم الموجودة أصلاً منذ سنوات العشرين والثلاثين من القرن الماضي، أي حوالي 40 سنة قبل إقامة المستوطنة المسماة نتسيرت عليت، وأقيمت على الأراضي التي صودرت من مدينة الناصرة والقرى المجاورة كجزء من الحلم الصهيوني بتهويد الجليل، وهذه المدينة أقيمت فعلًا عام 1957 بأمر من دافيد غوريون.

ويقول د. شكري عواودة: سكنتُ نتسيرت عليت قبل 23 عامًا حيث ذهبتُ إلى هناك باحثًا عن نوعية حياة ومستوى حياة أفضل، طالبًا خدمات بلدية أعلى من تلك التي تُقدم في مجتمعنا العربي، لأسبابٍ لا تتعلق صلاً بمجتمعنا بل بالعنصرية التي تتبناها السلطة المركزية والحكومة وفيها من التمييز ضد المواطنين العرب الكثير مما لا يُعد ولا يوصَف.

ويتابع عواودة: يجب القول أنّ منسوب العنصرية ضد المواطنين العرب تسير بارتفاعٍ دائم، لكن في السنوات العشر الأخيرة أخذت تزيد بوتيرة عالية جدًا، وهذا ناتجٌ لما يحدث في الدولة ككل، ويزيده ما يجري في الكنيست وفي المكاتب الحكومية والوزارات المختلفة وبالطبع ينعكس على الشارع اليهودي.

ويضيف عواودة: لقد أصبح شعار العدائية للعرب، هو الذي يمنح الشرعية والشعبية لهذا الحزب أو ذاك، ولهذا الزعيم أو ذاك، ولهذا الراف او الحاخام او رجل الدين اليهودي او ذاك، والمقلق أكثر ان نتنياهو تربى كالطفيليات على منسوب العنصرية الذي أخذ يزداد وليس هو فقط بنهجه العنصري وإنما الكثير من الأحزاب المتطرفة من بينها "حزب اسرائيل بيتنا" والحاخامات اليهودية. وكانت قمة العنصرية عبر تلك الوثيقة سيئة الصيت، التي وقع عليها أكثر من 50 رجل دين يهودي والتي تدعو إلى عدم تأجير البيوت او بيعها للمواطنين العرب، وقد تبناها قسم من رؤساء المجالس البلدية اليهودية في الدولة ومن بينهم رئيس بلدية نتسيرت عليت شمعون جابسو، الذي علمنا معه والذي غيّر جلده خلال السنتين الأخيرتين ليرتفع منسوب العنصرية عنده او يتضاعف.

ويواصل د. عواودة: بالمقابل نحن المواطنين العرب نعيش ونسعى للحفاظ على الكرامة ونصر على الوجود ولا يخيفنا ولا يؤثر فينا هذا التوجه لأننا أصحاب حق وأصحاب البلاد الشرعيين.

من هذا المنطلق فنحن نسكن حيثما نسكن ليس مِنة من أحد وإنما حقٌ لنا نستعمله ونتعامل معه كواقع وسنستمر على هذا النهج. وليس سرًا أن نقول أنّ الأزواج الشابة ما زالت تتوافد لتسكن في نتسيرت عليت في القرى والمدن العربية ومدينة الناصرة المجاورة بسبب الضائقة السكانية وقلة الأراضي المسموح بها للبناء للأزواج الشابة.

ويختم عواودة: من هذا المنطلق اذا لم يرغب سكان نتسيرت عليت أن يأتي العرب ليسكنوا معهم فليفتحوا مناطق النفوذ وليعطوا أراضٍ للأزواج الشابة، وليعطوا المساعدات لوزارة الإسكان والخ... إذ لا يُمكن ان يتم تضييق الخناق على المواطنين العرب من ناحية، ومن ناحية أخرى يُتهمون بأنهم جاءوا لإحداث ثورة ديمغرافية في هذه المدينة للسيطرة عليها.

نحن لا نريد خلق أية ثورة ديمغرافية في هذه المدينة، كل ما نريده هو أن نعيش بكرامة فوق أرض الآباء والأجداد.

د. رائد غطاس: من حقنا الحفاظ على ثقافتنا وحضارتنا الفلسطينية!

د. رائد غطاس وهو طبيبٌ وعضو في بلدية نتسيرت عليت ورئيس لجنة العطاءات في البلدية – علّق على مكانة العرب الفلسطينيين في نتسيرت عليت فقال: أريد أن أؤكد أنّ المواطنين العرب في نتسيرت عليت هم سكان الأرض الأصليين، نتسيرت عليت هي التي جاءت إلينا وليس نحن الذين أتينا إلى نتسيرت عليت. هم الذين جاؤوا إلى الحي العريق الأول والذي يُسمى حي الكراميم، الموجودين فيه، بما معناه حلم بن غوريون جعل اليهود يأتون ويقيمون مدينة يهودية في الجليل إلى جانب حي الكراميم، وضُمّ الحي إلى نتسيرت عليت، فعمليًا نحن أصحاب الأرض الأصليين ونحن سكان هذا الحي قبل أن تأتي نتسيرت عليت الينا. وأريد التذكير أيضًا أنّ نتسيرت عليت أقيمت على أراضٍ عربية صودرت من الرينة وكفر كنا والناصرة وبُنيت على الأراضي العربية، وبمعنى أدق نحنُ لسنا عنصريين، كل ما نريده أ، نعيش حياة متساوية ونحقق حقوقنا كاملة في هذه المدينة المختلطة.

عن المدينة يقول د. رائد غطاس:

• إنّ نسبتنا من السكان هي بين 20-25%، علمًا أنه لا توجد أرقام أكيدة، إذ أنّ العديد من السكان الذين يسكنون في نتسيرت عليت، حسب المعطيات المُسجلة للسكان، لم يغيروا عنوان سكناهم في وزارة الداخلية، لذا يعتبرون من سكان الناصرة والرينة بينما هم عمليًا سكان نتسيرت عليت.

الى جانب ذلك هناك أعداد كبيرة من اليهود المهاجرين الجدد الذين جاءوا في سنوات السبعينات والثمانينات، علمًا أنّ معظم المهاجرين الجدد طبعًا هم من روسيا.

وما يميز نتسيرت عليت انها مدينة ليست شابة، فمعظم السكان اليهود هم من الجيل المتقدم بالسن، على عكس المواطنين العرب فهم من الجيل الشاب.

أشكال العنصرية
يقول د. غطاس: تتجلى العنصرية في مظاهرها أولاً في قضية الخناق على المواطنين العرب، فليس هناك بناء جديد للازواج الشابة، الأحياء العربية ينقصها الكثير من التطوير، هناك أحياء ينقصها شبكات مجارٍ وحدائق عامة ونوادٍ للشباب، ونوادٍ اخرى للمسنين.

ويتابع د. غطاس: استطعنا في هذه الانتخابات ان نتوحد وأن نحصل على مقعدين للمجلس البلدي ونحن من خلال وجودنا في المجلس البلدي نطرح قضايا المواطنين العرب، قضايا التفرقة العنصرية والقضايا الملموسة اليومية للمواطنين العرب.

ويضيف د. غطاس: نحن لا نفهم كيف أنّ هنالك قسم خاص للرفاه الاجتماعي، في المجلس ومن المفروض أن يعالج المشاكل الاجتماعية للمواطنين العرب، بما فيه من مشاكل مثل القضايا التي تتعلق بالمطلقات، والأولاد، لا يوجد فيه موظفات من العرب، وبفخرٍ أقول أننا استطعنا مؤخرًا إدخال 5 موظفات عربيات إلى قسم الرفاه الاجتماعي اللواتي يعملن في هذا القسم ويعالجن قضايا المواطنين العرب.

لكن يظل هناك نواقص كثيرة سواء بوجود نوادٍ أو دور ثقافة، ففي دور الثقافة يقومون عمليًا بدع دورات رقص لليهود وأغانٍ يهودية بينما يتم تجاهل تراثنا تمامًا.

ويختم د. غطاس بالقول: لقد وضعنا أمامنا ألا نتعامل مع نتسيرت عليت كفندق فقط، أن نأتي وننام فيه، وانما نتطلع أن نمارس نشاطاتنا الثقافية والاجتماعية في المدينة وهذا حق لنا وسنصُرّ على تحقيقه.

أميمة حامد: باقون كالأشجار!

وتقيم المحامية أميمة حامد منذ 15 عامًا في نتسيرت عليت، هي وعائلتها، وهي تُصر أن تبقى في المدينة، معتبرةً أن أي بقعة في الوطن، لها الحق في العيش فيها بكرامةٍ وعِزة.

تقول حامد: عندما فكرت ان اقيم في نتسيرت عليت كان ابني صغيرًا، وكان وضع سوق الناصرة سيء، مشاكل كثيرة، انتشار المخدرات، خفتُ على ابنائي وقررتُ الانتقال إلى مدينة نتسيرت عليت، هروبًا من المشاكل وبحثًا عن الهدوء.

وتتابع حامد: "بعد فترةٍ من مكوثي في المدينة اكتشفتُ انّني استعمل البلدة كفندق أنام فيه، لم أكن أشعر بانتماء لهذه المدينة، ولا أشعر بالحصول على الخدمات الاجتماعية التي استحقها. لكن من خلال عملي كمحامية قررتُ اختراق الصعب ومع عملي المتواصل مع العائلات العربية في المدينة وجدتُ صعوبات جمّة، وجدتُ أن هناك ضرورة مُلحة إلى التغيير، وإلى الاصرار على الحصول على حقنا بالعيش الكريم، بالحق في مدارس ودور عبادة للسكان العرب المقيمين في المدينة.

وترى المحامية حامد: ان كل بقعة في البلاد هي ارضٌ لنا وملكنا، فنحنُ السكان الاصلين. وتابعت: "لا يهم الاسم، فلتسمى نتسيرت عليت او اي تسمية اخرى، فإن واجبنا ان نبقى صامدين وان نحافظ على اقامتنا فيها شاء من شاء وأبى مَن أبى".

وتقول حامد: أنا في الاصل نصراوية وأعرف ما يعيشه النصراوي من صعوبات في ايجاد مساكن للأزواج الشاب، لا أراضٍ كافية ولا مسطحات ولا ماديات تسمح بالبناء في الناصرة، والحل هو في نتسيرت عليت وهذا متاح، وبالتأكيد وجود عضوي بلدية سيساعد على تأكيد الحضور العربي في المدينة.

وعن العنصرية قالت حامد: "العنصرية موجودة في كل الدولة، ليس فقط في هذه المدينة، صحيح ان رئيس البلدية يجاهر بها علانية، لكن العنصرية موجودة في كل بقعةٍ نطأها في هذه البلاد، فكوننا عرب سنواجه المزيد من التضييق والتمييز، حتى باتت هذه التصرفات عادية ولن تهزنا ولن تزحزحنا عن مبادئنا بالعكس ستعزز من بقائنا فوق أرضنا".


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]