صادف يوم، الأربعاء، الثلاثين من آذار (مارس)، الذكرى الخامسة والثلاثون لانتفاضة الشعب العربي الفلسطيني في أراضي الـ 1948م والتي تُعرف بـ "يوم الأرض".

ويوم الأرض هو يوم الانتفاضة الوطنية العارمة التي تفجرت في 30/3/1976م علي شكل إضراب شامل ومظاهرات شعبية في جميع المدن والقرى في فلسطين المحتلة منذ عام 1948م احتجاجًا علي التعسف الصهيوني وسياسة التمييز العنصري ومصادرة الأراضي التي تمارسها السلطات الإسرائيلية ضد أبناء الشعب الفلسطيني.

ويُشكّل يوم الأرض معلمًا بارزًا في حياة نضال الشعب الفلسطيني باعتباره اليوم الذي أعلن فيه هذا الشعب عن تمسكه بأرض آبائه وأجداده، وتشبثه بأرض وطنه وحفاظه علي هويته وحقوقه الوطنية في وجه محاولات تبديدها، وفي وجه مؤامرات الاستيلاء علي الأراضي العربية وتهويدها ، وإقامة المستوطنات عليها تنفيذًا لمخطط صهيوني يقضي بتهويد كل فلسطين ، وتصفية الإنسان العربي على أرضها بكل الوسائل القمعية والوحشية وألاخلاقية .

نحن وفي موقع "بكرا" اخترنا في يوم الأرض الخالد، أن نُسلط الضوء على من تشبت بأرضه، رغم كل المحاولات لدفعه إلى تركها، سواءً بأساليب ترغيبية أو ترهيبية...اخترنا أن نلتقي بعرسان مغيص (ابو محمد) والحاجة أم عمر، وكلاهما من سكان النواقير غير المعترف بها والمتاخمة للحدود اللبنانية...

الجوردية والنواقير ...قرى اضافية غير معترف بها...

من المهم الإشارة أولا أنه وعندما نذكر مصطلح "قرى غير معترف بها في إسرائيل" فأن أغلب تفكيرنا يصب في النقب، وأحيانًا في اللد والرملة، ولربما نصل رمية والحسينية وقرى أخرى غير معترف بها... لكن، وفي الغالب، لن نفكر بأهال قريتي "جوردية" و- "النواقير" على الحدود اللبنانية إسرائيلية، فتقريبًا لا أحد يسمع بتلك القرى..على الرغم من أهميتها، كونها الحد الفاصل بين فضاء عربي وآخر إسرائيلي.

النواقير ...بلدية قديمة جدًا أضاعت أصل التسمية!

وعن تاريخ بلدة النواقير يقول لنا عرسان مغيص (ابو محمد): لا أعرف تحديدًا متى تأسست النواقير، لكنني ولدّت في هذه القرية، وفي عام الـ 1948 كنت أعيش على هذه الأرض، وسأعيش على هذه الأرض طوال حياتي.

وعن أصل التسمية يقول أبو محمد: عدم معرفتي بأصل التسمية للبلدة يؤكد على حديثي أن هذه البلدة قديمة جدًا، تواجدت قبل إسرائيل والاتراك، على ما أظن أن للاسم علاقة بالأرض وطائر النقار، فأراض النواقير مليئة بالحجارة الصغيرة التي يأتي طائر النقار ويلتقطها بمنقاره، وبرأيي من هنا أصل التسمية.

النواقير ومضايقات متكررة...

وعن المضايقات التي يعاني منها أهالي النواقير يقول ابو محمد: المضايقات التي يعاني من أهالي النواقير مضاعفة، حيث تعّد القرية على أنها غير معترف بها وقريبة من الحدود أيضا.

ويضيف أبو محمد: نحن لا نحصل على أدني الخدمات، كما هو الحال في مستوطنات قريبة مثل زرعيت وأدميت، فالنسبة للكهرباء حصلنا عليها لأن الجيش بحاجة لتلك الإنارة، اما المياه فحصلنا عليها بأنفسنا وبمساعدة الأستاذ لطيف سويدان، فقدم قُدّمت للمحاكمة بسبب مد المياة بصورة غير قانونية إلا أنه وبمساعدة الأستاذ لطيف سويدان حررني قاضي المحكمة حاكمًا لصالحي.

ويضيف أبو محمد: وكذلك الامر بالنسبة للطريق الموصل الى القريتين، فقد اضطرت السلطات الى شق طريق حدودي للجيش، وهو الطريق الذي يستخدمه الاهالي اليوم، علمًا انهم كانوا الى ما قبل سنوات قليلة يمنعون من دخول هذا الطريق ويضطرون الى سلوك طرق وعرية، ولولا حاجة الجيش لهذا الطريق لما حصلنا عليه.

وعن الحل المرجو للقرية يقول أبو محمد: نحن والحمد لله نعيش هنا راضين، طبعًا نأمل أن يتم توسيع منطقة نفوذ عرب العرامشة لتشمل القرية، حاليًا نحن نتبع لقرية عرب العرامشة.

قصة النواقير مع صواريخ حزب الله...

ومن يظن أن مشاكل النواقير هي فقط غياب الخدمات والتهميش، فهو مخطأ تمامًا، فأهالي القرية يعيشون وسط حركة نشطة للجيش الإسرائيلي، ووسط حفلات رقص وغناء صاخبة من الجانب اللبناني...حيث يقع في الجانب الآخر من الحدود ملهى ليلي أفراحه تصل إلى بيوت النواقير، ويقول ابو محمد في الموضوع: في ايام حرب لبنان كنت أنام هنا، خارج البيت، وعلى سرير ملتفحًا بالسماء، كنت أنظر إلى صواريخ حزب الله وأعرف وجهتها ولم أخف من الموضوع.

ويضيف أبو محمد: لا أنكر أن الوضع كان مقلقًا، لكن حتى وبعد مقتل 3 نساء من العرامشة بصاروخ سقط إلى ساحة منزلهّن، لم أفكر أن أترك بيتي، أو سريري، فقد بقيت أرقب الأمور عن كثب.

وتتدخل أم محمد قائلة: عرسان أصر على النوم خارج المنزل، أما أنا فكنت خائفة من الموضوع، لم يكن سهلا بتاتًا.

وعن إذا ما تلقوا المساعدة من أي جهة تقول أم محمد: لم نتلقى الدعم والمساعدة، والله بحمي الجميع.

الشوق والحنين للأخوة في لبنان

وتضيف أم محمد، ردًا على سؤالنا عن موقفها من الجانب اللبناني لا سيما وأن قسم من عائلتها هناك فتقول: لا شك ان أحنّ إلى أخي صلاح خليفة والذي يسكن في الجانب اللبناني، حتى عام 2000 كنا نستطيع أن نلتقي ونتحدث، لكن منذ عام الـ 2000 لم أسمع عنه اية أخبار، أحاول أن أسال هنا وهناك، لكن لا أخبار عنه.

ومع ذلك، تقول أم محمد، لا أستطيع أن أنكر خوفي من صواريخ حزب الله، فهي لا تفرق بيني وبين اليهودي وبين الجيش الإسرائيلي، فهي موجه على بيتي وإلى بيوت زرعيت أو اية مستوطنة يهودية قريبه من المكان.

ام عمر...85 عامًا مضت أكثر من ثلثهم تحت المنارة !!

واستكمالا إلى حديث صواريخ حزب الله، التقينا بالحاجة أم عمر، وهي أيضا من سكان النواقير، وتبلغ من عمر من العمر 85 عامًا وتشدد في بداية لقاؤنا بها أنها لا تحب التصوير، ولا تحب أن تظهر صورها في الإعلام معللة على انها "تستحي"! من الصور. حياء أم عمر تلاشى بعد أن زرنا بيتها والذي يقع على الخط الفاصل بين إسرائيل والجانب اللبناني، وهذا يقع المنزل بالقرب من المنارة التي تضيء المنطقة للاستكشاف، وتعلق أم عمر قائلة على الموضوع: هذه المنارة تقول لصواريخ حزب الله "تعالوا لهون"، فهي تضيء المنطقة وهي أكثر شيء مستهدف.

وتضيف أم عمر: أبان العدوان على لبنان سقط إلى ساحة منزلي العديد من الصواريخ من الجانب اللبناني، وأكثر من هذا، بيتي تحوّل في معظم الحالات إلى ثكنة عسكرية للجنود.

وعن إذا ما ترغب في ترك منزلها، قالت ام عمر: "عيب هالحكي"، أنا هنا منذ 85 عامًا، وأكثر من ثلثهم مضيتها مع تلك المنارة، فهل اترك؟! ابدًا لا، انا سعيدة جدًا في بيتي.

السر الذي تخفيه أم عمر ....وسبب الخوف من الصور

ولم يمر على لقائنا ساعة ونصف الساعة حتى اقترحت علينا أم عمر أن تكشف لنا سرًا ولكن يتوجب علينا المشي معها قليلا إلى خلفية المنزل، وبدون تردد قررنا أن نخوض تجربة معها، وكانت المفاجئة عندما وصلنا إلى الشريط الحدودي القريب جدًا من بيتها وشاهدنا قرية العرامشة اللبنانية، وقد أشارت إلينا بأسماء بعض البيوت وأصحابها وأسماء المحال التجارية، كما قامت بتعريفنا على قوات اليونيفيل القريبة جدًا من موقع الحديث.

وعلى الرغم من كبر سنها إلى أن أم عمر مطلعة جدًا على الاتفاقيات والبروتوكولات حيث شددت "هنا لا يوجد صور بالمرة"...الأمر الذي كشف لنا سر "حيائها" من الصور...!!!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]