رغم أن عمره تجاوز 83عام وخطواته عندما يمشي تحتاج إلى جهد خاص فان الشيخ أبو حسن جابر سلمان شوفانية أصر على مرافقتي إلى ساحة بيته ولم يغب وهو ينظر نحوي حتى غابت سيارتي عنه فهكذا لمن يعرف أصول الضيافة وحق الضيف ويعرف بان جبل "الشوف "في اعالي لبنان احتضن هذه العائلة فعرف جبل الباروك وقبل مئات السنين كيف يربى بين احضانه عائلات بينها عائلة كرباج  والتي خرجت من بطونها فحول من رجال دين وتقوه كما خرجت عائلة شوفانية نسبة لشوف من هذا الجبل.

العادات صاحبت الموقف الأهالي خافت من سفر اولادهم للخارج

والشيخ جابر شوفانية من مواليد 1928 ولد في حارة "العنزية" لأب عرف الدين سبيل إلى بيته وكانت عائلته تعتاش على الفلاحة من أراضي "الشبعانة " ورأس العين وكانت التقاليد والعادات سيدة الموقف بل كان الدين بوصلة الناس.

الشيخ جابر أبو حسن رضع من العلم في مدرسة "المكتب"وتعلم فيها حتى الصف السابع فكان من اوائل الطلبه خاصة تفوقه في اللغة الانجليزية وهنا وفي هذه المرحلة توقف الطالب جابر شوفانية امام حلمه في متابعة علمه في مدارس الناصرة وبعدها القدس ليكون قمة حلمه في ذلك الوقت الالتحاق في جامعة اكسفورد في بلاد الانجليز لكن هنا وقفت أحلام الطالب المتميز بذكاءه عندما خضع والده لضغوط العادات والتقاليد وأهل الدين كما قال أبو حسن في حديثه في تأوه ووجع وألم : على الإنسان القناعة بالموجود فكل انسان يحب النجاح لكن الأمور لا تسير احيانًا كما تريد.

وأضاف : الحياة في تلك الفترة فقر وقلة حيث كنا نأكل الزيت والزيتون ونقول :"كل خبز وزيت وناطح الحيط" .

وخلال جلستنا في بيت العم أبو حسن شاهدت صور مشايخ الدين والخيول بألوانهم وقال الشيخ أبو حسن : الحياة قسمة ونصيب فقد بذلت جهد لتحقيق أحلامي، لكن الحياة لم تكون في صوبي وما أجمل أن يكون الإنسان مظلوم وليس ظالم .

مَن كان  يتعلم في ذلك الوقت كانوا يعتبرونه  كافرًا

الشيخ أبو حسن عاد إلى الوراء سنوات طويلة فقال: والدي رحمه الله توفي والده وهو من العمر ستة سنوات فكانت حياته كفاح وشقاء وتعب وصدمت حين قرر والدي توقيفي عن التعليم رغم الآمال التي علقها المعلمين علي وكان قرار والدي بترك للعلم والتوجه للفلاحة واذكر عندما كانوا يقلون لوالدي بان ابنك مجتهد فكان يزعل فخاف من طموحي والابن بدون والده في ذلك الوقت لا يستطيع عمل شيء واذكر عندما قال له مدير المدرسة المرحوم جريس الحاج الذي بقي مديرًا على مدرسة المكتب خمسة وعشرين عام بان يوافق على مواصلة تعليمي لكن والدي رفض واذكر عندما حصلت مشكلة في حارتنا فحضر وفد من القدس واخذوا يتحدثون في اللغة الانجليزية لكي لا يفهم الحضور وكانت المفاجئه عندما قلت للحضور عما تحدث به هؤلاء فقالوا : من اين جاءنا هذا الصبي الذي يلبس سروال وعندما سألته عن أسماء المعلمين الذين علموه .

قال : اذكر المعلم سميح الخولي من صفد واذكر المعلم علي عنبتاوي والذي كان يعلم اللغات .

وتابع: للأسف كل حياتي كانت خيبة أمل فقد أردت مواصلة تعليمي لكن الأمور لم تسير فقبلت بقسمتي وطاعتي والذي كتبه الله واذكر باني قمت بتسريح بقرات والدي وكان عددهم خمسة.

تابع وغصة في القلب: لا شك بذلك وحتى اليوم وعندما أرى قطعة ورق على الشارع التقطتها واقرأ ما بداخلها فعندي ولع المطالعة والقراءة فأحب مطالعة التاريخ والجغرافيا والعربي والانجليزي.

وأضاف: كان والدي يشاور من حوله وهؤلاء كانوا ينصحونه لظروف ذلك الوقت وسيطرة العادات والدين على توقيفي من مواصلة تعليمي بل ذهب البعض وحذره باني لن أعود إلى بلدي إذا سافرت للتعليم فجلست في البيت من اجل الفلاحة في ذلك الوقت الفلاحة كانت مخسرة واذكر عندما زرعنا ارض " الشبعاني" بالرمان وعندما سألته لربما كان والدك على حق.

فقال: لا شك أن السفر إلى دول الغرب وترى مجتمع متحرر سيشكل خطراً على الشبان الوافدين من الشرق وقد تبهرهم الحياة ويبقون هناك ومن هنا كان تخوف والدي لكن هذا السبب لم يمنعني من مواصلة تعليمي في الناصرة والقدس وعندما سألته عن أشخاص تعلموا معه في تلك الفترة فقال: اذكر أنّ والد المرحوم صالح سمور هو الوحيد من الدروز الذي اجبر ابنه على التعليم رغم أن ألغالبيه الساحقة كانت ترفض التعليم في ذلك الوقت فتابع صالح سمور تعليمه في الناصرة لمدة سنتين والذي كان يتعلم في تلك الفترة كانوا يقولون عنه " كافر" فكانت الأمور ضيقة والأهالي تفضل الفلاحة على العلم.

على الاجيال الصاعدة تقوى الله والعلم

وعندما سألت العم أبو حسن بماذا تنصح شباب اليوم فقال: تقوى الله والعلم , والعلم بدون تقوى لا ينفع وعندما سألته ماذا عمل بعد تركه الفلاحة قال: عملت سبعة عشر عاماً عاملاً في الحديد في منطقة " مفرتس" وعندما سألته عن الأوضاع التي سادت في سنوات الثلاثين والأربعين البلدة فقال: لقد كانت الأوضاع صعبة للغاية وتعديات على الأهالي حتى حضور وفد من جبل الدروز بطلب من المغفور له سلطان باشا الأطرش وعمل هذا الوفد على إعادة الحق إلى أهله والهدوء بين الناس .

العم أبو حسن جابر شوفانية والذي يأم ويزور يومياً بين المسن لم يتنازل في حديثه عن ذكر الله وقناعته بنصيبه وحبه للعلم والمطالعة وكما قال العلم يفتح الدماغ فكلما كنت مثقفاً تقترب من الله أكثر ولم ينسىَ عندما كان يبكي من اجل أن يحصل من والده على " التعرفي" لكنه القلة كانت تمنع من والده ذلك واليوم الامور تغيرت وعلى الانسان القانعة بالموجود.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]