محمد يوسف الفقيه من قدامى صانعي القوارب والسفن في عكا، عمل في قوارب البحر أكثر من خمسة عقود من الزمن، متحديًا بذلك المعاناة اليومية كغيره من صيادي وأهالي عكا. في بداية مشواره وبعيدًا عن مسقط رأسه (حيفا ) كان هذا العمل يلقي بظلاله الكئيبة على حياته بعد أن سلب الجيش الإسرائيلي بيته في وادي الصليب بحيفا، ففي ميناء عيسى العوام بعكا تتراقص القوارب والسفن جاثمة على سطح الماء كأنها لوحة فنية غاية في الجمال والروعة ، ومع بزوغ الفجر يرفرف طير النورس بجناحيه ملقيًا تحية الصباح على الصيادين العائدين للتو من رحلة بحرية شاقة في سبيل كسب لقمة العيش، أبو يوسف الفقيه له بصمات في هذا الميناء حيث صمم وانشأ العديد من القوارب والسفن قبل عشرات السنين ....

مراسل "بكرا" التقى بالفقيه في بيته المطل على الفنار (الغربي ) في مدينة عكا ليستذكر أبو يوسف تلك الأيام الخوالي من عمره وخمسة من العقود قضاها في صناعة القوارب والسفن ....

يقول أبو يوسف الفقيه لـ "بكرا": في عام 48 قام الجيش الإسرائيلي بدك حي وادي الصليب حيث سكنا بالقنابل ولم يبقى أمامنا سبيل إلا النزوح وكانت الطريق إلى ميناء حيفا هي السبيل الوحيد أمامنا لان كل الطرق كانت مغلقة على يد الجيش الإسرائيلي ، ركبنا البحر ونزلنا في عكا ، كنت شابا صغيرا، وعمري لم يتجاوز الـ 18 ربيعًا، وعملت في البداية في تصليح الشبابيك والأبواب ومن ثم عملت بصيد الأسماك ، ذات يوم راودتني فكرة تصميم وبناء القوارب والسفن وكان ذلك في عام 1962 ، وبما أنني أجيد النجارة فهذا بحد ذاته سهل علي المهمة ، بالفعل بدأت بتصميم وصناعة السفن والقوارب ودام ذلك عشرات السنين ، قمت بإنشاء أكثر من 100 سفينة وقارب ، أفضل السفن هي المصنوعة من خشب التوت والكينا

في سنة 1975 اختاروني مؤذنا لجامع الجزار

يتابع أبو يوسف :من خلال عملي في إنشاء القوارب كنت دائم الإنشاد والغناء وكان من حولي يشيد بصوتي العذب ، في تلك المرحلة كان الأهل في عكا يبحثون عن مؤذن لجامع الجزار فاختاروني مؤذنا للجامع ، لكن عملي كمؤذن لم يشغلني عن صناعة القوارب والسفن ،تابعت نشاطي في هذا المجال لعشرات السنين وفي سنة 2001 توقفت عن أداء عملي مؤذنا لجامع الجزار لان صوتي لم يعد يسعفني بسبب كبر السن .

سنوات عديدة من العمل في تصميم السفن والقوارب أنهكتني ولكنها كانت مصدر رزق والحمد لله ، لانتقل بعد ذلك إلى صناعة المجسمات الخشبية الصغيرة للقوارب والسفن ،صناعة المجسمات تحتاج إلى الدقة المتناهية والخبرة ،هذه المهنة تحتاج إلى خيال واسع وإبداعي ، قبل حوالي 15 سنة شاركت بهذه التحف الفنية (المجسمات ) بمعرض حاز على إعجاب الحضور.

بناء القوارب ...فن

ويتابع أبو يوسف :يعتمد عمر القارب على عدة أمور وأهمها صناعته ونوع خشبه ، وكذلك الصيانة من حيث الطلاء والتشحيم ، إذا توفرت هذه الشروط فيمكن للقارب أن يحيا في البحر لمدة لا تقل عن 50 عاما ، لكن إذا أهمل صاحب القارب هذه التقنيات والصيانة فستقوم الدودة بنخر خشبه ولن يعمر القارب كثيرا ...

وأنهى أبو يوسف : قبل مدة خرجت إلى إجازة لأستريح من عمل المجسمات الخشبية ولكنني سأعود قريبا لأبدأ من جديد بممارسة هذه الهواية ( ما زال هذا الشاب 81 سنة معطاء).

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]