"نحن حفيدات وأحفاد الجاليات اليهودية في العالم العربي والإسلامي، في المشرق والمغرب، وكجيل ثالث من المشارقة في إسرائيل، نتابع بتًأًثرٍ كبير وبشغفٍ شديد الدور المركزي والشجاع الذي تتبوأه نساء ورجال أبناء جيلنا في أرجاء العالم العربي في الثورة والتظاهرات من أجل الحرية والتغيير. كما نشعر بالتضامن والأمل في مستقبل الثورات الناجحة في كلٍّ من مصر وتونس، نشعر بالألم والقلق الشديديْن لفقدان الأرواح الغالية وسفك دماء الشعوب الزكية في كلٍّ من ليبيا والبحرين واليمن وسورية، وغيرهم من شهداء الحرية في أماكن أخرى. إنّ صرخة أبناء جيلنا في وجه الاضطهاد ووجه الأنظمة المستعبدة المستغلة المستبدة، ودعوتها إلى التغيير وللحرية وبناء أنظمة حكمٍ ديمقراطية، تكفل مشاركة المواطنين في الحياة السياسية، وتمثل في نظرنا لحظةً مثيرة وحاسمة في تاريخ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هذه المنطقة التي تمزقت منذ أجيال نتيجة التّجاذبات والصّراعات التي جرت بين قوى خارجية وداخلية مختلفة والتي سحقت الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية لغالبية مواطني هذه المنطقة".

شباب ضد الحركة الصهيونية


بهذه الجمل افتتح مجموعة من الشبان والشابات اليهوديات من أبناء وأحفاد الجاليات اليهودية التي قدمت إلى إسرائيل من العالم العربي والإسلامي، والذين قرروا الخروج بصرخة ضد السلطات والحركات الصهيونية الهادفة الى تغييب هويتهم الأصلية كيهود عرب..

قد تكون نجحت السلطات الإسرائيلية وبالأساس الحركة الصهيونية بتغييب العنصر العربي عن هوية اليهود الذين قدموا من دول عربية وإسلامية، كمصر، لبنان، سوريا، العراق، المغرب، تونس، ليبيا، وايران، وما الى ذلك. وفي الوقت الذي بقي فيه قلة قليلة من هؤلاء في بلادهم الأصلية، الا أن الأغلبية الغالبة منهم علت الطائرات وقدمت إلى إسرائيل في الموجة الكبرى من القادمين الجدد من المضارب العربية في سنوات الخمسين والستين من القرن الماضي.

مبادرة تنطلق من رحم ثورة تونس

وقد بادر كل من أورلي نوي، ماطي شموئيلوف، نعما جارشي، يالي هشاش، نفتالي شيم طوف، وألموج بهار، الى الاجتماع واللقاء حول هذا الموضوع، وهو رفع الوعي والافتخار بكونهم عربا من أصله، يتحدثون العربية كلغة أم، رغم أن العربية هي اللغة الأم لأجدادهم وجداتهم ووالديهم ووالداتهم بالأساس، فهم لا يعرفون جميعهم الحديث بالعربية. فبادروا لإطلاق هذه المبادرة تحت عنوان "روح جديدة"..

من جهته يقول ألموج بهار، الذي ينحدر من عائلة عراقية وتركية وألمانية الأصول، في محاولة لتعريفنا على هذه المبادرة الفريدة: "المبادرة الأولية انطلقت لسببين، كنا نجلس أنا وبعض الأصدقاء، واندلعت الثورة التونسية والمصرية، وبدأت المظاهرات والصدامات مع قوات الأمن. شخص اسرائيلي يشاهد ويقرأ ويستمع للإعلام العبري يشعر بتفرقة معينة، فأنت ترى صورًا ومشاهد تثير الانفعال والاحترام، على المستوى الشخصي والمبدئي هذا الأمر يعنيني، وأنا شخصيا كنت قد زرت مصر ولدي أصدقاء عرفت أنهم كانوا في ميدان التحرير. بينما من الجانب الآخر يحاول الإعلام العبري طوال الوقت التخويف والتهويل، وتقوم القنوات الإسرائيلية بالحديث مع محلليهم للشؤون العربية الذين يشرحون للشعب كم هي هذه الأحداث خطيرة لإسرائيل ولثبات المنطقة، وفجأة تراهم جميعا يقفون إلى جانب مبارك والطغاة أجمع".

ويضيف بهار في حديثه عن المشاعر التي خالجته وأترابه من الشرقيين في خضّم الأحداث الآنية التي تدور من حولنا في الدول العربية، ودور الشباب العربي في إحداث التغيير وصناعة الثورات: "من جهة أخرى تشعر بنفسك شعور التضامن مع ما يجري هناك، لهذا السبب، وبسبب عدم وجود أصوات بديلة تحكي بلغة أخرى في الإعلام العبري حول هذه الأوضاع، قرننا أن نتحد في محاولة للتعبير عن شعورنا كأبناء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كأشخاص من عائلات تنحدر من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأن نعبّر عن تضامننا مع النضال... كما أن في القضية عامل الأجيال، وشعرنا بالغيرة من الجيل الشاب الذي نجح في التكتل وأخذ زمام الأمور والمطالبة بالعدل حتى النهاية!! فقرروا عدم ترك ميدان التحرير وعدم الرضوخ لعنف السلطة، وهذا الأمر يشعرنا بالغيرة بسبب الوضع في البلاد. هنا كل مجموعة تهتم بنفسها فقط، حتى داخل الخط الأخضر، ولا تتضامن مع مجموعات أخرى، وبالتالي لا توجد إمكانية لأن يرى الفقراء، والفلسطينيون، والشرقيون، والمتدينون، والأثيوبيون الظلم تجاه الآخرين عدا عن نفسهم هم، وعمليا يجب أن تتوّحد هذه المجموعات، لأنها حينها تشكل الأكثرية، بينما كل واحدة منهم لوحدها هي اقلية. تضامن الجيل الشاب العربي هو أمر مثير للإعجاب، وانتقال الثورة من بلد الى آخر أمر رائع"!

ويحدثنا بهار عن آماله من هذه الرسالة التي أطلقوها: "في رسالتنا كشباب وأيضا كأبناء المنطقة، نحن نعبّر عن تضامننا ونرغب أيضا أن ننضم، بداية في الفكر آملين أن ننضم ايضا في العمل، لبناء شرق أوسط جديد (ليس كما رؤية بوش)، لا تُبنى فيه الدول على ظلم وقمع الشعوب في حين تبقى ثروة الدولة بأيدي قلائل. في إسرائيل الوضع مماثل، كما أنه يجب حل قضايا الاحتلال والعنصرية، والظلم والقمع الثقافي والاقتصادي تجاه مجموعات معيّنة".

ويرى بهار الظلم الذي يعاني منه ايضا اليهود العرب في إسرائيل، مثلهم مثل الفلسطينيين الباقين في وطنهم، قائلا: "حتى نحن نبذتنا اسرائيل، كما الفلسطينيين، الذين تعاملهم بعنصرية ولا تتقبلهم، في حين أيضا العالم العربي نبذهم ويعاملهم كأبناء غير شرعيين مستغربين بقائهم في العالم العربي، وهذا موقع الصراع. في هذه الحالية، موضع العرب اليهود مماثل، فالحركات الوطنية العربية وحتى الأكثر تطرفا منها في العراق ومصر حيث تم طرد اليهود، لم يكونوا مستعدين أن يقبلوا اليهود كجزء من المكان رغم أنهم عاشوا هناك سنين طويلة، وحتى في بعض الدول العربية محوا دورهم على مر التاريخ. في البلاد قاموا بالعكس، طلبوا منهم أن يلغوا عربيّتهم والكفّ عن الحديث بالعربية، وأن يعتبروا العرب واليهود كجهات متناقضة وربما متناحرة، رغم أن التاريخ المشتركة أطول بكثير من التاريخ المتناحر. نأمل أنه عبر الحوار مع الجيل الصاعد العربي والفلسطيني سيكون بإمكاننا إعادة بناء الروابط من جديد".

ويؤكد بهار أن الأجواء في اسرائيل عنصرية جدا، ولذلك تحمل الرسالة جانبين، الأول محاولا إقناع آخرين في إسرائيل بآرائهم حول التضامن مع الفلسطينيين داخل وخارج الخط الأخضر، والآخر هو مطالبة العرب بتذكر اليهود العرب والعلاقة الوثيقة بين الاثنين رغم محاولة نسيانها ومحوها من الذاكرة..

كما يؤكد أنه في أعقاب الرسالة توجه له مجموعة أصدقاء من الخليل وطلبوا منه أن يعثر لهم على يهود من سكان الخليل الأصليين، ليدعونهم للعودة والسكن في الخليل بدلا من المستوطنين!!!

نوي: الحوار مع العروبة ضروري للإسرائيليين

أما أورلي نوي، التي تنحدر أصولها من عائلة ايرانية فارسية، فتقول في حديثها لمراسل موقع "بكرا": "روح جديدة، هي الرياح الجديدة التي تعصف بنا، هذه طريقة تعاملنا مع هبوب رياحنا التي تطلب التحاور مع الرياح الجديدة التي تعصف بالشرق الأوسط.. أعتقد، أنه في ظل هذه الرياح والآمال الجديدة، هناك دوما مكان أيضا لآمال ولفرص جديدة".

وتتابع حديثها حول الرسالة ومضمونها: "أعتقد أن كل واحد من الموّقعين على الرسالة كان ليكون سعيدا لو باشرت اسرائيل بالتحاور مع الشعوب العربية. ولكني أعتقد أن ذلك جاء من مكان أكثر خصوصية، فنحن اليهود العرب، القادمين من الدول العربية والاسلامية هذه فرصة لنبادر للحوار، لنبادر الى نوع من التوّجه لهؤلاء الشباب الذين يقودون الثورات في العالم العربي آخذين بعين الاعتبار المشترك بيننا. أرى الكارثة والأوضاع المأساوية التي تحل بالشرقيين في البلاد، إذا قامت الصهيونية بكبت المشترك بيننا والعالم العربي منذ سنوات الخمسين والى يومنا هذا، فنحن بحاجة لقوى كبرى كي نقوم من جديد للبحث عن العامل المشترك بيننا في ظل عروبة الشرطة الأوسط، ونريد أن نحدّث العرب ليس من منطلق تصويرنا كأعداء طوال السنين. فقد كلّفت الصهيونية ثمنا بالغا من الشرقيين، بل أنه ثمن صعب جدا، كلّفتهم بثقافتهم وثقافتنا، والأهم اللغة العربية الأم، وستتطلب عملية إعادة التأهيل سنين طويلة ولن تكون سهلة. وجزء من عملية إعادة التأهيل هو هذا الترابط مع العالم العربي على أنوف الحركة الصهيونية والسلطات الاسرائيلية، فكنا جزء هام من هذا العالم وكنا شركاء كاملين... وطوال ستين عاما كان متوقعا منا ليس فقط الكبت والنسيان وانما أن ننبذ ونذلل مركبا هاما وقويا جدا من هويتنا الجماعية. هذه الرسالة هي جزء من محاولتنا للارتباط من جديد مع هذا المركّب الأساسي من هويتنا الشرقية"!!!

وتنهي حديثها بالقول: "كل اسرائيلي، في لحظة الواقع، يفهم أنه بدون الاعتراف بالمحيط الجيوسياسي القائمة فيه دولة اسرائيل، لن تصمد مطوّلا، لا يمكننا أن نواصل الكيان كـ"فيلا" في الأدغال!! على الحوار مع العروبة ألا يكون فقط مصلحة شرقيين وانما أيضا أن يكون مصلحة جميع الإسرائيليين"!!!

شموئيلوف: في السابق أفرادًا آمنوا بعروبتهم واليوم توسعّت الدائرة

في حين يقول ماطي شموئيلوف، وهو أحد المبادرين لهذه الرسالة، والذي كان قد صدر له في العام 2007 مع اثنين من الأصدقاء (أحدهم ألموج بهار) كتابا عن دار نشر "عام عوفيد" بعنوان: "תהודות זהות: הדור השלישי כותב מזרחית" (ردود هوية: الجيل الثالث يكتب شرقية)، والذي هو عبارة عن مونولوجات وحوارات ورؤيا أوتوبيوغرافية عن التجربة الاجتماعية السياسية الشرقية لعدد من الكتّاب، أنه نجح خلال هذا الكتاب بوضع وثيقة للجيل الذي ولد في سنوات السبعين والثمانين، والذي في غالبية الظن لا يملك ذكرى مباشرة من الدول العربية، كونه ولد في اسرائيل كما يقول.

ويضيف: "أنا عراقي الأصل، أتحدث بعض العربية التي تعلمتها من جدتي ووالدتي، ولكن فقط جدتي وجديّ كانا وعاشا في العراق. فعدا عن الجرح الذي نشعر به من الهجرة والقمع في اسرائيل، هناك رغبة شديدة في تحديد انتمائنا لتلك العروبة التي حاولوا بكل القوة إزالتها من أهلنا وأهل أهلنا"!!!

وكان قد التقى شموئيلوف وبهار ونوي برفقة العديد من زملائهم ويحزكيل رحاميم الذي بادر في العام 2009 الى الرسالة الأولى التي صدرتم باسم اليهود الشرقيين (اليهود العرب) في البلاد بعد خطاب أوباما الشهير، في البداية مع بعضهم البعض بهدف بلورة فكرة الرسالة الجديدة.

وفي رده على سؤال حول استمرارية الرسالة وماذا سيحدث مستقبلا يقول شموئيلوف: "نجاحنا هو أن هذا الأمر مستمرًا، وأننا ننجح في الحفاظ على التوّجه والرغبة بالتواصل مع العالم العربي والتوّحد والتنظّم كمجموعات في حالات مختلفة. إضافة الى ذلك، برأيي أننا كمجموعة تطوّرنا وبلغنا قليلا، ففي حين البعض لم يكن يربط بين المجتمع الاسرائيلي، والأسئلة الاثنية الاجتماعية وبين الأسئلة المنطقية والسياسية والجيئوسياسية والدولية، يعّد أعضاء المجموعة اليوم اشخاص متزّنين جدًا، وافقوا على الرسالة بعد تعديلها ووقّعوا عليها، وفيما بعد انضم آخرون الينا. ما كان في الماضي قضية شخصيات وحيدة كسمير نقّاش، او شمعون بلاس وسامي ميخائيل القادمين من العراق، والذين اعتبروا نفسهم يهودا عربًا، وفيما بعد بروفيسور ايلا شوحاط وسامي شالوم شطريت، والذين تحدثوا عن نفسهم كيهودا عربا بشكل منفرد، اليوم يدور الحديث عن مجموعة شبابية ترى نفسها كذات علاقة بالثقافة العربية اليهودية. واستخدام هذا المصطلح – العرب اليهود – ورغم كونها ثوريا الا أنه منطقي جدا!! وفي الآونة الأخيرة وفي ظل ما يحدث من حولنا في العالم العربي، بدأ الناس يفقدون عامل الخوف وبدؤوا يعبّرون عن رأيهم بحرية أكبر"!!
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]