لم يكن اختيار محمد خيري (24 عاماً)- باقة الغربية، لدراسة اللغة العربية والإعلام في الجامعة العربية الأمريكية في جنين، مجرد صدفة أو لضآلة عدد سنوات التعليم أو سهولة الموضوع، كما يدعي البعض، فأتى هذا القرار، في إعقاب ممارسته لمهنة الصحافة قبل دراسته، وأيقن حينها حسب قوله "أن الواقع الإعلامي المحلي، او كما يقول هو (منطقتنا) بحاجة إلى ترميم أو إعادة تأهيل". فاعتزل العمل في  الإعلام الهزيل، حسب وصفه، وانطلق صوب مدينة جنين لتكون بوصلته، وينهل العلم من جامعتها، بهدف تغيير وضع الصحافة المحلية.


" أعتقد يقينًا أنني استطيع خدمة هذا الوطن والشعب من خلال قلمي"

محمد: "ما زلت أحمل هدفي هذا أينما حللت، فانا اعتقد أن من واجبي كمواطن فلسطيني أن أقدم لقضيتي هذه قدر استطاعتي، وبما أني إعلامي، اعتقد يقينًا أنني استطيع خدمة هذا الوطن والشعب من خلال قلمي، فالهدف هو العودة من جديد إلى الداخل الفلسطيني لنشرع بتجديد المشهد الإعلامي، والعمل على تطوير وسائل إعلامنا، حتى تكون قادرة على خدمة هذا الشعب ونصرة قضاياه.
والى جانب ذلك، فانا شخصيًا احمل حلمًا بالوصول إلى العالمية في الإعلام، وتسطير النجاحات، وأرى أن لا خير في من يترك هذه الدنيا دون أن يضع فيها بصماته المؤثرة، ولعلها تكون بصمات ذات تأثير ايجابي على قضيتي وقضية أبناء شعبي".

الجامعة العربية الأمريكية في جنين!

وعن سبب اختياره للدراسة في الجامعة العربية الأمريكية في جنين أجاب: " لم يكن اختياري للجامعة العربية الأمريكية بسبب سهولة مناهجها أو شروط قبولها كما يجيء على لسان البعض، فالشروط في الجامعة شبيهة بشروط جميع الجامعات الفلسطينية، وكذلك قسطها التعليمي".

الجامعة أقرب لنا جغرافياً، ناهيك أن شروط القبول في الجامعات الإسرائيلية مشوب بالعنصرية!
وتابع حديثه قائلاً: " وقع الاختيار على هذه الجامعة لأنها الأقرب ألينا من حيث الجغرافيا من ناحية، ومن حيث سهولة الوصول إليها دون عوائق من ناحية ثانية، إلى جانب سمعتها كجامعة قوي تعليمها رفيع مستواها، هذه السمعة التي وصلت إلينا عبر خريجي الجامعة من الأفواج السابقة، وعبر طلاب الداخل الذي ينهلون العلم في ربوعها".
ويشار هنا إلى أن تلقي العلم في جامعة جنين، لم يأت عبثًا، فقد صبرنا كثيرا أنا وغيري من الطلاب وحاولنا الانضمام إلى إحدى الجامعات الإسرائيلية عبثًا، فشروط القبول العنصرية حالت دون ذلك، والتي تتمثل بالمقابلة الشخصية التي قلما ينجو منها عربي، إلى جانب امتحان البسخومتري العنصري أيضًا، الذي لا هدف له سوى الحؤول دون وصول الطلاب العرب إلى جامعات إسرائيل، وتشجيعهم على الهجرة إلى الأردن والضفة الغربية أو البلاد الأوروبية".


هلا حدثتنا عن شروط القبول في الجامعة بشكل عام؟
محمد: "لكل مادة يبتغي الطالب الانتساب إليها شروط قبول خاصة في جامعة جنين العربية الأمريكية. أما في ما يتعلق بطلاب الداخل فمعدل شهادة (البجروت) هو الحكم هنا، فهناك تخصصات معينة تستدعي حصول الطالب على معدل 90 علامة فما فوق، وهناك أخريات تستدعي مثلا حصوله على 70 علامة فما فوق.
الحكم الفصل إذا هنا، هو (البجروت) ولا شيء غيره، وعلى الطالب أن يسارع في القدوم والتسجيل وحجز مقعده الخاص عند الإعلان عن بداية التسجيل للجامعة، وتتم عملية حجز المقعد عبر دفع الطالب الذي يتم قبول معدله دون حساب علامات الإضافة النسبية ( البونوس) ذلك أن الجامعة لا تعترف بهذه العلامات".

بُكرا: هل واجهتك معارضة او استغراب من قبل المقربين لاختيارك الدراسة في جنين؟
محمد: لقد حاول المقربون مني، ثنيي عن القدوم إلى الضفة الغربية، وسعوا إلى إقناعي بتلقي العلم في إحدى الجامعات الإسرائيلية القريبة، ذلك أنني من خلال هذه الخطوة أكون قريبا من مكان سكني وعائلتي وأصدقائي، ولكن للأسف الشديد كانت هناك عدة عقبات في طريقي حالت دون ذلك، وهي عقبات سبق وان ذكرتها وتتمثل في البسخومتري والمقابلة الشخصية وغيرها من الأشواك التي تزرعها وزارة المعارف الإسرائيلية في طريق الطالب العربي، ولذلك وقع اختياري على مدينة جنين".

بُكرا: "عن السنة الدراسية الاولى لك في التعليم"
محمد: "بلا أدني شك، كانت السنة الدراسية الأولى في جامعة جنين صعبة للغاية على طالب ضيف في منطقة يعيش فيها للمرة الأولى في حياته، إلى جانب صعوبة التأقلم مع الحياة الجامعية وطبيعة المواد الدراسية التي كانت تقدم لنا.
وبما يتعلق بحياة الغربة، فهي حياة قاسية على كل إنسان وليس على الفلسطيني من الداخل فحسب، ولكن بحمد الله استطعنا التأقلم مع محيطنا في الضفة الغربية، والتعرف على عشرات الأصدقاء من أبناء الضفة الذين ساعدونا على عملية التأقلم والاندماج مع هذا الشعب".

" نواجه الصعوبة في التأقلم مع شريحة واسعة من الجماهير في جنين"
لا بد من الإشارة أيضًا إلى أن النظرة إلى حامل الجنسية الإسرائيلية في الضفة الغربية ليست نظرة ايجابية دائمًا بكل تأكيد، فنحن نواجه صعوبة في التأقلم مع شريحة واسعة من الجماهير هنا، والذين لا يتقبلون وجود ابن الداخل الفلسطيني الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية بينهم. وقد واجهنا بعض الصعوبات وما زلنا في هذا السياق، مع الإشارة إلى تعرض طلاب الداخل إلى مضايقات في بعض الأحيان، ونضرب مثلا تشكيل صفحة على الفيسبوك (لمحاربة يهود خيبر في الجامعة الأمريكية)".

"عملية التأقلم والاندماج تعود لشخصية الطالب نفسه.. يوجد اختلاف بالعادات والتقاليد"

ولا بد من لفت الانتباه أيضا إلى أن عملية التأقلم والاندماج تعود إلى شخصية الطالب نفسه، والأغلبية الساحقة من طلاب الداخل يشكلون جماعات أصفها أنا بالجماعات العنصرية، فلا تحتوي سواهم، ولا يسكن معهم سوى ابن الداخل فحسب، ولا يأكل معه ولا يسهر غير هؤلاء.
القضية مُعقدة بعض الشيء، فهناك اختلاف كبير في وجهات النظر والعادات والتقاليد، هناك نظرة يصعب تفسيرها من أبناء الداخل أنفسهم إلى أبناء الضفة الغربية، نظرة قد تكون استعلائية نوعًا ما، لا تزيد المشهد إلا تعقيدا، فانا شخصيا اعتقد أن على الطالب التعايش مع محيطه بكل بساطة وتواضع، مهما كان منصبه أو علت رتبته، أن يعيش الحياة البسيطة العامة في الضفة الغربية كما هي دون استعلاء أو رفض للواقع.
من منطلق شخصي، استطعت التأقلم مع محيطي وتكوين شبكة أصدقاء وعلاقات واسعة للغاية مع صحافيين ومثقفين وشعراء وأدباء من الضفة الغربية، أعيش في جنين حياة أهلها وواقعهم لا اختلف عنهم ولا يختلفون عني".


بُكرا: هل من صعوبات واجهتك وتواجهك من قبل السلطات الاسرائيلية في التنقل عبر الخط الاخضر؟

التنقل بشكل عام من والى الضفة الغربية سهل على طلاب الداخل الفلسطيني، هناك بعض الصعوبات التي نواجهها جراء التأخير على الحواجز العسكرية، فهذه الحواجز لا تراعي الطلاب من ناحية الوقت خاصة، فلا يستطيع الطالب من سكان شمالي البلاد مثلا القدوم إلى الجامعة في الصباح الباكر ذلك أن معبر الجلمة لا يفتح أبوابه قبل الساعة الثامنة صباحًا، فيضطر الطالب إلى القدوم قبل دوامه بيوم واحد، أو التأخر عن محاضرة أو اثنتين.

خيري: " أتوجه عبر موقع بكرا لأعضاء الكنيست العرب لمساندة الطلاب وتوفير التصاريح لهم"
هذا إلى جانب عملية التفتيش المُعقد التي يخضع لها الطلاب وأهاليهم عند الدخول إلى مناطق النفوذ الإسرائيلي، تفتيش بلا شك يضايق الطلاب نفيسا ومن ناحية الوقت أيضا، وقد سبق أن تمت المطالبة بحصول الطالب على تصريح خاص، ولكن لا حياة لمن تنادي.

ومن عبر منبركم نوجه نداءنا إلى قياداتنا وخاصة أعضاء الكنيست العرب لمساندة الطلاب العرب في جنين والعمل على راحتهم وتوفير التصاريح اللازمة لهم".

بُكرا: هل لديك معلومات عن عدد الطلاب من الداخل الذين يدرسون في الجامعة الأمريكية؟
بحسب اعتقادي ينهل العلم من الجامعة العربية الأمريكية في جنين نحو 800 إلى 1000 طالب وطالبة من الداخل الفلسطيني، ويبدو جليًا وواضحًا أن عدد هؤلاء الطلاب يزاد عاما بعد آخر".

بُكرا: بعد مرور عامين هل تعتقد أن التعليم قد ساهم في صقل شخصيتك، وتمكينها ؟
شخصيًا قدمت إلى الجامعة بعد أن مارست مهنة الصحافة على مستوى محلي (اقصد في الداخل)، وعلى مستوى عربي واقصد بذلك وكالات الأنباء والتواصل مع صحف عدة، ولكن ورغم اكتسابي لمعلومات وخبرات في هذا المجال عمليًا إلا أنني اكتسبت العديد من المهارات جراء تلقي العلم في الجامعة، وهي في اغلبها مهارات تتعلق بالإعلام من الناحية العلمية.
إلى جانب ذلك، وبما أن الإعلام في جنين مدموج مع اللغة العربية، فقد ساعد ذلك على اكتسابي مهارات كثيرة في هذه اللغة العظيمة وتدعيم قدراتي الكتابية".

بُكرا: هل تنصح الشباب والشبات من ابناء الداخل بالدراسة في الجامعة العربية الاميركية في جنين؟
محمد: "لطالما سُئلت هذا السؤال، ولطالما كانت إجابتي هي ذاتها، انصح جميع الطلاب بتلقي العلم في الداخل وعدم تفضيل أي جامعة أخرى سواءً كانت بالضفة الغربية أو أوروبا أو الأردن على ذلك هذا إن كانت شروط قبولهم متوفرة وباستطاعتهم الانتساب إلى تلك الجامعات الإسرائيلية.
ولكن في حال لم تتوفر لديهم الشروط، فعلا أنا انصح بالتوجه إلى جنين أو إلى جامعات الضفة المعترف بها، ذلك أنها اقرب ألينا من باقي جامعات العالم، وفي أسوأ الظروف يستطيع الطالب العودة إلى منزله لغرض ما بسرعة كبيرة ودون تكاليف مادية باهظة".

بُكرا: كيف توفق بين عملك في مجال الصحافة ( وكالة صفا) والتعليم في نفس الوقت؟ هل أضاف لك العمل شيئاً بعد الدراسة؟
محمد: "بصراحة لا بد من مواجهة بعض الصعاب بكل ما يتعلق بالملائمة ما بين التعليم والعمل، لا بد في نهاية المطاف من الانحياز إلى جهة على حساب أخرى ولا انصح الطلاب بذلك.
أحاول دائما أن أوفق بين هذا وذاك، فاعمل مباشرة مع وكالة الأنباء بعد عودتي من الجامعة، ولكن في ذلك شيء من الإجهاد لي شخصيًا، فالطالب بحاجة إلى الراحة والقراءة، ومتابعة الأخبار والتطورات تحول دون ذلك.
ولكن وبما أني اعمل في مجال الإعلام واطلب العلم، أحاول دائما أن اعمل بلا كلل ولا ممل، بل وأسعى إلى توسيع دائرة عملي، فاليوم اعمل مع أكثر من جهة وهي في اغلبها جهات إعلامية في الدول العربية المُجاورة، وبحمد لله ورعايته استطعت على مدار العامين الدراسيين تحقيق عدة انجازات والتوفيق بين عملي وعلمي".

بُكرا: طموحك المستقبلية..
محمد: "منذ قررت الانسحاب من المشهد الإعلامي الهزيل في الداخل، حملت طموحًا بالعودة من جديد لإعادة هيكلته وترميمه بالتعاون مع أشراف الإعلاميين، والى جانب ذلك فانا اطمح من خلال ما أقدم عليه من خطوات إلى الوصول إلى العالمية، هذا هو هدفي، أن أصل إلى مكانة مرموقة ومنصب رفيع المستوى في الإعلام والمشهد السياسي، وذلك ليس طلبًا لمال أو شهرة أو للمنصب بحد ذاته، إنما لأني مواطن فلسطيني صاحب قضية وفكر أسعى إلى نصرته، ولا اعتقد أن النصرة ستأتي دون الوصول إلى المنصب الذي أتمناه، ذلك أن أقوالي وكتاباتي ومحاضراتي لا بد ستكون مؤثرة في النفوس حينها... ونسأل الله سبحانه أن يوفقنا وان يمهد الطريق أمامنا".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]