يقال أن الكلب أفضل صديق للإنسان.. بالنسبة لملكة ساحوري، روكي، كلبها من نوع لافرادور، هو أعز صديق لها، واحد أفراد عائلتها.. فهو المساعد الأول للإنسان الضرير، يساعدها في التنقل والذهاب لأي مكان ترغب به..

وساحوري قصة نجاح بحد ذاتها، فبعد أن أصيبت بمرض وراثي أدى إلى فقدانها البصر، تغلبت على مشقات ومصاعب الحياة، لتربي زهرتين جميلتين لوحدها، وبعد تخطي الشدة والصعوبات، انتصرت مرة أخرى، لتعود إلى ممارسة حياة طبيعية مثلها مثل بقية البشر...

انتصارها الأخير، وبعد أن انتصرت على الإعاقة وفقدان البصر وعلى تربية ابنتيها، كان بنجاحها في نضال كبير منع إغلاق مصنع تعمل به إلى جانب 150 عاملا من المكفوفين والمقعدين وذوي الإعاقات، وهو الوحيد من نوعه في منطقة حيفا.. قصة نجاح نفتخر بها، وكان لا بد لنا من الوقوف عندها والتعرف إليها عن كثب...

ساحوري الطفلة قبل 19عاما


تتحدث ساحوري عن حياتها قبل إصابتها بمرض أفقدها حاسة البصر: "تزوجت عندما كان عمري منذ 19 عاما، وبعد أن ولدت ابنتي الأولى شعرت أن نظري خفّ، وفي الفحوصات لم يفهم أحد ما يحدث وما هو هذا المرض، واصلت حياتي بشكل طبيعي، بعد الولادة الثانية لم أعد أرىَ شيئا، وطوال ثلاثة أيام لم أكن أرى أي شيء، وبعد حوالي السنة تبين أنه لدي مرض وراثي يؤدي إلى فقدان البصر رويدا رويدا، وحتى أن السمع يخف مع الوقت.

توجهت لكل الأطباء في محاولة لمساعدتي، ولكن لم ينجح أي طبيب في إيقاف هذا التدهور في البصر، وخفّ نظري مع الوقت، وعندما باتت ابنتي الكبرى في السادسة والصغرى في الثالثة من العمر فقدت نظري كليا"!.

وتضيف "بعد ذلك تغيّرت حياتي كليا، حتى في المنزل تغيّرت معاملة زوجي لي، ونظرة الناس لي باتت مختلفة، ودخلت بضائقة نفسية، وأتعاب شاقة كثيرا، ووجدت نفسي وحيدة في هذه المعركة، فكل من كان حولي تركني، ولم أكن أعرف أنه لدي حقوق كضريرة، كالتأمين الوطني وضمان الدخل، وغيرها، وناضلت لأجل تربية بناتي كما يجب، وتلقيت المساعدات الكثيرة من الجمعيات الخيرية كبيت النعمة والمرحوم كميل شحادة لأتمكن من مواصلة حياتي وتربية بناتي.

قبل أن أفقد نظري كنت اعمل كمعاونة للمسنين ومربية أطفال، وبعد أن خف نظري اضطررت للمكوث في المنزل، ولم أغادر المنزل إلا للأغراض الضرورية كصندوق المرضى والبنك، وكان بناتي يذهبن معي ويساعدنني، وبعد زواجهن، بقيت وحيدة، وشعرت أنه لم يعد طعم لحياتي، وأنه أفضل الموت!.

ساحوري من الموت إلى الحياة


وجدت نفسي على مفترق طرق بين الموت والحياة وقررت التحدي واخترت الحياة، وأصبحت أذهب كل يوم إلى العمل في مصنع خاص بالمعاقين، كي أعيل نفسي وعائلتي، وتطورت شيئا فشيئا حتى أصبح الكل يطلب مني الاستشارة والدعم، وأنا اليوم مسؤولة عن 150 عاملا في المصنع، من استشارات قانونية، ومعنويات عالية.

وتعمل ساحوري، منذ سبع سنين في مصنع "مجدال أور"، والذي يشغل في غالبيته المكفوفين والمقعدين وذوي الإعاقات شتى، وهو الوحيد من نوعه في منطقة حيفا.

وتقول "أنا أعمل اليوم في تجهيز كفوف لغرف العمليات لتصديرها إلى الخارج، نحن نعمل في مصنع كبير يعمل في خمس مجالات، من تركيب وتجهيز وطبع المعدات وتجهيزها في الصناديق لتصديرها إلى الخارج، كل يوم من الساعة السادسة صباحا أذهب إلى العمل وأعود للمنزل قرابة الساعة الواحدة ظهرا".

وكان المصنع على شفى الإغلاق بسبب ضائقة مادية عانى منها، ولكن وبفضل النضال الذي قادته ساحوري ورفاقها، بقي وتحول إلى مصنع رائد .

وعن تلك المرحلة تقول: "كانت لدينا مشكلة في المصنع أنه علق في دين حوالي 9,5 مليون شيقل، ولم أسكت على الموضوع، فقررنا مواجهة الحكومة والشؤون الاجتماعية والتأمين الوطني، وخضنا نضالا كبيرا ضدهم، نضالا صعبا، بحيث توجهت لوسائل الإعلام وطالبت بعدم إغلاق المصنع، وتحدثنا إلى الوزراء وخرجنا في مظاهرات نحن المعاقون، وكنت أقود النضال.

وتتابع حديثها: "وبعد حوالي سنتين من النضال جاءت شركة تدعى "كيرن راشي"، والذين وبعد المفاوضات وافقوا على سد دين المصنع وشراءه مقابل 9,5 مليون شيقل على أن ينجح هذا المصنع. ولكن بعد توقيع العقد، اكتشفوا أنه هناك دين بقيمة 1,8 مليون شيقل إضافية! وهذه شكلت مشكلة، ورفعوا أيديهم، وقرروا أنه في 30/6/2011 سيغلق المصنع أبوابه، توجهنا للبلدية وطالبناهم بحل المشكلة، ونجحنا بتجنيد هذا المبلغ من وزارة الرفاه الاجتماعي، وبمساعدة الإعلامي نتان زهافي توجهت للوزير كحلون (وهو حيفاوي)، والذي وعد خلال أسبوع بحل المشكلة. وفعلا بعد أسبوع توصل لحل مع رئيس بلدية حيفا يونا ياهف على سداد هذا الدين لإنهاء هذه القضية وإتمام الصفقة!

الشهر الماضي عندما وصل الوزير كحلون إلى المصنع لإجراء حفل التوقيع على العقد لبيع المصنع من جمعية "مجدال أور" لـ"كيرن راشي"، افتتحت الحفل متحدثة عن حياتي ونضالي طوال الحياة، وقلت أنه قبل أن أبدأ بالعمل في هذا المصنع لم يكن لدي طعم للحياة، كنت أعيش بظلام كامل، دون أن أخرج وأتنشق الهواء الطلق، لم تكن تملأني إلا الدموع! وهذا البيت، هذا المصنع الذي ناضلت ضد إغلاقه أعطاني طعم للحياة، زاد من ثقتي بنفسي، ومنحني القوة، والإيمان أنني مثلي مثل البشر المبصرين ولا أقل منهم بشيء.

ساحوري والمجتمع والكلب روكي


أما عن طريقة تعامل المجتمع العربي مع المكفوفين فيبدو أن المجتمع العربي غير جاهز لتقبل الضرير كما هو، كمساوي له في كل شيء، فتقول ملكة: "هناك من يستقبلني بشكل حسن وجميل جدا، ولكن هناك من لا! وأوجه كلمة للأهالي أن يهتموا بتربية أبنائهم، ويعلموهم أنه عندما يشاهدون ضريرا مع كلب ألا يزعجوه ويضايقوه و"يتهبلوا" عليه وعلى كلبه! بالعكس فليساعدوا أو على الأقل أن يبعدوا! أنا أخرج مع كلبي للحديقة العامة 3– 4 مرات يوميا، وتلتقي بشبان بسن المراهقة، وللأسف أنهم يفهمون! ويستهزئون عليّ وعلى روكي (الكلب) عندما أقول له "روكي بيزي" وهذه لغة عالمية تستخدم للقول للكلب أنه بإمكانه في هذا المكان أن يأخذ راحته ويقضي حاجته... يضايقونه يرمون عليه الحجارة يسخرون منه، وهذا الأمر مزعج، ولكني آمل أن يفهموا في المستقبل أنه عينين بديلة للإنسان"!

وتؤكد أن "روكي بالنسبة لي هو حياتي كلها، أحبه وأحدثه وكأنه ابن بيتي، لأنه هو الذي يساعدني في التنقل. صحيح أنه لدي ابنتين، ولكن ابنتي غير مربوطات بي ولا يمكنني الحكم عليهم بشيء، لكل مسؤولياتها في حياتها، ولكني أتحدث إلى روكي وأقول له أنه عليه أن يساعدني في الذهاب إلى البقالة مثلا أو صندوق المرضى أو العمل، تراه يقف على عتبة الدرج وينتظرني.. يسير بأمان، وينتبه للدرج والأعمدة والسيارات، ويأخذ حذره من كل شيء، ويساعدني كثيرا في التنقل... أشعر معه بأمان أكبر من حفيداتي مثلا... هذا الكلب يكلف 30 ألف دولار، ويعلمونه سنة كاملة كي يساعد الضرير في المشي"!

وحول رؤيتها لنفسها تقول ساحوري: "أشعر أنني ناجحة بحياتي، والآن أعمل على مشروع كبير، ونطالب المسؤولين في العمل لينظموا لنا دورة باللغة الانجليزية، لمن يرغب بتعلمها. عبر الحاسوب تعلمت بمساعدة برنامج الكثير من الأمور".

وتضيف: "قليلون وقفوا إلى جانبي في الحياة. فعندما كنت قوية وجدت الجميع إلى جانبي ومعي، ولكن عندما مرضت وضعفت وجدت أن العديد تخلّوا عنيّ! ولكن عادت ثقتي بنفسي كبيرة. واليوم لم أعد بحاجة لأحد"!

الوسط العربي والمعاقون


وتحدثنا ساحوري حول دعم الوسط العربي لها، مقارنة ذلك مع الوسط اليهودي: "لدي متطوعة يهودية تعمل في شركة رفئيل وذات منصب رفيع والتي تتطوع بمساعدتي، فحينما أطلب منها أن تدلني على مكان ما لا أعرفه ترفض ذلك وتأتي بنفسها وتقلني للمكان بسيارتها! وتقول لي دوما أنها فخورة بي وترفع من معنوياتي! بينما وعلى سبيل المثال عندما آخذ روكي إلى الحديقة أسمع نساء عربيات يتحدثن عني ويقلن "حرام، هذه المرأة مسكينة"! لست مسكينة! هؤلاء يضعفون شخصية الإنسان ويخفضون معنوياته، وكأنهم يشفقون عليّ فيشعرونني أنني مسكينة! ولكني أرد عليهم "أنا لست مسكينة للأسف الشديد.. صحيح إنني لا أرى، ولكن هذا لا يعني أن تشفقي عليّ، لست بحاجة لشفقتكن... أنا إنسانة مثلي مثلك، لا تنظري إلي كمسكينة"! ولا يجدون طريقة للرد عليّ فيغادرن المكان! وأتمنى لو تتغير هذه النظرة"...

وعن الأصدقاء من حولها: تقول:"من الجميل أن يكون لدى الإنسان شريك حياة في حياته، ولكن هذا ليس كل شيء، فلدي أصدقاء كثر.. وطبيعتي أني لست معقدة، بالعكس لدي أصحاب وأصدقاء ونخرج ونلتقي في مطاعم وفي فنادق مع بعض وحتى أننا سافرنا إلى اليونان وقبرص مع بعض! أنني لا أرى لا يشكل عائقا عليّ لأعيش مثلي مثل غيري.. في السنوات العشر الماضية أعتبر نفسي كالآخرين، وفي الماضي كنت أرى بحياتي جحيما، ولكن اليوم تغيّرت نظرتي للحياة! وأشكر الله على هذه الثقة التي وهبني إياها".

أما حول كيفية قضائها لأوقات فراغها فتقول ملكة: "افتتحوا دورة للدربكة، ونحاول أن يفتحوا دورات إضافية لساعات بعد العمل... أنا أرغب بتعلم اللغة الانجليزية ونعمل على ذلك. كما أنه لدينا نادي في شارع الكرامة، للضريرين، والذي نلتقي به مرتين بالأسبوع، عربا ويهودا، هناك دورات، وأشغال يدوية، ومحاضرات وفعاليات شتى، ويصل إلينا متطوعون يقرؤون لنا، ولكن مرتين في الأسبوع غير كافي"!

كلمة أخيرة عبر "بكرا"


وتوجّه ساحوري كلمة أخيرة لقراء موقع "بكرا"، قائلة:"أقول لكل إنسان يراني أو يسمعني أن يتعامل مع كل إنسان وليس فقط ضريرا، وإنما كل إنسان في الحياة كانسان عادي وأن يحترمه كما يرغب بأن يحترمه الناس! وأن يساعد إذا كان يرغب بالمساعدة من قلبه وإلا ألا يساعد! لأن الشعور بالشفقة شعور صعب على الإنسان"!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]