كنا قد نشرنا لكم قبيل حلول عيد الفطر الماضي بأيام، مقابلة مع الطفل الغزّي محمد دبابش الذي يتلقى العلاج من مرض السرطان في فكه الأيسر في مستشفى "هعيمك" في العفوله ، ويرقد هناك منذ شهور برفقة والده عارف دبابش الذي يقدم له الدعم والدفء اللذين يلزمانه في فترة علاجه وبُعده عن أمه وإخوته الموجودين في غزة التفاح ..

ولأن محمد لا يزال هنا، بيننا، ويقضي في أروقة المستشفى أيام عيد الأضحى المبارك الذي يحل علينا غدًا، محملاً بشوقه الكبير لأمه، إخوته وغرفته الصغيرة التي تضم ألعابه ودفاتر مدرسته، ارتأينا أن نعاود الكرة ونزوره في غرفته في المستشفى للاطمئنان على حاله وآخر أخبار صيرورة علاجه التي تشارف على الانتهاء بنجاح كما نأمل جميعًا ..

عند دخولنا إلى غرفته هذه المرة كان الأمر مختلفًا عن المرة السابقة، بالرغم من أن الغرفة التي يقبع بداخلها محمد ما تزال هي نفسها، الغرفة رقم 20 في الطابق الثاني من المبنى، وأصوات أجهزة العلاج المصطفة حول سريره لا تزال هي الأخرى ذاتها، وسرير محمد أيضًا كان موجودًا في الزاوية نفسها، لكن المختلف هذه المرة كان محمد نفسه ، كان مبتسمًا

بفرح بدا لنا أصدق من زيارتنا السابقة، وكانت عيناه الصغيرتان تشعان نورًا وأملاً أكبر بالحياة، فاستقبلنا والغبطة تعتلي ملامحه وكأنه يستقبل أصدقاء قدامى اشتاقهم واشتاقوه دون أن ينسى أن يزيّن الغرفة بالبالونات الملونة التي كتب عليها بنفسه "عيد سعيد"..

جلسنا هناك بجواره على السرير وتحدثنا معه ومع والده وعدنا لكم بالآتي:

كنت أعرف أن المرض سيفقد ولدي شعر رأسه وحاجبيه لكن التجربة أقسى من المنطق..!

بدأ عارف دبابش، والد محمد، حديثه معنا قائلاً: "في الشهر الأخير من العام الماضي اكتشف الأطباء في (غزة التفاح)، مكان سكناي، أن ولدي محمد مصاب بمرض السرطان في الفك العلوي، وتحديدًا في الجزء الأيسر منه. لكننا لم نعِ مقدار التحديّات التي تنتظرنا أمام هذا المرض حينها. يومها تقبلنا هذه (المعلومة) على مضض، لكننا لم نستوعبها بالشكل المطلوب. ودون أن ندري وجدت نفسي رفقة ولدي هنا في إحدى غرف مستشفى "هعيمك" في العفولة لأراه يتلقى علاجًا كيميائيًا كنت أعرف سلفًا أنه سيؤدي إلى أن يفقد شعر رأسه وحاجبيه أمام عيني. وبالرغم من معرفتي الكاملة لهذه الأمور إلا أن التجربة تبقى قاسية ولا مكان خلالها للمنطق والمعرفة، غير أني لم أعترض على الأمر لأن هذه مشيئة الله الذي لا حول ولا قوة لنا إلاّ به. وبعد مرور شهور ثلاثة على بدء العلاج الكيميائي، قرر ألأطباء أن على محمد الدخول إلى غرفة العمليات في محاولة منهم لاستئصال المرض من فكّه. وبالطبع، دخل غرفة العمليات في الوقت الذي حددوه له، وبعد استيقاظه من تأثير المخدر قال لي الطبيب المشرف على حالته إنه قد تم استئصال المرض بنجاح لكن علينا البقاء هنا حتى انتهاء مدة برنامجه العلاجي. وقد كان"..

في عيد الفطر عدنا إلى غزة لكننا لم ندخل بيتنا ...
تابع عارف حديثه متذكرًا: "قبل حلول عيد الفطر الماضي بأيام تم إخبارنا سلفًا بأنه لا يمكننا العودة إلى بيتنا في غزة خلال إجازة العيد لأن حالة محمد تتطلب مراقبة مستمرة من الأطباء، وقد كانت هذه الفكرة تزعج محمد جدًا وتحمله على البكاء أحيانًا من فرط شوقه لأمه والعائلة لكن وبعون الله تم السماح لنا بالعودة لأيام أربعة لا أكثر، مما رسم السعادة على وجه ولدي وأعاد له حيوية افتقدتها خلال وجودنا هنا. وبالفعل عدنا إلى البيت لكننا لم ندخله تقريبًا فقد تلقينا دعوات كثيرة من الأهل والأقارب الذين أرادوا الاحتفاء بعودة محمد إلى أحضانهم، وقد نال محمد هناك قسطًا كبيرًا من الدلال والترحاب وقضى بين إخوته وأقارب العائلة أجمل أيام في حياته، وقد دفعته هذه السعادة للعودة إلى غرفته في المستشفى بطاقة مضاعفة وأمل أكبر بإنهاء لعلاج والخلاص نهائيًا من المرض.."

محمد.. عائد إلى غزة!

عن المرحلة العلاجية التي وصل إليها محمد اليوم، قال عارف: "الحمد لله لم يتبق لنا هنا سوى أسابيع قليلة.. فمن المتوقع أن نعود إلى غزة في السابع عشر من تشرين ثاني الجاري، حيث شارف محمد على إنهاء هذه الرحلة الطويلة التي اكتسب خلالها أصدقاء كثر من أبناء شعبنا الخيرين هنا في الداخل. وقد تلقينا زيارات دعم كثيرة غمرتنا بالحب وشعرنا بفضلها أننا بين أهلنا بالفعل. واسمحوا لي أن أشكر عبر موقعكم الكريم جميع أهل الخير الذين وقفوا إلى جانبنا خلال هذه المحنة "..

للتواصل مع محمد وتقديم الدعم له الرجاء الاتصال مع والده على الرقم الآتي:0549476684

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]