"الإنسان لا يستطيع الركض في الحلم ولا يقوى على الدفاع عن نفسه، الخوف من الموت يوقظه من سباته ومن حلمه، هكذا أكون في لحظة اللاشيء، التي ياخذني إليها الباركنسون عندما تنام خلايا المخ، سأسميه مرض الرقص، انه يضيء الفضاء الذي أعيش فيه ويتحكم بنظام حياتي، أصابعي تفقد السيطرة وتتحرك دون إرادتي وأنا أتمزق، أعرق، تلاطف يداي الراجفتان وجهي فأدرك أنني لم أفقد الإحساس ولا الاتجاه، عندها أصبح فراشة، "الفراشة سعيدة لأنها فراشة". إنها تحلق. تصطدم بالحواجز وتجبرها على تغيير مسارها وعلى التحليق والهبوط. الراشة تواصل طريقها، وأنا أيضا أواصل طريقي، بيدين راجفتين وقدمين راقصتين، هذه هي رقصتي".

هذا ما كتبته الفنانة ندى ناطور ابنة دالية الكرمل، في كلمتها التي تزيّن الكتيّب عن معرضها "بيد ترتجف"، الذي عُرض في العديد من صالات العرض والمعاهد الثقافية في أنحاء البلاد.

هذه الكلمات ترافق ناطور في مسيرتها للتغلب على المرض، الباركينسون، والذي تعاني منه منذ بضع سنين، والذي يسبب الرجف بالأيدي والأطراف ويفقد الإنسان في بعض الأحيان السيطرة على أنامله، وقد يكون هذا المرض هو السبب في جمالية اعمال الفنانة ناطور، والتي تخرج عن المتعارف عليه في أعمالها الفنية، فهي ترفض الـ"سيمتريا"، ترفض أن تكون أعمالها الخزفية والمصنوعة من الطين كبقية الأعمال في العالم، ليست مصنعا ينتج جميع الأواني والأغراض بنفس الأحجام والمقاسات، بل تمنح في أعمالها روحا خاصة ورونقا خاصا، وميزة خاصة تجعل كل أعمالها مميزة ولا مثيل لها.

ناطور تبعث الروح في الماضي

وتحدثنا ناطور عن أعمالها فتقول: "في عملي تظهر علاقة وطيدة بالأرض، فعندما أمسك الطين أشعر وكأنني أمسك الأرض، اليوم هناك إهمال للأعمال اليدوية القديمة التي كانت تزيّن المرأة الفلسطينية، فبدأت بتجميع المناديل التي كانوا يلبسوها في الماضي، وبت أستخدمها كجزء من أعمالي الفنية، هذا التراث أحييه باستعماله ضمن الأعمال الفنية التي أصنعها، فهذا التراث يجب الحفاظ عليه، فأنا أشتري هذه المناديل القديمة التي هي صناعة يديوية وأحاول الحفاظ عليها عبر فني. أحاول أن أجسد ما عمله جداتنا وأمهاتنا لكي يبقى حيا في تراثنا ولا يندثر، هذه الأمور استخدمها بالإضافة إلى الكراميكا التي أعملها".

وتقول ناطور في رد على سؤال حول دراستها الفن: "لم أدرس الفن في معهد للفن كبتسالئيل أو فيتسو أو ما شابه، بل بدأت بإنتاج الأعمال الفنية فقط قبل خمس سنين، حيث نصحني الأطباء بممارسة الفيزيوترابيا – العلاج بالتشغيل، بسبب مرض الباركينسون الذي أعاني منه، فأعطوني المعجونة كجزء من العلاج بالتشغيل، وحينها دعتني المرحومة الفنانة حايا توما إلى مشغلها، وقالت لي "بدل أن تبقي بدون عمل ساعديني في أعمال الكراميكا". وكانت تقول لي أن الأغراض التي أعملها بالكراميكا جميلة جدا، ونصحتني بتعلم العمل مع الطين وإنتاج أعمال فنية، وفعلا أخذت بضعة الدروس لديها بهذا المجال، وتعلمت طريقة التعامل والعمل مع الطين، وبدأت أولا بأول أطور هذا الموضوع. لم أكن أحلم يوما أن أصبح فنانة، قبل سنة تقريبا عرضت أعمالي في مركز مساواة، وبعدها في المركز الثقافي الفرنسي في الناصرة، وفي طمرة، وفي يافا تل أبيب، وغيرها".
 

وتتابع حديثها قائلة: " الناس لا يدركون أنه بالامكان صنع أعمالا كهذه بواسطة الطين، فيعتقدون أن الطين يستخدم لصنع الصحون أو الفناجين وما شابه فقط! ولكن بعد رؤيتهم أعمالي تلقيت تقديرا وتشجيعا كبيرين"..

أعمال جديدة للأرض والطبيعة

وفي ردها على سؤال حول استعدادها لعرض مجموعة أعمالها الجديدة، والتي تشمل أعمالا كثيرة حول الأرض والطبيعة، وبشكل خاص بعد احتراق الكرمل الأخضر في العام المنصرم: "أعمل على راحتي، وسأضيف العديد من الأعمال الجديدة، فأنا أعمل بوتيرتي الخاصة".
أما حول الجيل القادم من الفنانين في مجال الكراميكا فتقول: "آمل أنه بعد رؤيتهم هذه الأعمال، أن يعجبوا بهذا الإنتاج ولكن لكل شخص ميوله الخاصة".

وتقول ناطور أن مرض الباركينسون لا يشكل عائقا أمامها في الإنتاج الفني فتقول: "المرض يقيدني من حيث الإنتاج ولا يزعجني، ففي بعض الأحيان وخلال العمل أشعر بصعوبة معيّنة فأضطر لترك الأعمال كما هي، وبعض الأعمال التي أكون قد بدأت بها تجف، ولذلك علي العمل عليها مرتين، ولكني أعتبر أن الصعوبات تمنعني من العمل، ولكن هي تقيدني وتحدد لي في بعض الأحيان أسلوب الأعمال التي أقوم بها".
وفي ردها على سؤال هل يمكن للفنان أن يعيش من أعماله الفنية؟ فتقول: "بالطبع لا. أنا لا أبيع أعمالي. لأنه من الصعب علي أن أتنازل عن أعمالي، فأشعر أنني متعلقة كثيرا بأعمالي، فلكل قطعة أعملها لها قصتها ولها فكرة من ورائها، وأشعر وكأنها جزء مني، ولكن من الممكن أن اهدي أصدقاء بعض أعمالي".

الطين أعاد لي الحياة

وتضيف في ردها على سؤال حول شغفها والعمل بالطين إنتاجا لأعمال فنية قيّمة: "بالنسبة لي العمل بالطين والأرض أرجع لي حياتي، هو الفيتامين، غذاء الروح، وبصدق أقول أن العمل بالطين هو الذي يجعلني أستفيق صباحا ويمنحني هدفا كي أستفيق من أجله، فلدي عمل بكل معنى الكلمة! هناك غرض أو قطعة فنية تنتظر أن أنتجها في هذا اليوم! فعندما تصنع غرضا ما بالطين وتضعه في الفرن، أنت لا تعلم ماذا سيخرج من الفرن، تفتح الفرن لتفاجأ للأفضل أو للأسوأ، ولذلك فهذا العمل تملأه المفاجآت"!

وتردف قائلة: "أنا لا أعمل الأواني كمصنع أو بقياس محدد.. وهذا الأمر الذي يميّز عملي.. لكل نمطه الخاص في العمل الفني. أتعامل مع الطين كإنسان، احترمه وأعطيه مكانته، فحتى لو كُسر أعمل على إصلاحه، ولكل غرض أصنعه من الطين له روحه وله جماله! العمل بالطين هو علاج، ترابيا، أن يتحمل الإنسان وان يتغلب على المصاعب عبر الفن والعمل بالطين! ففي اليوم الذي أعمل به في الطين يرتاح جسدي". 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]