كان يوم الجمعة الأخير يوماً مميزاً من حيث تكرار الرقم واحد..فاحتفل الآلاف بهذا التاريخ بأشكال مختلفة، فمنهم من عقد قرانه ومنهم من عقد صفقة، حتى أن ولادات قيصرية تمت من أجل أن توافق الرقم المميز، لكن هذا التاريخ كان للفلسطينيين يوماً لتخليد ذكرى الزعيم الراحل (ياسر عرفات-أبو عمار) الذي توفي (أو قتل) في مثل هذا اليوم قبل سبع سنوات.

سبع سنوات على رحيله لكنه لا يزال رمزاً للوحدة والكفاح والحلم..تمر ذكرى وفاته في ظل تسارع وتيرة الاستيطان وسيطرة الاحتلال على الأرض، وفي ظل المعركة التي تقودها الدبلوماسية الفلسطينية لنيل اعتراف في الامم المتحدة بدولة مستقلة على حدود عام 1967، وأمل بالتحرر من الاحتلال.

الحاجة مريم رمضان البنا الطويل 75 عاماً كانت واحدة ممن أحيوا هذه الذكرى بفتح صفحات من حياة أبو عمار الذي كان على مقربة منهم صفحات من أيام بيروت والقدس وغزة ورام الله، وتفاصيل صغيرة تذكرها بدقة وتفصيل.

علاقة صداقة وأخوة وكفاح..

تعرفت الحاجة أم نبيل على أبو عمار عن قرب في لبنان خلال الخمسينات عندما التقته، ذلك لأن زوجها (الشهيد المناضل رمضان البنا) كان صديقاً لأبو عمار خلال دراستهما في القاهرة، وكانا اعضاء في حزب الاخوان المسلمين ثم أسسا حركة فتح.

وعن تلك الفترة في بيروت قالت أم نبيل :"كنا في لبنان نتبادل الزيارات باستمرار ونتناول الطعام سويا، وعند ولادة ابنتي الاولى "سهام" زارني أبو عمار في المستشفى مع زوجي، وتكفل بمصاريف المستشفى بالكامل لمدة 40 يوماً حيث عانيت من عدة أمراض بعد الولادة، وعندما كنت وحيدة في لبنان كان ابو عمار بمثابة الاخ والصديق لي".

أبو عمار... وزيارته المتخفية الى مدينة القدس

انتقلت الحاجة أم نبيل مع زوجها الى مدينة القدس أوائل الستينات حيث اشتريا ارضا وبنوا عليها منزلهم في مدخل قرية سلوان، وخلال تلك الفترة زارهم أبو عمار حوالي 10 مرات متخفياً وذلك في العهد الأردني، حيث تقول أم نبيل :"كان يأتي أبو عمار الى القدس عن طريق صحراء سيناء، ورغم التعب والمشقة خلال سفره الذي يستغرق أياماً كان يشعر براحة كبيرة لدى وصوله منزلي ورؤيته المسجد الاقصى والصلاة والدعاء فيه، وكان ينام في غرفة مخصصة للضيوف".

وأشارت أم نبيل أن أبو عمار كان دائماً يقول لها أنه يتمنى أن يعيش في القدس وأن يستشهد فيها، وكان يجلس معظم ساعات النهار على سطح منزلها ليشاهد الاقصى عن قرب.

وأكدت أم نبيل أن حب أبو عمار للأقصى كان يدفعه للذهاب اليه عبر باب المغاربة متخفياً بعباءة وحطة ونظارات شمسية، وكان حريصاً على أن يصلي في كل بقعة بالاقصى، وأن يذهب الى حارات القدس.

وبعد احتلال مدينة القدس قالت أم نبيل أن زيارات ابو عمار لمنزلها انقطعت، لكن العلاقة بينهما استمرت من خلال بعض الأصدقاء، خاصة بعد اعتقال زوجها واستشهاده عام 1971 كما خصص لها راتباً شهرياً.

بعد سنوات الغياب..لقاء في غزة

تمكنت أم نبيل من زيارة أبو عمار لأول مرة بعد سنوات من الغياب في غزة، وذلك بعد عودته الى الأراضي الفلسطينية عام 1994، حيث توجهت مع عدد من أقاربها للقائه هناك، حيث قالت :"عندما عَلِمَ أبو عمار بحضوري للقاءه من خلال ابن خالي الذي يعمل معه، أمر أن يحضروني بسيارته الخاصة، وتمكنت من الدخول مباشرة اليه رغم وجود العشرات من المواطنين خارج القاعة".

وعن لحظة اللقاء به قالت أم نبيل :"لم أصدق نفسي حين رأيته..واخذ الراحل أبو عمار يقبل يدي ورأسي ثم بكينا، وبعد جلوسنا تبادلنا الأحاديث والذكريات الجميلة عن القدس، وعن زوجي الشهيد، ثم سألني عن المسجد الاقصى".

وأضافت :"كما سألني عن أطفالي الذين اصبحوا رجالاً –فهو يتعبرهم مثل ابناء أخيه- واعطاني نقودا هدية لهم..وأذكر أثناء مغادرتي قلت له" الله يبعد عنك أولاد الحرام...ففرح وقال لي أعيدها أعيدها واوصني بالدعاء له ولفلسطين في الاقصى، كما اوصاني بأولادي".

وقد استمرت ام نبيل بزيارته في أوقات مختلفة في أريحا وبيت لحم ورام الله، فكانت كلما تراه تتذكر زوجها الشهيد، وكانت زيارتها الاخيرة له قبل اندلاع انتقاضة الاقصى عام 2000.

أبو عمار والبامية والملوخية..

تذكر أم نبيل أن أبو عمار قال لها في زيارتها الأولى له :"يا مريم الخليلية اشتقت للباميا والملوخية من ايدك"!!، مضيفة ان أبو عمار كان يطلب طبخة الملوخية والبامياء على الطريقة المصرية -التي تعلمتها من زوجها-، وكان يحب أن يأكل وهو جالس على الارض تحت الاشجار في سلوان أثناء الزيارات التي كان يقوم بها للقدس.

وأضافت :"أما بشكل عام فكان يحب تناول الزغاليل والملوخية والباميا والمقلوبة والمنسف، والسلطة الافرنجية، وعلى الفطور كان يأكل العسل والبيض والحليب".

الأيام والسنوات الأخيرة..

أما الذكرى الأليمة التي تذكرها فهي حصاره في مقر المقاطعة في رام الله عام 2003 حيث تقول أم نبيل :"كنا نتابع الاخبار كأي عائلة فلسطينية اخرى، لكن بألم أكبر لأن أبو عمار هو أخ وصديق وأب للعائلة، وفي أيام حصاره ومرضه لم نأكل ولن ننم من شدة القلق عليه، وشخصياً كنت اشعر بسكاكين تقطع قلبي عندما شاهدته جالس على ضوء الشمعة، وتمنيت أن أكون بقربه، وحاولت الوصول الى أقرب نقطة للمقاطعة لكني كنت اعود لعدم تمكني من ذلك".

وأضافت أم نبيل :"كنت على يقين بأن ابو عمار سيأتي يوماً ما ويحرر القدس، ويضع العلم الفلسطيني فوق قبة الصخرة والمسجد الاقصى كما كان يحلم دائماً".

الوداع يا أبو عمار..

شاركت الحاجة أم نبيل مع آلاف المواطنين في جنازة الراحل أبو عمار، وفي كل ذكرى تؤكد أم نبيل على رأيها عن فترة مرضه ووفاته حيث تقول :"كان ابو عمار يتمتع بصحة ممتازة، وأؤكد أنه مات مقتولاً، فعندما شاهدته وهو في طريقه الى الطائرة للعلاج في فرنسا قلت في نفسي أنه لن يعود حياً، لأن وجهه كان متعباً ولا يستطيع السير".

وأكدت أن يوم وفاته وذكراه ليس كأي يوم، فابو عمار كان انساناً محترماً وطيباً ومجاهداً ومتواضعاً، وذو هيبة وصاحب عقل الكتروني مميز، وتقول :"لو يلد العالم مليون ولد..لن يكون هناك مثيل للراحل أبو عمار".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]