رغم التهديدات والمضايقات..والحصار والعزل..يقف المواطن ياسين محمود عبد اللطيف الرفاعي 63 عاما وزوجته "يهودية روسية" الأصل أمام قوة وتسلط مستوطني "مستوطنة عناتوت" للدفاع عن أرضه البالغة مساحتها (دونمين و800 متر) والواقعة في وسط المستوطنة، ولسان حاله يقول :"أريد أن أموت وادفن هنا مع زوجتي، وقد يأتي من يصنع على قبرنا مقاما، ليثبت ملكيتي للأرض أكثر".

ذكريات مرتبطة بالأرض...

علاقة الحاج الرفاعي بأرضه هي علاقة طويلة تمتد منذ الطفولة حيث كان يذهب الى ينبوعها وكهوفها ويتابع أهالي بلدته اثناء مواسم الزراعة والحصاد، حيث يقول :"في ستينات القرن الماضي، وقبل وجود الاحتلال، كان الفلاحون يزرعون هذه الأرض بالقمح والشعير ويسقون من أبار مياهها للبدو، وكانت تنتشر محاجر لاقتلاع الصخور، وقد جمعني بهذه الأرض عشقي لها ولليلها، حيث كنت اذهب إلى نبع ماء عين فاره بجواره دير اللاتين، وكنت أتحين الفرص لقضاء الوقت الطويل في كهوفها التي اعرفها كهفاً كهفاً!!".

محاولات الاستيلاء على ارض الرفاعي..

وبدأت محاولات الاحتلال الإسرائيلي بالاستيلاء أرض المواطن الرفاعي عام 1982 بعد بناء مستوطنة "عناتوت"، وبدأ صراع عائلة الرفاعي مع المستوطنين عند محاولتهم وضع خزان مياه على أرض تعود لوالده وعمه، وبعد عدة جلسات محاكم تمكن محاميهم من استصدار أمر منع بذلك.

ويقول الرفاعي :"نحن على يقين بأن المستوطنين لا يؤمنون بقرارات المحاكم، الا ان ما يمنعهم من القيام بأي تجاوزات هو تشبثنا بأرضنا وأملاكنا"، ويذكر الرفاعي ما قال له حاخام من "عناتوت" :"يقولون عندكم في القران (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها)، وعندما تكون الأرض مهجورة وتكون لا صاحب لها ندخلها دون استئذان".!!

عودته الى البلاد للدفاع عن أرضه..

أمضى الرفاعي فترة شبابه خارج البلاد، وبعد وفاة والده وعمه وحنينه الى الأرض والوطن عاد الى مسقط رأسه عام 2004، لكن المفاجأة كانت أن الدخول الى أرض عائلته التي تبلغ مساحتها 48 دونماً أصبح عبر بوابة يقف عليها حارس إسرائيلي، وذلك بعد توسيع المستوطنة، فأصر الرفاعي على استرجاع ارضه والبحث عن كافة الأوراق الثبوتية التي تؤكد ملكية العائلة لها.

ويقول الرفاعي :"بعد عودتي الى البلاد توجهت للأرض فاعترضني حارس المستوطنة الذي أبلغته بأني صاحب الأرض، لكنه قال لي أن هذه الأرض لا مالك لها، فغادرت لاني لا أملك بحوزتي أي شيء يثبت أقوالي".

ويضيف :"بعد ذلك أحضرت مسّاحاً قام بتحديد الأرض وقسمها مناصفة بيني وبين ورثة المرحوم عمي، وبعد ذلك أخرجت حصتي من بين حصص أشقائي، وهذه كانت خطوة صعبة تحديت فيها عقلية بعض الفلسطينيين الذين يرون أن الأرض صادرها الاحتلال ولا أمل بعودتها، وفي عام 2008 انتهيت من استصدار الأوراق الثبوتية."

التهديدات والتحدي..

ويتابع -معربا عن فخره لما حققه:"عندما جئت إلى الأرض مع زوجتي وهي يهودية روسية اعتنقت الإسلام، كانت الأرض مليئة بالأعشاب والأفاعي، فبدأت استصلح وأزرع، رغم مضايقات المستوطنين تارة والاغراءات المالية لبيعها تارة أخرى"، ويذكر أن مدير المستوطنة واسمه "ميخائيل يقين" جاء الى ارضه وهدده، فرد عليه الرفاعي :"امنيتي أن أموت وأقبر هنا"، فقال له "يقين" :"سوف تندم"، فأجبه ببروده أعصاب :"خليني اندم"، فهدده ثانية وقال :"سأخلع ما تزرعه من أشجار"، فقال الرفاعي :"سأزرع غيرها".

وفي حادثة أخرى عام 2009 قام بزراعة نحو خمسين شجرة مثمرة في الأرض فجاءه مستوطن وهدده بأنه سيقتلع اشجاره، ثم تحدث بالهاتف مع مستوطنين آخرين وقال لهم :"هذا الختيار يريد أن يعمل معسكر في المستوطنة" فطرده، أما الحارس الذي بقي على بوابة المستوطنة فهدده أيضاً وقال :"هذا أخر يوم لك هنا، لقد جاءتني أوامر بذلك"!!

ويقول الرفاعي :"في اليوم التالي تحديتهم وتعمدت الحضور مُبكرا الى أرضي وكما توقعت رفض الحارس إدخالي، فاتصلت بالشرطة التي حضرت الى المكان وتأكدت من ملكيتي للأرض ولم تستطع منعي او اعتقالي، الا ان احد المستوطنين قال أني شخص أثير المشاكل وغير مرغوب بي، فاستطاعت زوجتي دخول الأرض، وبعد دقائق أخبرتني أن الأرض أحرقت، فأخبرني ضابط الإدارة المدنية الذي حضر مع الشرطة بأني لا أستطيع الدخول، بانتظار عقد جلسة في الإدارة المدنية، وبعد عقد عدة جلسات، تمكنت من دخول الأرض بشرط أن لا ابني عليها وأن لا أحيطها بجدار".

ويقول :"منذ ذلك الوقت اقوم بزيارة الأرض مع زوجتي يوميا، واقضي ساعات طويلة فيها، وقد قمت باستصلاح مغارة، ووضعت فيها كراسي ووسادة للنوم وموقدا للطهو، إضافة إلى نصبي لخيمة".

أموت وأدفن فيها..


ويؤكد ان صراعه مع المستوطنين لن ينتهي.. ففي شهر تموز الماضي أحرق المستوطنون 30 شجرة مثمرة، وقاموا بتسميم بئرٍ في ارضه تستخدم لري الأشجار، إضافة الى محاولات الاعتداء عليه وعلى زوجته بالضرب، ورسائل التهديد بالقتل.

ويقول الرفاعي: "لا يساندني احد في نضالي للحفاظ على ارضي، مع ذلك أريد أن أموت وادفن هنا أنا وزوجتي، قد يأتي صالحون ويصنعون على قبرنا مقاما، وهذا سيثبت ملكيتي للأرض أكثر".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]