في بضعة كهوف تقع على أطراف صحراء النقب وفي جنوب الضفة الغربية، يعيش مزارعون ورعاة أغنام فلسطينيون في كهوف لا تشبه سوى القبر، لذا يسمونها هم قبور الأحياء، ويطلقون على قراهم قرى الأحياء الأموات، بعد أن ضاعفت الإجراءات الإسرائيلية من معاناتهم.
إحدى تلك القرى الفلسطينية التابعة لمحافظة الخليل حسب التقسيم الجغرافي الفلسطيني هي خربة التواني التي يقطنها قرابة 280 فلسطينيا جلهم يعيشون في الكهوف والخيام ويعتاشون على تربية الأغنام والرعي والزراعة.

ليس سهل الوصول إلى هناك فمن يرغب بزيارة خربة التواني عليه السير على الأقدام لمسافة تقرب من كيلو متر واحد، بعد أن يجتاز بسيارته طريقا وعرة لا تصلح إلا لسير المركبات الكبير وهي غير معبدة، ليصل إلى قرية جل بيوتها من الطين والكهوف.

هناك يعيش قرابة 280 مواطنا فلسطينيا وإلى جانبهم بقطن بعض مئات من غلاة المستوطنين الحاقدين الذين عادة ما يصبون حقدهم على طلبة المدارس أثناء تنقلهم من منازلهم إلى مدرستهم التي نجح الأهالي بالتعاون مع مؤسسات دولية في بناء عددٍ من الغرف الصفية الصغيرة أملا في مستقبل أفضل لأبنائهم.

فضل الربيعي (60 عاما) يقول إنه في السنوات العشر الماضية تغيرت حياته وعائلته وأبناء خربته كليا مع إنشاء مستوطنتي ماعون وحافات ماعون على أرضيهم الزراعية، إذ لم يعد يسمح لهم برعي أغنامهم في تلك المنطقة، كما انه لم يعد باستطاعة الأطفال الوصول إلى مدارسهم إلا بمساعدة عدد من المتضامنين الدوليين الذين يتواجدون بشكل دائم في التواني.

معاناة من المستوطنين

يقول الربيعي إنه كما كل الفلسطينيين في الضفة الغربية ويصارع الاحتلال بشكل يومي، ويدفع ثمن لذلك حريته وحرية أبنائه وأبناء عشيرته التي باتت مقيدة مقابل حرية بعض مئات من المستوطنين المتظرفين الذين يصلون ويجولون في المكان وصولا إلى منازل القرية التي تتلقى بين الحين والآخر سيلا من الحجارة يلقيها شبان المستوطنين تعبيرا عن حقدهم على العرب دون أن يحرك جيش الاحتلال ساكنا.

إلى جانب فضل يقف الشاب جمعة موسى ويتحدث عن محاولة صد المستوطنين الذين اعتدوا على منزله لكنه فوجئ بجنود جيش الاحتلال يحاولون دون ذلك، ويقومون باعتقاله واقتياده إلى معسكر عوفر الإسرائيلي قرب رام الله للمدة أسبوع للتحقيق قبل أن يطلق سراحه.

وفي خربة المفقرة القريبة من التواني تجد المسنة حليمة حمادنة فرصة للحديث عن ما تعرض له من قبل جيش الاحتلال يوم الخميس الماضي لدى محاولتها منع الجنود القادمين إلى خربتها اعتقال ابنتها وشابة أخرى حاولن منع جنود الاحتلال من هدم غرفة صغيرة كانت تستخدم مسجدا في القرية، وتقول : لدى محاولتي منع جندي من اعتقال ابنتي اعتدى علي عدة جنود بالضرب المبرح وتسبب في كسر قدمي ولم أعد أستطيع السير بعد اليوم فيما اعتقل الجنود إبنتي وإبنة خالتها".

وأقدم جيش الاحتلال في ذات اليوم على هدم مسجد الخربة الذي كان مشيدا من الطوب، بحجة أنه بني دون الحصول على ترخيص من قبل جيش الاحتلال في المناطق المصنفة "C"، وقام بتدمير مولد صغير ووحيد يزود سكان الخربة البالغ عددهم 80 شخصا بالكهرباء.

كيف يعيشون في تلك الكهوف؟؟

ويستخدم مواطنو هذه الخربة الخيام والكهوف للبقاء في خربتهم والمحافظة عليها في وجه الاستيطان الذي يداهمها من كل جانب، فيما يعانون كما يؤكدون بشكل كبير في فصل الشتاء من البرد القارص خصوصا أن هذه الخرب تشكل جزءا من صحراء النقب.

ولدى الدخول إلى واحد من الكهوف التي يعيش فيها مواطنون خربة المفقرة، نجد أنه كهف صغير بني أسفر المسجد الذي هدم، وتعيش فيه عائلة مكونة من عشرة أفراد فيما لا يتجاوز حجم ذلك الكهف 30 مترا مربعا، وعند مدخله توجد حظيرة للأغنام، فيما تفتقر هذه الخربة إلى المواصلات والاتصالات والكهرباء والطرق والمدارس ولا يوجد فيها أي من شروط الحياة الإنسانية الأساسية.

ويحضر إلى حيث يتواجد وفد صحفي حضر للإطلاع على معاناة أهالي تلك الخرب الشيخ أبو حسين، يقول غنه فوجئ بليل بقدوم جرافة تابعة لجيش الاحتلال مع عشرات الجنود يبحثون عن المولد الصغير المستخدم لتزويد البيوت السبعة المتواجدة في الخربة بالكهرباء والقيام بتدميره باستخدام جرافة صغيرة حضرت مع الجنود المقتحمين.

وسير على الاقدام لمسافة تصل إلى نصف ساعة استطعنا الوصول إلى خربة طوبا التي يفصلها عن خربة التواني مستوطنة ماعون، وهناك يتواجد أطفال يتحدثون عن معاناتهم والرعب الذي يسببه لهم المستوطنون جنود الاحتلال يوميا.

اطفال يتحدثون عن معاناتهم

وهنا تقول الطفلة منى حمد وهي في الصف السابع الأساسي " كثير ما كان جنود الاحتلال يحضرون إلى الطريق التي توصلنا إلى مدرستنا في التواني ويطلبون منا العودة إلى المنزل او يحرموننا التوجه إلى مدارستنا، فيما يقوم المستوطنون إن وجدوا في المكان برشقنا بالحجرة والاعتداء علينا".

ولا تنسى زميلتها حليمة ماهر في الصف الثالث الأساسي " مشهد وصل فيه زميلها إلى المدرسة وهو مدرج بدمائه بعد اعتداء المستوطنين عليه، ولك يجد مكان يتوجه إليه بحثا عن العلاج لدمائه التي كانت تسير من رأسه سوى المدرسة، بعد اعتداء المستوطنين عليه".

وتبعد خرب التواني وطوبا والمفقرة عن مدينة الخليل قرابة 40 كيلو مترا ولا توجد مواصلات في تلك المنطقة سوى الذهاب سيرا على الأقدام لمسافة قد تصل إلى 10 كيلو مترات وصولا إلى البلدة الأقرب يطا للانطلاق منها إلى مدينة الخليل.

وفي خربة طوبا يتواجد ستة متضامنين دوليين حضروا إلى المنطقة من أجل التخفيف من معاناة 30 طالبا يتوجهون يوميا إلى مدرستهم في خربة التواني عبر مرافقتهم في الطرق الجبلية الوعرة لمحاميتهم في المستوطنين.

وتقول الناشطة الدولية الإيطالية التي تسمي نفسها ساندرا فقط خشية من أن قيام جيش الاحتلال بمنعها من العودة إلى الضفة الغربية، "إنها وزملائها وباستخدام يقومون يوميا بمرافقة الطلبة ذهابا وإيابا إلى منازلهم لحمايتهم من اعتداءات المستوطنين".

وتضيف ساندرا في حديث لــ"بكرا"، " يصعب تخليل الحياة البشرية في تلك المناطق القاحلة والتي تزداد قسوتها يوميا بعد يوم بسبب الهجمة التي ينفذها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين في تلك المنطقة، مستهدفا بيوتهم وأطفالهم الموالدات التي تزودهم بالكهرباء، ونحن نحاول فعل كل ما نستطيع من أجل التخفيف عنهم، وقد نجحنا إلى حد ما بإجبار جيش الاحتلال على الحضور يوميا لحمية الأطفال من اعتداءات غلاة المستوطنين هنا".

في خربة منيزل قصة أخرى

نغادر خربة طوبا متجهين إلى خربة منيزل التي تفصل الضفة الغربية عن مدينة عراد الواقعة بالقرب من مفاعل ديموفا الإسرائيلي، وهناك قام الأهالي بمساعدة دولية ببناء مزارع شمسية لتزويد المواطنين بالكهرباء في منازلهم لكن فرحتهم لم تكتمل إذ أخطرهم جيش الاحتلال بأنه سيقوم بتدمير أكبر مزرعة شمسية في الضفة الغربية بحجة أنها بنيت دون الحصول على تراخيص من الجهات المختصة لديه كما يزعم.

وفي ذات القرية المحاطة بجدار الفصل العنصري، أيضا تتعرض المدرسة هناك لاقتحامات متكررة من قبل جيش الاحتلال الذي يراقب كل ما يحدث بكاميرات المراقبة التي وضعها في القرية، تحت حجج وذرائع واهية بينها قيام الطلبة بالاقتراب من جدار الفصل العنصري المقام داخل مدرستهم.

أشكال اخرى لحرب البقاء

وحرب البقاء بين مستوطنات ريف الخليل وسكانه الأصلين تتواصل لكنها تأخذ أشكالا أخرى في المناطق الغربية من بلدة دورا التي قطنها عشرات آلاف المواطنين، إذ يمنع الاحتلال المواطنين القاطنين في خربة الرماضين من التزود بمياه الشرب، إلا عبر صهاريج يصل فيها سعر الكوب الواحد من الماء قرابة 10 دولارات، فيما يستمع المستوطنون هناك بالمياه العذبة المستخرجة من الحوض الجوفي الجانبي الواقع في الضفة الغربية والذي يعتبر من أكبر مناطق تخزين المياه في فلسطين ويحظر بشكل نهائي على أبناء تلك القرى حفر آبار ارتوازية لري مزروعاتهم العطشى أو سقي مواشيهم الهزيلة جراء الجفاف.

ولعل حلم مواطنين تلك المناطق في الوقت الراهن هو رؤية المياه تتدفق في الشبكة التي قامت السلطة الوطنية بالتعاون مع المانحين الدوليين بإنشائها في تلك المنطقة، فيما يرفض الاحتلال تشغيل تلك الشبكة لأنها بحاجة إلى أن تقطع شارعا استيطانيا لبضع ساعات لتمرير خط المياه منه إلى تلك التجمعات، وهو ما يمنع بأمر عسكري إحتلالي.

وفي تعليقه على ما يحدث، في أقصى الجنوب، قال محافظ الخليل كامل حميد لـــــــ"بكرا"، إن "الاحتلال الإسرائيلي صعد بشكل لافت من اعتداءات بحق المواطنين القاطنين جنوب الضفة الغربية، ولعل أبرزها وأخطرها القيام بهدم المسجد في خربة المفقرة، إذ يشكل هذا الاعتداء الأول من نوعه الذي تقوم به المؤسسة الرسمية الإسرائيلية بحق المقدسات الدينية في الضفة الغربية".

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]