أسيل أبو العسل وزاهد حرش قادران ومتمكنان ولا يسمحان للمستحيل أن يقف حجر عثرة أمام تقدمهما في خدمة المجتمع، وما يؤلمهما ليسَ إعاقتهما بعض الشيء، ولا "الفيروس" المستشري في مجتمعنا العربي والذي يستثني ذوي الاحتياجات الخاصة ولا يواكب وسائل تطورهم ولا يعطيهم مكانة كافية للتقدم، رغم ما لديهما من امكانيات ثقافية واجتماعية وفنية. ما يؤلمهما شيء آخر تمامًا...لذلك نقف نحنُ كوسائل إعلام لنبرز دور لمن يستحق أن نسلّط بقعة من الضوء على ما يفعله وما يعاركه في مجتمع قلّ مبدعيه وكَثُرَ المحبَطينَ فيه.

مبدعينا هما، الفنان التشكيلي الشفاعمري زاهد حرش ، والأكاديمية أسيل أبو العسل من الناصرة ، الحاصلة على اللقب الأول في العلوم الإجتماعية والإعلامية واللقب الثاني في إدارة الأعمال والاستشارة تنظيمية، علمًا أنها صاحبة تجربة طويلة في العمل الإعلامي في مكتب إعلامي وفي مستشفى الناصرة، واليوم هي منشغلة كثيرًا بعملها في مكتب السياحية كمنسقة برامج سياحية للأجانب زائري البلاد، كما وأنها تعمل على إخراج فيلم خاص عن المعاقين.

زاهد حرش، متفرغ للفن وللأحفاد

انشغل زاهد حرش، بجمعية "الشراع" لفترة طويلة، لكنّ الأعمال تكاد تكون مجمّدة، فرغم مشاركته بالفعاليات والنشاطات التي تخص بذوي الإعاقات الخاصة، إلا أنه انشغل بالفن أكثر وبالأحفاد، بعد أن تزوجت ابنته وابنته، فملأ ابنائها حياته بالسعادة.

وعن الشراع قال حرش: تبلورت "الشراع" قبل عدة سنوات كنتُ مع مجموعة من الفنانين التشكيليين من البلدة، تحدثنا عن إقامة معارض بإسم جمعية الشراع، اسميناها مجموعة الشراع للفنون التشكيلية، بعد المعرض يعود حرش إلى بيته فينسى كل ما له صلة بالجمعية.

ويقول حرش: في آب 2006 بدأنا نعمل في مجال الإعاقة ونشارك في دورات وتكونت مجموعة معاقين في الناصرة تحت شعار تأهيل قيادات جماهيرية، عن طريق مؤسسة يهودية اسمها "جوينت" (وحدة الإعاقات وإعادة التأهيل)، بهدف بناء قيادة جماهيرية من المعاقين أنفسهم، خلال هذه الدورة تعرفت على أسيل، وما لاحظته وعيها وإدراكها العميق للموضوع، وبين اولئك الذين يبحثون عن هدفهم، كُنا نحنُ كمعاقين البحث عن أنفسنا والوصول الى مكانة من خلال عملنا.

ويكمل "كنتُ أتطلع الى أن يحصل المعاق على أي ميزانية ترصد من أجل المعاقين، والسؤال الذي يُطرح في ذهني "لمن تعمل المؤسسات المهتمة بالمعاقين" فإذا نجحت أسيل برغم الإعاقة وحصلت على اللقب الأول في العلاقات العامة ليس بمساعدة أحد، وإذا عمل زاهد حرش وتعلم ووضع لنفسه مسار فهي بجهوده وإذا نجحت هناء ومصطفى شلاعطة وغيرهما، جميعهم شقوا طريقهم بأنفسهم بغير منة من أحد، لكن الهدف الذي نصبو اليه جميعنا أن نفتح الباب للآخرين، للحصول على ما عجزنا عن الوصول اليه".

نسبة المعاقين في البلاد تصل الى 17%

بدورها تقول أسيل أبو العسل: "ما تؤكده الإحصائيات في البلاد من أنّ نسبة المعاقين في اسرائيل 17%، ومن المؤكد أنّ عدد المعاقين في البلاد تجاوز الألف معاق، هذا عدا عن النساء اللواتي لا يسجلهن التاريخ، فأينَ هم؟ وفي النشاطات والدورات التي ينشط فيها المعاقون لا يزيد عددهم عن العشرات.

وتضيف: ولادة المشكلة من البيت، من الأهل، فالتربية بين المعاق وغيرهم لا تختلف كثيرًا، بينما للمعاق تزيد الحالات من عدم الاهتمام بالأطفال المعاقين، ومَن نجح من المعاقين في مجتمعنا العربي فهم قلائل ونجاحهم يعود الى فضل أهلهم. وهناك نماذج في مجتمعنا استطاع ذوو القدرات الخاصة تحقيق أنفسهم، ولأنهم لم يبروزا كفنانين، مثلاً فإنّ المجتمع لا يلتفت اليهم".

طرح القضايا بلا تجميل

بصراحتها، قالت أسيل: "رؤيتنا هي طرح القضايا بدون تجميل، بدون تغطية أمام الجمهور، لذلك توجهنا لوسائل الإعلام تيمنًا أنّ هذه القضايا حساسة وإنسانية من أجل إعطائها اهتمامًا أكثر وحتى تصل الى أكثر شريحة من الجمهور، ما تطرقنا له عبر الإعلام لم يُقابل بالإهتمام الكافي، بينما لو كانت هذه القضية في الوسط اليهودي لنُظر اليها بشكلٍ مختلف تمامًا، ولوجدت اهتمامًا وصدىً أوسع".

في الغالب: في كل بيت معاق

تابعت أسيل: "إذا فكرنا قليلاً فسرعان ما نكتشف أننا جميعًا مررنا بتجربة إعاقة بشكلٍ أو بآخر، فتقريبًا في كل بيت يمكن أن يتعرض أفراده الى إعاقة مؤقتة أو دائمة، بحكم حادث سير، أو حادث عرضي والخ... ومن المؤكد أنه سيحتاج الى خدمات المعاق لبعض الوقت، الفرق الوحيد بين الحالتين هو احتياج المعاق بشكلٍ دائم، بينما المصاب يتعرض لإعاقة مؤقتة، ثم لماذا لا يصعد المعاق الى المكان المؤمَن والموفر له بكل احترام، بدلاً من أن ينتظر مساعدة فلان وعلان، لماذا نتعلق بآخرين يساعدونا ويتجمّلون علينا".

الوضع المادي ليسَ هو العامل الوحيد

أسيل تنكر الحجج التي يخبئ مجتمعنا خلفها بعض الأخطاء فتقول: "لا شك انّ الحالة المادية تلعب دورًا رئيسيًا في رعاية المعاق، لكن هنالك إمكانية لفعل أبسط الأمور بميزانية متوفرة، وهذا مطلوب أن نعمل وفق الإمكانيات، فعلى سبيل المثال هنالك الكثير من الأمور التي يمكن للعائلات أن تحصل عليها عن طريق التأمين الوطني، وحتى في حالة الدفع يمكن أن يحصلوا على تعويض مقابل ما دُفع، فاليوم هنالك مؤسسات رسمية وحكومية نحصل عليها عبر المطالبة بطريقة صحيحة، وللأسف، كثيرًا ما يستغل الأهل ما يُدم لأبنائهم من دعم حكومي، بدون أن يقدموا خدمات كما يجب لأبنائهم. والسؤال الذي يطرح نفسه أليس من حق هذا المأزق الخروج وأخذ دوره في المجتمع مثله مثل غيره من أبناء شعبه، رغم وجود الإمكانيات والقدرات".

هل تأخذ المؤسسات دورها في دعم المعاقين؟!

ويقول زاهد في نفس السياق: "مشكلتنا في المؤسسات هي مزدوجة، فبينما المؤسسات اليهودية نسبة كبيرة من العاملين فيها هم ذوو كفاءات ومؤهلون في عملهم، بينما النسبة الكبيرة في الوسط العربي يعلمون إنما "بالواسطات" أو ليس لهم علاقة بالموضوع بتاتًا، وإذا كان لديه إستعداد انساني للتعامل النفسي مع المعاق، وخيرُ مثال – في الوسط اليهودي موظف التأهيل في التأمين الوطني في الوسط اليهودي يبحث بنفسه عن أشخاص يُقدم لهم الدعم المهني، بينما في الوسط العربي لا أحد يلتفت اليهم، لكن هنالك تغيير بطريقة التوجه لبعض الموظفين العرب، فأصبح موضوع التأهيل معروف أنه منصوص وفق القانون، ولا يستطيع الموظف حرمانه من حقه عبر هذا النص القانوني، فماذا لو بين ليلةٍ وضحاها تمّ التوجه الى 200 شخص من المعاقين في بلدة مثل شفاعمرو مثلاً، دورة تؤهل المعاق للدراسة مدة سنتين، وفي النهاية يخرج مع مهنة يكتسب قوته من خلالها، ثم يشعر أنه يعيش وليس مجرد نبتة لا تتنقل".

المدارس واهتمامها بالمعاقين..

حرش يتحول من إنسان مشفِق على هذا المجتمع الى رافضٍ للمسلمات، متحدثًا عن مؤسسات كثيرة لها دورها في التقصير تجاه المعاقين فيقول: "الفئة التي نعرفها والتي نتعامل معها والتي هي إعاقات حركية وبصرية ليس من المفروض أن تكون في مدارس خاصة، بل في مدارس عادية، حسب القانون، في حالة وجود طالب واحد في المدرسة من حق مدير المدرسة أن يكتب رسالة الى وزارة المعارف، فهي تعطيه المبلغ الذي يستحقه من أجل إتاحة الإمكانية لهذا الطالب المعاق حتى لو كان واحدًا. ثم هناك قانون الـ 68 و70 ينص على أنّ كل مبنى مؤسساتي عام (مدارس، بلديات)، يجب أن تكون متاحة لدخول وخروج المعاق، مثل المصعد الكهربائي، فأي بلدية تعمر بناء، فهي ملزمة بالبناء حسب وضعية المعاقين".

المؤسسات الطبية ورعايتها للمعاق

تقاطعه أسيل التي تعرف تمامًا عن هذه الحادثة في قرية الرينة: "إن أهم مؤسسات طبية هي صناديق المرضى "كوبات حوليم"، فإن فشلت هذه المؤسسة بتقديم خدماته، فكيف سينظر بقية أبناء شعبنا الى المعاق، هل تصدقين أنّ هنالك مصعد كهربائي في قرية الرينة، معطل منذ خمسِ سنوات، والمعاق في هذه البلدة لا يستطيع أن يحصل على خدمات طبية بسبب عدم تصليح هذا المصعد، الذي لن يكلّف المؤسسة الطبية ما يزيد عن1000 شيكل ثمن الضرر الذي أصابَ المصعد؟!!! فاذا تقولين؟!"

حديقة عامة للمعاق

وتضيف أسيل: "الحديقة العامة في تل أبيب مساحتها ما بين 15-20 دونم، وفيها أشجار وبرك سباحة، والكفيف ومعاق مع العربة يمكنه الوصول إليها، بينما في الناصرة أو سخنين لا يوجد حديقة عامًا من أصله، فكيف بالأحرى مؤسسة تأمين أو غيره من المؤسسات الضرورية".

تقصير الأهل!

وتقول أسيل: "الطب في تقدمٍ مستمر، وهناك وسائل ناجعة لتحسين حالة المعاق، فالمعاق ليسَ حتمًا أن يكون عاجزًا، بل على العكس، يمكن أن يحصل على مساعدة وتأهيل ليستعمل أعضاء أخرى في جسمه تساعده في الكتابة مثلاً، الوسائل متاحة، لكن معظم الأهل غير مستعدين للسعي والمثابرة من أجل مصلحة المعاق".

الرسم ملاذي الوحيد!

ويختتم حرش بالحيث عن ملاذه قائلاً: "ما عانيته في حياتي، وما عبرته عام 1993 من عملية للقلب المفتوح لاثنين من أبنائي قضوا ما يزيد عن تسع سنوات في أروقة المستشفيات، واليوم أؤكد أن عنصر الرسم، العمل الإبداعي الموجود في حياتي كان له الدور الكبير في استمراري وتحملي هذه الظروف الصعبة. العنصر الإبداعي الموجود في البشرية، إن أعطيناه دورًا في حياة المعاق، نمنح المبدع بابًا للسعادة الشخصية، وهذا هو الهدف المستقبلي الذي أصبو اليه".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]