ثلاثة أشهر من الاعتقال كانت كافية للأسيرة المحررة رانية محمود محمد صبيح لتذوق فيها طعم الظلم والإذلال..ولترى فيها ظلام الزنازين..ولتشعر ببرودة البوسطة..ولتسمع فيها أبشع أنواع الألفاظ وكلمات الإهانة.
فلا مكان للرحمة بـ"الجنس اللطيف" داخل السجن والمعتقل، ولا مكان للمعاملة الحسنة مع من يملكن "الحُسن"، ففي الوقت الذي يطالب فيه العالم بحقوق المرأة، لا تتحدث فيه سلطات السجن عن أي حقوق تتعلق "بمخربة، تهدد أمن إسرائيل"!!.
الكمين..
وفي لقاء مع الأسيرة المحررة صبيح ذكرت الطريقة التي اعتقلت بها حيث قالت أنها عقدت اتفاقاً مع أحد السجانين لادخال 4 هواتف خلوية الى احد الأسرى من مدينة طولكرم و32 ألف شيكل له في مكان متفق عليه قرب سجن مجدو، وبعد دقائق من تسليمها الهواتف والمبلغ المالي، تبين أن ذلك ما كان إلا كميناً نصبها لها السجان.
لحظات بعد ذلك فوجئت بعدد كبير من رجال المخابرات وقوات الشرطة تحاصرها طالبين منها تسليم نفسها، واعتقلت في 8-9-2011، حيث طرحت أرضاً ووضعت القيود في يديها.
البداية في سجن مجدو..
وتضيف صبيح :"تم تحويلي الى سجن مجدو، وهناك تم بقيت القيود بيدي، كما وضعوا قيوداً على أرجلي، وانتظرت حضور محقق يتحدث اللغة العربية اكثر من 7 ساعات، وطوال هذه المدة تلقيت معاملة سيئة وانهالت عليّ الالفاظ النابية وأقلها (انت مخربة.. وتتحدي أمن اسرائيل..) واستمر التحقيق المتواصل معي 5 ايام، وكنت أحوّل الى سجن الجلمة للمبيت فيه، ويتم اعادتي الى مجدو لاستكمال التحقيق".
سجن الجلمة..
وذكرت أنها بقيت في سجن الجلمة مدة 40 يوما، في قسم مخصص للسجينات المدنيات (المدمنات والإجراميات) دون غطاء او ملابس، وأضافت :"في اول 10 ايام لم أتناول اي شيء من الطعام، حتى اني كنت ارفض تناول الدواء خوفاً من النوعية المقدمة، حيث أن الدواء يقدم للأسرى مكشوفاً دون معرفة نوعه أو اي معلومة عن مركباته".
كاميرات مراقبة في غرف الأسيرات!!!
وعن الغرف وأحوالها السيئة فيها قالت صبيح :"الغرف فيها كاميرات مراقبة موجهة احدها لدورة المياه علماً انها متواجدة في ذات الغرفة دون باب، فلا يمكن احترام الخصوصية، حيث كنت اضطر للنوم بملابسي الكاملة التي اعتقلت فيها خاصة بعد منع ادخال الملابس وغطاء الرأس".
سجن هشارون..
نقلت صبيح الى سجن هشارون (قسم 2)، وفي البداية وضعت بقسم المدنيات وعانت من السجينات المدنيات وألفاظهن غير اللائقة اضافة الى المعاملة السيئة من قبل السجانين.
وقد صدر الحكم عليها بتاريخ 10-11-2011، بالسجن الفعلي لمدة عام، اضافة الى سنة مع وقف التنفيذ، علما ان حكماً صدر بحق الأسير الذي كانت ستنقل له الهواتف الخلوية عامين اضافيين على حكمه الأصلي.
15 يوما مع الأسيرات في هشارون
وخلال فترة الاعتقال والتوقيف منعت سلطات السجن أهلها من زيارتها فيما وسمح بزيارة المحامي مرة واحدة فقط، وانقلت الى قسم الأمنيات قبل تنفيذ المرحلة الأولى من صفقة التبادل، وعن تلك الفترة قالت صبيح :"عشت معهن مدة 15 يوما وعشنا أجواء التفاؤل بأن يتم الافراج عن كافة الأسيرات بعد ان اعلن عن ذلك في وسائل الاعلام، لكننا فوجئنا بعدم ادراج اسمائنا، واليوم ما زالت 5 أسيرات داخل السجون وهن سلوى حسن والاء الجعبة من الخليل وهن موقوفات، ولينا جربوني وورد قاسم وخديجة أبو عياش من الداخل".
استثناء الأسيرات من صفقة التبادل..
وعن صفقة التبادل قالت صبيح :"في المرحلة الأولى من الصفقة اصابنا حزن، وحتى اليوم لم نستوعب ما حصل، لكن ساد الارتياح بعد تلقينا وعوداً من الجانب المصري بأن يتم الافراج عن كافة الاسيرات في المرحلة الثانية وللاسف كان ذلك وعدا فقط".
وتقول :"حتى اليوم تسأل الأسيرات عما جرى وهن يبحثن عن اجابة، في ظل استياء من الوضع"، مؤكدة ان الاسرى لا يساوم عليهم بغض النظر عن انتماءهم السياسي والتوزيع الجغرافي والهوية فجميعهم أولاد فلسطين.
وأشارت ان الصفقة نصت على شمول كافة الأسيرات وكان لا بد على من احتجز شاليط أن يصر على موقفه وعلى اتمام المرحلة الاولى من الصفقة، فكانت "الكرة بملعبهم"، وأشارت الى زيارة عضو الكنيست ابراهيم صرصور للاسيرات مرتين بعد تنفيذ الصفقة ومطالبته بالافراج عنهن.
وأوضحت انها لم تكن تعلم بادارج اسمها بصفقة التبادل –المرحلة الثانية- وعلمت خلال زيارة محام لها، حيث قال لها احد المسؤولين أنه سيتم الافراج عنها بعد يومين..حيث تقول :"امتزجت الفرحة بالألم، رغم المدة القليلة التي قضيتها مع الأسيرات الا اننا عشنا ايامنا جميلة وتقاسمنا الهموم والافراح".
حياتها القصيرة داخل السجن..
وعن الفترة التي قضتها داخل السجن قالت صبيح :"رغم قصر المدة التي قضيتها بالأسر وهي 3 شهور فقط الا ان السجن تجربة صعبة وقاسية، وهي مقابر الأحياء، ففيها الظلم والاضطهاد وسلب الحقوق، لكن احمد الله لم تهزني فترة اعتقالي، فكنت صلبة متماسكة خلال التحقيق والاعتقال، وقد تعرفت على أسيرات وتعاشيت معهن ظروف السجن الصعبة بالصلاة والايمان والقرآن والعمل بيد واحدة والحديث بكلمة واحدة".
وعن مرحلة قبل الافراج قالت صبيح :"خضت مع الاسيرات اضرابا عن الطعام، حيث سحبت منا الاجهزة الكهربائية والكنتين وقطعت عن الغرف المياه حيث اردنا معرفة اسماء الاسيرات اللواتي ستشملهن الصفقة، كما أننا منعنا من الاحتفال او احداث أي ضجة وتم تقصير فترة الزيارة بين الغرف بعد الاعلان عن انجاز الصفقة".
وأشارت أن ادارة السجون تحاول أن تفرض على الأسيرات الخروج لزيارة المحامي وهن مقيدات، الا انهن رفضن ذلك.
أصعب المحطات..
أما عن اصعب المحطات التي مرت على الاسيرة فهي "البوسطة" لدى تنقلها بين السجن والمحكمة، حيث كانت تبقى صبيح بالبوسطة أكثر من 7 ساعات وتنام ليلتين في سجن "كيشون".
واستنكرت صبيح سياسة التفتيش العاري التي يتعرض لها الأسرى كافة حسب مزاجية السجان، في البوسطة والتنقلات وبالتفتيشات الليلة.
ومن المحطات الصعبة عليها بعد الافراج عنها منعها من دخول أراضي الضفة الغربية مدة عامين بعد رفضها التوقيع على منع 5 سنوات، ومنعها من السفر مدة 10 سنوات.
حياتها الخاصة..
للأسيرة المحررة رانية صبيح ولد وبنت (يزن عمره 19 عاماً، وكوليزار وعمرها 17 عاماً) وكانت تعمل في مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني في قسم الولادة وفي العيادات الخارجية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]