"وكأن ولدي الشهيد مصطفى التميمي كان يدرك أن يوم الجمعة الحادي عشر من كانون الاول الماضي سيكون يومه الأخير في حياتِه، فاغتسل وارتدى أجمل ثيابه، قبل انضمامه لزملائه ليزف عريسا لفلسطين، ويكون بذلك أول شهيد يسقط في قرية النبي صالح شمالي رام الله، في مقاومة أبناء القرية للمد الاستيطاني الذي يلتهم أراضيهم"، بهذه الكلمات بدأت والدة الشهيد إخلاص التميمي "أم مصطفى" حديثها عن استشهاد ولدها الأكبر.

وتضيف الوالدة المكلومة في حديث لمراسل موقع بكرا، "بعد أن أفاق مصطفى من نومه صباح يوم الجمعة، ووجد والدته قد أعدت طعام الإفطار، فاستغرب من وضع الثوم في الطعام، فقال لوالدته: كيف يمكن تناول الثوم في الصباح قبل المواجهات".

خرج الشهيد مصطفى من المنزله، بعد أن ودعي على غير العادة تقول الوالدة المكلومة، وذهب إلى القرية، حيث موقع المواجهات، وخلال المواجهات، أطلق أحد الجنود قنبلة غاز عن قرب في وجه ولدي ليسقط فوراً على الأرض مضرجاً بدمه.

وتشير أم مصطفى " لدى محاولة الأهالي نقل مصطفى إلى المستشفى اقتاده جنود الاحتلال إلى مستوطنة "حلاميش" المجاورة، ومن هناك اقتادته قوات الاحتلال إلى إحدى المستشفيات الإسرائيلية، ليعلن في اليوم التالي عن استشهاده، لتسلمة إسرائيل للسلطة الفلسطينية مساء اليوم الذي يليه".

وتضيف أم مصطفى "استغرب والده من استيقاظه المبكر، وشعر كأن في بسماته شيئا ما، سأله والده: ماذا تريد اليوم؟، سكت ولم يُجِبه!! توجه إلى أمه، وقال لها: أريد الاستحمام الآن، وإذا سمحتِ أكوي لي قميصاً أبيض اللون، وبنطالاً أسودَ، وجاكيتي الأسود أريد أن أرتديها اليوم قبل ذهابي إلى صلاة الجمعة، دخل إلى الحمام.. استحم ثم خرج فوجد ما طلبه من والدته جاهزاً، ارتدى هذه الملابس المذكورة، وأنتعل حذاءً أبيض مخلوطا بالأسود ثم دخل إلى غرفته ورش العطر على نفسه، وتَزيّن في هذا اليوم مثل العرسان، سأله والده: اليوم سيتم تنظيم مسيرة احتجاجية سلمية، وملابسك هذه لا تتناسب مع مثل هذا الحدث، فلماذا ترديها؟؟".

وتضيف الوالدة " قال مصطفى لوالده يا والدي أنا خارج، ولن تراني من الآن إلى بعد سنة؟؟ لقد بدرَ منه كلاماً غريباً لم يتلفظ به من قبل مما ترك علامات استفهام لدى والديه، ثم افترقا، حيث توجه الوالد بمركبته العمومية إلى أحد الكراجات في بلدة بيت ريما المجاورة لتصليحها،علماً أنه مصاب بمرض مزمن في الكليتين منذ عام 2005، وصارتا بحاجة ماسة إلى الغسيل على الأجهزة ثلاث مرات أسبوعيا في المستشفى، وعلى أثره صار يعاني و تردى وضعه الصحي لدرجة أنه بات لا يقوى على العمل بتاتاً!! فيما بقي نجله بطل القصة في قريته" النبي صالح" التي تبعد قرابة(26) كيلو متراً شمال غرب محافظة رام الله والبيرة.

لم تتحقق أمنية العائلة بزواج مصطفى من حطيبته

كم كانت أمنية العائلة أن تزوّج بِكرَها -البالغ من العمر(27) ربيعاً- من إحدى فتيات القرية، وقد عرض عليه الزواج بإلحاح قبل أسبوعين من استشهاده، فأبى الموافقة على الزواج بحجة أنه لا يعمل حاليا رغم خطبته من قريبة له في أميركا، ولا يستطيع تحمل هذه المسؤولية في الوقت الحاضر، وآثر تأجيل موضوع الزواج إلى ما بعد الحصول على فرصة عمل ثابتة تحميه من قسوة الظروف الاقتصادية".

وتضيف الوالدة أنه بعد انتهاء صلاة الجمعة عادة ما ينظم الاهالي مسيرات احتجاجية سلمية يشارك فيها متضامنون أجانب، وقد بدأت منذ أكثر من عشرة شهور عندما استولت سلطات الاحتلال بالقوة على أراضي"عين القوس" التابعة للقرية، ومنعت أصحابها من الوصول إليها أو استغلالها؟؟ فيما تسمح للمستعمرين من مختلف المستعمرات بدخولها بحجج واهية!!..

بعد الصلاة، انطلقت المسيرة في هذا اليوم9/12/2011 وبمشاركة "فرانك" المقرر العام لحرية التعبير وحق التظاهر في الأمم المتحدة، وصدحت حناجر المشاركين بالهتافات الوطنية والشعارات المنددة بالاحتلال ومصادرة الأراضي متجهة نحو الشارع العام، وكانت قوة عسكرية صهيونية مع جرافة تغلق مدخل قرى بني زيد كلها، وكان هذا المسؤول الدولي شاهدا على إصابة الشهيد مصطفى.

وعندما تدخل أو تخرج من قرية النبي صالح تشاهد على جانبي الشارع العام صور الشهيد والملصقات المنددة بالاحتلال، ومعارض القنابل الغازية المسيلة للدموع المعلقة على أسيجة جدران المنازل، والتي أطلقها جنود الاحتلال تجاه المواطنين.. عندئذ تدرك معركة الدفاع عن الوجود التي يخوضها المواطنون..
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]