كثيرًا ما نواجه حالات إجتماعيّة واقتصاديّةً صعبة، لكن منها العسير فتستحيل الحياة الطبيعيّة معه. التقينا عائلة من العائلات المستورة التي تعيش ظروفًا مأساويّة قاسية، تفوق ما يحتمله المرء.. إنّهم ستة أولاد، أعمارهم الغضّة تبحث عن فسحة أمل في ظلّ سوء ظروف يعيشونها، والمشاكل التي يضيعون في متاهاتها، فلا قلوب تحتضنهم ولا أيادٍ تعولهم. لا مَن يلتفت إليهم أحد بنظرة حنان أو شفقة أو احترام، ورود تحتاج على مَن يسقيها ويرعاها ويردع عنها الأشواك المحيطة بها.

"باسم الأمومة والأبوة في الحياة أتوسل على الجميع ليقدموا لي من فتاتهم.." - نداء صادر عن قلب محروق لناديا سليمان، أمّ من مدينة حيفا؛ لعلّ أبناء هذه المدينة الأكارم يلتفتون إليها ولو بأبسط الأمور.. وتضيف وعيناها مغرورقتان بالدموع: "أمرّ بأتعس اللحظات، وأقسى الظروف المأساويّة، أناشد أهل الخير  بعدما أقفلت كلّ الأبواب في وجهي، وأوصدت الجهات المسؤولة وغير المسؤولة أيّ طلب للمساعدة".

موقع "بكرا" وقف على حال هذه المرأة المستغيثة، وزرنا المنزل والأسرة المحتاجة لننقل الصورة كما هي دون زيادة أو نقصان، ولا شك بأنّ الكلمات ستعجز عن وصف منزل يعيش فيه أشخاص يبلغ بهم الضيق والفقر والعوز مبلغًا إلى هذا الحد. 

ما أن دخلنا منزل العائلة حتّى صُدمنا من هَول المفاجأة، ومن حجم الكارثة الّتي يعانونها. إنّها أوضاع مأساويّة وغير إنسانيّة تعيشها هذه العائلة العربيّة الفقيرة. إنّها تفتقر إلى أدنى متطلّبات الحياة.

قابلتنا ربّة المنزل، والذي يُقال له منزل، وهي ناديا سليمان (31 عامًا) من حيفا، واستقبلتنا بابتسامة بائسة ووجه كسير، يخفي خلفه المعاناة والحزن الكبير، إنّها تعاني من مرض "الوبوس" מחלת הזאבת وتتعاطى جرعات كبيرة من المنشّطات "ستيروئيد". وتؤكّد أنّها تعيش منذ سنوات وهي تتجرّع مع أبنائها مرارة الحنظل، من مأساة لا تنتهي..!

أبنائي يعانون سوء التغذية... الصغير يشتهي البيضة منذ أسابيع!!

تقول ناديا: أبنائي يعانون سوء التغذية فلا أستطيع شراء الأطعمة أو أوفّر لهم الغذاء، لا يمكنني شراء كيلوغرام واحد من السمك أو الدجاج أو اللحوم، وقد تمضي بضعة أشهر دون أن يتناولوا وجبة من اللحوم، فالثلاجة خاوية؛ لا يمكنني شراء كرتونة البيض، وابني الصغير البالغ ثلاث سنوات يشتهي بيضة منذ أسابيع، أطرق باب الجيران لكي يعطوني بيضة لإطعام ابني، ولكن جارتي مسنّة وهي الأخرى تعاني الأمرّين مثلي. وأحيانًا يتوفّر لديها بعض الطعام أو البيض فتعطيه لابني الصغير، وفي أحيان كثيرة تقول لا يوجد عندي شيء اليوم..!

الثلاّجة معطّلة.. الغسّالة مُعطّلة.. و..

وتضيف واصفة المأساة: الثلّاجة مُعطّلة وتُصدر أصواتًا مُزعجة جدًا، أمّا الغسّالة فمُعطّلة منذ أسابيع، والغسيل متراكم ولا يمكنني أن أنتعل حذائي، وتنبعث من الغسيل المتّسخ والمتراكم الروائح الكريهة، وأخشى من أن الصراصير والحشرات عششت فيه. استدعيت شخصين لإصلاح الغسالة، وعندما أبلغتهما بأني سأدفع لهما في 20 من الشهر، عند دفع مخصّصات التأمين للأولاد، خرجا مُسرعَيْن من دون إصلاح الغسّالة، ولم يعودا! وها أنا لم أغسل منذ أيام، وكثيرًا ما يتغيّب الأولاد عن المدرسة لأنّ زيّهم المدرسيّ مُتّسخ ولا أستطيع تنظيفه.

نفتقر إلى وسائل التدفئة والأغطية في الشتاء والبرد القارس

وتتابع ناديا حديثها عن ظروفها المأساويّة: لا يوجد في البيت فراش أو أغطية تقينا برد الشتاء، ولا وسائل التدفئة. لدينا سرير واحد، مزدوج، فينام عليه ثمانية أفراد، وكنّا قد عثرنا عليه بجانب عربات النفايات. وأعطاني أحد الجيران قبل أيام صالونه القديم، وطلب منّي أربعمائة شيكل، وبدلًا من المال أرسلت ابني لمساعدته في بعض أعماله. لا مدفأة، لا أغطية دافئة، لا شيء يقينا من العواصف، أو الشتاء القارس، ونفتقر إلى الملابس الشتويّة التي تلائم الأولاد؛ بل يرتدون ثيابهم الصيفية، فمنذ مدّة طويلة لم أشترِ الملابس الشتويّة!

الابنة الصغيرة: أتمنّى أن أكون كرفيقاتي في المدرسة، أرتدي ثيابًا مثلهنّ

تقول الابنة الصغيرة، تدرس في الصفّ الثاني في مدرسة "عبد الرّحمن الحاج" في حيّ الحليصة: أتمنّى أن أكون كرفيقاتي في المدرسة أرتدي ثيابا مثلهنّ، وأشتري ما يشترين، وآكل ما يحلو لي! أسمعهنّ يقلنَ: أنا اشتريت كذا.. وأنا اشتريت كذا.. وتجهش الطفلة بالبكاء مُتحسّرة على طفولتها الضائعة، فلم تحقّق أدنى أحلامها الطفولية.. "أنا لا أرتدي ملابس جميلة مثل باقي الأطفال وليس لديّ حذاء مثلهم".

وجاءت من بعدها البنت الأخرى، مُسرعةً، تعرض لي شهادتها المدرسيّة للفصل الأول، وألاحظ تفوّقها فتقول الأم مؤكّدة: رغم جميع الظروف المأساويّة الّتي نحياها يوميًا، وبسبب أعباء الحياة الّتي تجبرني على عدم إرسال أبنائي إلى المدرسة، لكنّهم متفوّقون في تعليمهم. تخيّلي لو أنّنا نعيش ظروفنا الحياتيّة العاديّة، كنت أضمن مستقبل العيش الكريم لأولادي.

ينظر أبنائي إلى الآخرين بعين الحسرة والأسى، وأنا أتحسّر عليهم

وتعود ناديا لتحدثنا: أريد أن يعيش أبنائي الصغار كما يعيش الآخرون، أو على الأقلّ كزملائهم في المدرسة، فهم ينظرون إلى غيرهم بعين الحسرة والأسى، وأنا أتحسّر عليهم، وما في اليد حيلة. أراهم والحزن يعصر قلبي، وتكاد تتفجّر عروقي، لم تعد عينايَ تحتملان البكاء. وكثيرًا ما راودتني فكرة الانتحار، وفي المرة الأخيرة حاولت قطع شرايين يدي بالزجاج، ولكنّي صحوت وفكّرت بأولادي، ماذا سيجري لهم من بعدي؟ وهل الانتحار سيمنع معاناتهم؟ أم ستستمر قسوة الأيام عليهم؟..

بيت يفتقر إلى جميع الاحتياجات الأساسيّة!

تواصل ناديا بمأساتها وتقول: أعيل أسرة مكوّنة من ستة أفراد وليس لديّ مصدر للدخل سوى المبلغ الذي أتقاضاه من مخصّصات التأمين للأولاد. إضافة إلى مبلغ نفقات الأولاد الثلاثة الكبار، لأنّهم أبناء طليقي السابق، الذي لا يتعرّف أو يسأل عن أبنائه منذ سنوات طويلة جدًا جدًا وكأنه بلا أبناء، وقيمة النفقة منه 2700 شيكل، وأنا مضطرّة لكي أدفع من المبلغ حسابات الكهرباء، الماء، إيجار البيت وغيرها من المدفوعات. نعيش في بيت يفتقر إلى معظم الأدوات الكهربائيّة، خزائن المطبخ مكسّرة.. فلا خزانة للملابس، لا كرسي، لا طاولة، لا أغطية أو فرشات للنوم. وأحيانا نخرج إلى الشارع بحثا عن أيّ قطع قد تنفعنا في البيت، كهذه الطاولة المُخلّعة مثلًا. وتراكمت الديون مع فواتير الكهرباء حتى بلغت آلاف الشواقل وقد يقطعون عنّا التيّار الكهربائيّ في كلّ لحظة.

معرّضون للطرد من البيت!

وتضيف: الأمور لا تقف عند الكهرباء فقط، فمالك البيت يريد رفع الإيجار، وأصبحنا معرّضون للطرد بسبب انتهاء مدّة العقد، والتأخير في الدفع.

طرقت جميع الأبواب كي أحصل على معونة

وتقول ناديا: مع بداية السنة الدراسيّة وفترة الأعياد طرقت جميع الأبواب كي أحصل على معونة، فتوجّهت إلى الحركة الإسلاميّة في حيفا، إلى أئمة المساجد، إلى "بيت النعمة" وإلى سائر الجمعيّات، وليس لي معين سوى "بيت النعمة"، الّذي يوفّر لي الأدوية مشكورًا.

اضطررت أن أخرج إلى القرى والبلدات العربيّة للتوسّل والتسوّل

وتكمل ناديا: إنّ ضيق ذات اليد اضطرتني لكي أخرج إلى القرى والبلدات العربيّة، مثل مجد الكروم، أم الفحم، الناصرة وغيرها، في الأعياد، للتوسّل والتسوّل، آخذ أولادي ونمدّ أيدينا للمارّة، منهم من يتصدّق علينا، ومنهم من يزجرنا فنعود خائبين.

زوجي موجود في مركز علاجيّ للفطام من السموم والمخدرات

وعن زوجها تقول: لا يستطيع زوجي الحالي العمل لأنه يمضي وقته في مركز علاجيّ للفطام من السّموم والمخدّرات؛ وفي فترة استعماله للمخدرات كنت أتعرّض للعنف والضرب والتهديد أنا وأبنائي، خاصّة الأبناء من زوجي السابق، فكانت معاملته تختلف بين أبنائه وأبناء زوجي السابق. فاضطررت أن أضعهم في مدرسة داخليّة، ونحن بانتظار نتائج علاجه لعلّه يعود للعمل وتتحسّن أوضاعنا.

الحركة الإسلاميّة والجمعيّات الخيريّة توزّع الطرود الغذائيّة، ولكن لا يطالني منها شيء!

وتكمل: نعرف أنّ الحركة الإسلاميّة والجمعيّات الخيريّة الأخرى والمساجد وجهّات معيّنة تقوم بتوزيع الطرود الغذائيّة والمؤن على العائلات المستورة، ولكنّي خارجة عن أيّ إطار للحصول على مثل هذه المعونات، فلا يطالني شيء منها.

صرخة ألم وأمل تطلقها هذه العائلة

صرخة ألم وأمل تطلقها هذه العائلة وتدعو المسؤولين لزيارتها والوقوف عن كثب على أوضاعها، لعلّ الضمائر الحيّة تتحرّك وترقّ المشاعر ويهبّ الخيّرون لمساندة من عصفت بهم رياح الدهر الجائرة، وذهبت بهم بعيدًا، إلى وحل الفاقة والفقر، الذلّ والحرمان، المأساة والبؤس.

يمكن للأمّ أن ترد على اتصـــالاتكم بها، فقد تساهموا بإنقاذ أرواح هائمة، ونفوس معذبة، للإتصال بها يرجى التوجه إلى رقم:  0523168910. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]