هناء شلبي، 28 عامًا، الأسيرة التي تخوض بأمعائها الخاوية ، وجسدها الضعيف أعلنت من ظلمة سرداب الأسر الإسرائيلي:"حريتي وكرامتي أغلى من الطعام ، سأكسر السجان ولن انكسر"...، هذه الأسيرة التي تفتح صفحة مشرقة من صفحات النضال بعد ان سجل الأسير القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي خضر عدنان، وقفة عز غير مسبوقة في تاريخ النضال العربي والعالمي ضد الاحتلال الصهيوني وقوى الاستعمار، بعد أن دخل إضرابه التاريخي وغير المسبوق عن الطعام شهره الثالث حيث خضعت محاكم الاحتلال لمواقفه البطولية ، وبذلك تشكل وقفة هناء بإرادتها الفولاذية صفحة جديدة من صفحات مجد شعبنا...

هناء رمز للأسر بحريّة...

إن هناء تقدم نموذجًا لا يقل رمزية عن ألنموذج الذي قدمه خضر عدنان، لقضية الأسرى سواء أولئك المحكومين إدارياً أو غيرهم ممن يقضون أحكاما طويلة، من خلال إثارة قضيتهم على المستوى العالمي، ما يقتضي من جماهير شعبنا وأمتنا وقواها الوطنية أن تتحرك في سياق مستمر على الصعيد المحلي والعالمي لمحاصرة حكومة الاحتلال والضغط عليها، من أجل وقف العمل بالأحكام الإدارية والتعامل مع الأسرى والأسيرات في سجونها، الذين يتجاوز عددهم ستة آلاف أسير كأسرى حرب، وإطلاق سراحهم وفقاً لكافة المواثيق والعهود الدولية...

أربعة أشهر من الحرية ومن ثم "أسر" مرّة أخرى!

موقع "بكرا" زار عائلة هناء في برقين، قضاء مدينة جنين، والتقينا هناك عائلتها الصغيرة المحملة بالشوق لها.

لم تكن العائلة حزينة، رغم أنك قد تأخذ هذا الانطباع خلال لحظات جلوسك الأولى لديهم، لكنك سرعان ما ستكتشف أن شوقهم الحزين لابنتهم هو ما يسكن ملامحهم هذه الأيام وأن تلك الدمعة التي كانت ترقد مستكينة في مقلة والدتها بديعة أحمد، أم عُمر، التي كانت تتذكر كيف "سُرقت" ابنتها منها بعد أربعة أشهر منذ تحررت في صفقة "شاليط".

استهلت أم عمر حديثها شاكية:"لا تزال هناء تستقبل المهنئين بحريتها من الأسر، وهاي هي تعود لتأسر مرة أخرى بعد مدة قصيرة جدًا دون أن نعرف سبب أسرها من جديد، فالشرطة تقول أن ملف هناء سري، وها هي تقبع مرة أخرى في ظلمة الأسر وكأن مرورها بنا، خلال الشهور الأربعة، كان مرور ضيفة علينا لا أكثر..."

تابعت:"أنا أيضًا مضربة عن الطعام، كما جميع أفراد عائلتي ولا نتغذى إلا على القلق، فالخوف الذي نعيشه من فكرة فقداننا هناء يعد كابوسًا بالنسبة لنا جميعًا..."

أنا بدي أشوف بنتي بخير...

أضافت بلهجتها الفلسطينية المحببة:"أنا بدي أشوف بنتي بخير، لأنه بنتي ما رح تقدر تقاوم الإضراب لأنه جسمها مش جسم شاب وبتقدرش تقاوم مثل الشاب، وأنا بضلني على أعصابي كل الوقت إنه يوصلني خبر فقداني لابنتي، فقد استشهد أخ لهناء، وهو ابني سامر، وبالرغم من انهياري عند استشهاده، لكنه يبقى شهيدًا وحي عند ربه يُرزق، أما ابنتي فهي بيد الطغاة ولا أعرف إن كانت تتعرض للضرب أو للمهانة وما هو حالها اليوم..."

زادت أم هناء بالصوت المتأثر نفسه قائلة:"إنني أطلب من جميع الفصائل والحركات السياسية والاجتماعية بالتحرك من أجل أن تتحرر "هنائي" لكي نتمكن من العيش من جديد، فقد بات منزلنا وكأنه يعيش حالة عزاء مستمر..."

هناء رحلت مكبلة أمامي وتركت يدي فارغة تسكنها رائحتها...

أما شقيقة هناء، زاهرة شلبي، التي كانت تستمع لحديث والدتها بصمت، قررت فجأة أن تتدخل في حديثنا لتسأل:"بأي حق يفعلون بأختي هكذا...؟، لا أزال أذكر كيف كنت أحاول شدها من يدها للتشبث بها بينما يسحبها الجيش نحو الاعتقال، هناء رحلت إلى ظلمة أسرهم لكي تضيء على حريتنا... فإنها رحلت مكبلة أمامي وتركت يدي فارغة تسكنها رائحتها..."

وأضافت بذات الحرقة:"سَجن هناء كان ظلمًا منذ البداية، ونحن نراها أمامنا تذوب كما الشمع، وهذا الأمر يدمرنا جميعًا، فالألم بات يمزقنا وقلقنا على حالها ليس بالأمر الهيّن أبدًا وأنا محتاجة جدًا لأن يطلق سراح شقيقتي من السجن فلا أريد أن أفقد هناء كما فقدت سامر، فإن فقداني لسامر أفقدني توازني وشلع قلبي وأعي تمامًا أنني إن فقدت هناء فإنني سأموت..."

معنويات هناء العالية ستجعلها تحقق مطالبها كما فعل خضر عدنان...

بينما تحدث شقيق هناء، عمر، الرجل الذي يقف على عتبة عقده الخامس، حدثنا بوقار واضح قائلاً:"لقد علمت من المحامي الموكّل في قضية شقيقتي أن حالتها الصحية في تدهور مستمر وجسدها بات ضعيفًا، لكنني متفائل خيرًا أن معنويات هناء العالية ستجعلها تحقق مطالبها كما فعل خضر عدنان من قبلها، فإنني أعرف أن شقيقتي عنيدة وتقف عند مطالبها رغم أنني أتوقع أيضًا دعمًا أكبر من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني ومن الجماهير الشعبية، وآمل وقفة حقيقية للإعلام في بلادنا لقضية هناء التي أتمنى أن أراها قريبًا في بيت أسرتنا من جديد..."

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]