ترقد الطفلة ميرا عادل جويلس حتى اليوم، هي والعديد من مصابي حادث جبع الذي راح ضحيته 6 أطفال ومربية، في مستشفى "شيبا" في تل هشومير لتلقي العلاج اللازم، حيث ما زال أغلبهم في حالة خطيرة ولم يستيقظ حتى اليوم.

ما زالت الطفلة ميرا ترقد في غرفة العناية المكثفة، وقد فقدت قدمها اليمنى وبعض أطراف أصابعها، وهي مهددة حتى الآن بفقدان عدد آخر من أعضاء جسدها جراء إصابتها بحروق بالغة الخطورة، تتراوح بين الدرجة الثانية والخامسة.

فوضى وعدم جاهزية للطوارئ

لم يكن من السهل على عادل جويلس العثور على ابنته، خصوصا بعد أن علم بأمر إصابتها بالحادث، فكان عليه التنقل من مستشفى إلى آخر، ومن شارع إلى شارع، ليفاجأ بشخص غريب يقول له إن ابنته نقلها الهلال الأحمر. وقال: "بعد أن علمت أن ابنتي تم نقلها، قمت فورا بالاتصال بالهلال الأحمر، لكن انعدام المسؤولية واللامبالاة اللذين لا أعلم أسبابهما، جعلاني أبحث في العديد من المستشفيات وأنتقل بينها باحثا عن ابنتي لأعثر عليها أخيرا في مستشفى (رفيديا)".

وتايع الوالد حديثه قائلا: "توجهت من رام الله إلى رفيديا لأنقل ابنتي إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، وبالفعل تم نقل ابنتي إلى مستشفى تل هشومير الذي تتواجد فيه منذ أكثر من 45 يوما".

انعدام الخبرة في تصنيف الحالات

أما عن حالة ابنته لحظة وصولها إلى تل هشومير فقال: "بعد وصول ابنتي إلى المستشفى، قام طاقم كبير من الأطباء على اختلاف تخصصاتهم باستقبالها، وقد أخبروني بوضع ابنتي وبأنها تعاني من حروق في نحو 60% إلى 70% من جسمها، وقد تم إخضاع ابنتي لأربع عمليات جراحية حتى الآن، بالإضافة لعملية خامسة تهدف لفتح الحنجرة من أجل التنفس".

وتابع: "ابنتي الآن هي شجرة استوت قطوفها! فقدت كف يدها اليسرى، وفقدت أطرافا من رجلها، كما فقدت أذنها".

لا نتلقى أي دعم من السلطة الفلسطينية، ووضعنا مزرٍ

شدد عادل جويلس على أن السلطة الفلسطينية تتجاهل كافة المرضى المصابين الموجودين في مستشفى تل هشومير، ولا تقدم لهم أي عون. تتجاهلهم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، دون أي محاولة من السلطة للتخفيف عنهم في مصابهم الجلل، حيث قال: "خلال شهر ونصف، حضر الدكتور مدحت طه من مكتب الرئيس، واطلع على وضع ابنتي وقام بفحص كل الأمور. لكن بعد كل الإجراءات، فوجئت بتقرير قاموا بنشره في إحدى الصحف، وهو عارٍ تماما عن الصحة. فكيف يكتبون أن كافة المصابين يتواجدون في مستشفى هداسا، رغم زيارة الدكتور مدحت طه ودرايته الكاملة بعدد المصابين في مستشفى تل هشومير؟!".

بأي يد ستلعب ابنتي "البلاي ستيشن" التي قدمتها لها محافظة رام الله؟!

واستطرد عادل قائلا: "كذلك، تمت زيارة ابنتي في المستشفى دون التنسيق معي، وبوجود إعلامي مكثف من أجل تغطية الحدث، حيث حظيت ميرا بزيارة وفد من محافظة رام الله، قدم لها هديتين، إحداهما جهاز (بلاي ستيشن). لكن أريد منهم أن يخبروني، بأي يد ستلعب بها؟!".

وقال: "إن التنقل من القدس إلى مستشفى تل هشومير يحتاج في كل مرة على الأقل لـ 300 شيكل، هذا عدا عن عدم تمكني من العمل بسبب الحاجة لمتابعة حالة ابنتي، وكلهم يعرفون حالتي. لكن، وعلى الرغم من عدم قيام المدرسة بالواجب المترتب عليها، ورغم الإهمال المبالغ به من قبل إدارة مدرسة نور الهدى المقدسية، لم يراعوا حتى الأزمة المالية التي أمر بها جراء الحادث، ولم يترددوا بمطالبتي بـ 300 شيكل لتسديد قسط ابني!".

المربية سناء القرن: جمعية القرآن والسنة تتجاهل إصابتي وتمنحني مرتبا حتى الشهر المقبل فقط!

لم تقتصر زيارة موقع "بكرا" على والد الطفلة ميرا، بل إن مراسلنا قام كذلك بزيارة المربية المصابة سناء القرن، والتي تحدثت، لأول مرة وبشكل حصري، قائلة: "تجاهلونا وكأننا لسنا موجودين. حياتنا لا تساوي شيئا عندهم. يجب أن نصارح أنفسنا: لقد تلقينا الدعم من المستشفيات الإسرائيلية، في الوقت الذي تجاهلنا فيه أبناء ديننا وعروبتنا. يجب أن نقولها، نعم.. اليهود يستحقون الحياة لأنهم عرفوا معنى الإنسان... أما أبناء جلدتنا، فلا يسعهم إلا التهرب من حمل المسؤولية".

وأضافت قائلة: "مثلما ترون، أمي تتواجد هنا إلى جانبي، ترفض العودة إلى بيت لحم بسبب تكلفة السفر ذهابا إيابا، حيث يحتاج هذا الأمر، على أقل تقدير، لأكثر من 1000 شيكل. لقد قدموا لنا 1000 دينار أردني، وكأنهم لا يعلمون تكلفة الموضوع. كل وجبة هنا يبلغ ثمنها 40 شيكل، ونحن لا نتلقى أي دعم من أي جهة... الكل يتجاهلنا".

وتابعت المربية حديثها: "أنا أعمل في مدرسة نور الهدى التابعة لجمعية القرآن والسنة، ولكنهم أيضا لا يعيرونني أي اهتمام. فلم تتكفل جمعية القرآن والسنة حتى الآن بأي شيء، رغم درايتهم ومعرفتهم بالوضع الذي أنا فيه. أخوتي يحاولون، منذ 15 يوما، استصدرا تصريح لزيارتي، دون جدوى".
أما أمها فأكملت باكية: "لا أجد ثمن الطعام، رأينا العديد من الزيارات من أشخاص لم نرهم من قبل، وقد وعدونا بالمساعدة، لكننا لم نرهم بعدها أيضا".

موظف في المدرسة يؤكد: "ليس بإمكان مدرسة نور الهدى التكفل بكل المصابين، ولو كان وضعها المادي يسمح بذلك لما تأخرت لحظة"

تعقيبا على ما ذكر، أكد أحد الموظفين في مدرسة نور الهدى التابعة لجمعية القرآن والسنة على أن جمعية القران والسنة تدعم آلاف اليتامى والعائلات، وأنها لو تمكنت من توفير الدعم الكافي للمصابين لما ترددت بذلك. وقد قال: "إن الأطفال الذين أصيبوا بالحادث هم أطفالنا، والمربيات هن أخواتنا، ولو تمكنا من توفير الدعم الكافي لهم لما ترددنا للحظة واحدة عن ذلك. ما حصل هو قضاء الله وقدره، وفي حال إدانة المدرسة أو تحمليها المسؤولية قانونيا أو عشائريا، فالمدرسة سوف تعمل قدر المستطاع لتحمل المسؤولية".

وأضاف: "المعلمة تتلقى مبلغا ماليا كل شهر، عدى عن المرتب الشهري، كمساعدة إنسانية خارجة لا علاقة لها بوظيفتها. أما بخصوص الحافلة وعدد الطلاب الذين كانوا فيها، فهذا الأمر يعود لمسؤولية شركة الحافلات المتعاقدة مع المدرسة. نريد أن نقول للأهل ونخبرهم، إن الأطفال هم أطفالنا، وكلنا بكينا عليهم وما زلنا نبكي عليهم حتى اليوم".

الدكتور مدحت طه: "أحمل المدرسة كامل المسؤولية ويجب معاقبتهم لإهمالهم"

من جهته، عقب الدكتور مدحت طه، مسؤول الملف الصحي في منظمة التحرير الفلسطينية، على ما جاء في التقرير قائلا: "لقد قمت بزيارة إلى مستشفى (تل هشومير) قبل حوالي أسبوعين أو أكثر، والتقيت ببعض الأهالي، وكانوا مستائين بشدة من الإهمال الذي لاقوه من إدارة مدرسة نور الهدى، فشركة التأمين وإدارة المدرسة يتهربون من المسؤولية، لكن عليهم أن يعلموا أنهم مسؤولون عن الأطفال الذين نعتبره زهور الوطن، ويجب الحفاظ على هذه الأمانة بالصورة المناسبة. كامل المسؤولية تقع على إدارة المدرسة، ويجب أن تتم مساءلتها قانونيا".

وتابع د. طه قائلا: "لقد أصدر السيد الرئيس محمود عباس قرارا يقضي بتقديم مساعدة فورية للعائلات المتضررة، والتي ستكون على شكل مساعدة مالية، كما سيتم النظر في إمكانية تقديم مساعدات أخرى في الفترة القادمة".

مناشدة بمد يد العون...

هذا، وناشد كافة المتواجدين في المستشفى (من مصابين وذويهم) أهل الخير مد يد المساعدة لهم لإخراجهم من الحالة المأساوية التي يعيشون فيها من قلة في الطعام وقلة في الدعم، متمنين أن يكون هنالك تجاوب فعلي مع قضيتهم التي تعتبر قضية إنسانية من الدرجة الأولى.

يشار إلى أن المصابين الراقدين في مستشفى تل هشومير حتى اليوم هم: الطفلة ميرا جويلس، الطفلة نور الهدى القواسمي، المعلمة سناء القرن، المعلمة رائده عليان، سائق الحافلة رضوان محارب، الطفلة تالا محمد البحري، والطفل فضل فراس يغمور. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]