آلاف الناس يموتون حول العالم كل يوم، كل يلقى حتفه حسب قدره المحتم، لكن من بين هذه الأعداد الكبيرة التي تغادر كوكبنا يوميًا فإن القلائل منهم من ينجحون في ترك بصمتهم بيننا لتبقى وكأنها شاهد عيان على مرورهم بنا لكي نتذكر ما فعلوه لأجلنا يوم كانوا بيننا...
دخلت، عصر يوم أمس الأربعاء، إلى باحة مسرح "الحرية" في مخيم مدينة جنين، هذه الباحة ذاتها التي كانت قبل 365 يومًا تعج بالناس الذين هرعوا إليها، يومئذٍ، لالتقاط ما تبقى من رائحة الإستثنائي جوليانو مير خميس، المخرج والممثل الذي أردي قتيلاً أمام باب هذا الصرح الفني والثقافي الذي أسسه وسمّاه تيمنًا باسم اللفظ الحلم "الحريّة"...!
صدى صوت سميح شقير..لا يزال هناك!
دخلتُ، لأجد باحة المسرح فارغة تقريبًا إلا من بعض الشبان الذين جلسوا على مقعد وضع على أحد أطرافها، فعاد إلى ذاكرتي صوت سميح شقير الذي ملأ جنين خلال وداع جوليانو بأغنيته:"لو رحل صوتي ما بترحل حناجركُم..."
بحثت عن المدير المحلي والتقني للمسرح منذ سنوات ست عدنان نغنغيّة، علّي أعرف منه ما جرى لحريّة مير خميس بعد رحيله، وعن تفاصيل أخرى متعلقة بمستقبل مسرح المخيم ومجريات التحقيق الخاص بالكشف عن قاتل جوليانو...
استقبلني عدنان مُرحبًا، ودعاني للجلوس في قاعة المسرح للتحدث بهدوء، وقد كان...
انطلق حديثنا من فصل قصة جوليانو الأخير، فقال لي نغنغيّة:"بعد مقتل جوليانو بات الهدوء يعم مسرحنا، فبالرغم من أننا مستمرون في الإنتاج والعمل على تحقيق رسالة جول إلا أننا ما نزال نفتقد طاقته وحيويته وملاحظاته، فليس من السهل أبدًا أن تجد مبدعًا بطاقة جول واجتهاده، لكننا نحاول..."
المشاركة في الاعتصام أقل من التوقعات...
تابع:"لقد توجهنا  للمشاركة في الاعتصام الذي أقيم أمام المقاطعة في رام الله والذي طالبنا خلاله بالكشف عن مجريات التحقيق وعن قاتل جول الأمر الذي لم نسمع جديدًا حوله منذ نصف العام تقريبًا، وبالرغم من أنني توقعت مشاركة شعبية أكبر من تلك التي كانت طوال ساعتين خلال الاعتصام إلى أن العدد الذي كان يعد مقبولاً ولا يشكل خيبة لتوقعاتي..."
لن نتنازل عن حقنا في معرفة قاتل جول!
وأضاف:"إننا لا نطالب بالكشف الكامل عن مجريات التحقيق لكننا نريد التأكد من أن الأمر ليس منسيًا فمن المهم العمل بجد للكشف عن القاتل لنعرف أسباب مقتل جول ولنطمئن كطاقم مسرح بأننا لسنا مهددين ففكرة أن يقتل مخرج على عتبة مسرحه من الممكن أن تشكل تهديدًا لطاقم العمل كله إن لم يكن لكل فنان ومبدع في بلادنا..."
كلهم نكثوا بوعودهم إلاّ...
هنا، سألته عن ما تحقق من تلك الوعود التي كنّا جميعًا قد سمعناها عبر وسائل إعلامنا على لسان مبدعين ومثقفين وعدوا أنهم لن يتركوا مسرح الحرية وحيدًا وأنهم سيشركون أعمالهم لجمهور جنين عبر خشبته إيمانًا منهم بضرورة اكمال ومتابعة ما بدأه مير خميس في هذه البقعة قبل سنوات، فأجابني بعد أن تنهد:"لم يتحقق أي من هذه الوعود، فخلال عام كامل، وبعد انتهاء جنازة جول لم يزرنا أي فنان من اولئك الذين وعدوا بما ذكرت سوى مدير مسرح الميدان المخرج رياض مصاروة الذي بدأ العمل على تعاون فني مع أحد تلاميذ جوليانو، أما الباقين فلم نرهم سوى في جنازة جوليانو وعبر وسائل الإعلام فقط..."
مشمش وميلاي تشعران بالغربة...
زاد:"حتى أن مشمش زوجة جول السابقة وميلاي ابنته تخبرانني أنهن تشعرن باغتراب لأن أحدًا من الفنانين من أصدقاء جوليانو يسأل عنهن للاطمئنان على حالهن حتى ولو عن طريق الهاتف... وهذا أمر محزن بحق!"
عندها اختتمتُ حديثي معه بسؤالي عن مدى مصداقية ما سمعناه والذي أفاد أن هناك تهديدات تصل المسرح بعد مقتل جول فأخبرني أن هذا الأمر عارٍ عن الصحة وبأن ليس هناك أي تهديد وصل المسرح أو أي من العاملين في إطاره منذ مسرحية "مزرعة الحيوانات" التي أخرجها جول قبيل سنوات...

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]