لا شكّ أنّ الأطفال يتعرّضون لحوادث في العطلة الصيفيّة أكثر منها في باقي الفصول، وذلك لسبب وجودهم خارج البيت أغلب الوقت.. والأمراض موجودة على مدار السنة، ولكن هناك حالات تكثر في الصيف لسبب خصوصيّته. ولتعرُّف ما قد يتعرّض له الأطفال من حوادث، وما يصيبهم من أمراض خلال الصيف، وكيفيّة وقايتهم من مخاطرها، التقينا الدكتور إيهاب خطيب، اختصاصيّ طبّ الأطفال، واختصاصيّ أمراض القلب الخَلقيّة في مستشفى "رمبام"، في حديث للوقاية من أمراض الصيف وحوادثه عند الأطفال.

- عرّفنا، بدايةً، بالدكتور إيهاب خطيب؟
د. إيهاب جمال خطيب، من مواليد قرية دير حنّا. أسكن مدينة حيفا منذ بداية دراستي للطبّ في معهد العلوم التطبيقيّة (الـ«تخنيون») عام 1995. اختصاصيّ طبّ أطفال، وجراحة قلب أطفال وعيوب خَلقيّة في القلب. أعمل في مستشفى "رمبام" وفي عيادة مستقلّة لطبّ الأطفال، كذلك.

أمراض الصيف الأكثر شيوعًا
- حدّثنا عن أكثر الأمراض شيوعًا لدى الأطفال في فصل الصّيف، مقارنةً بتلك الشائعة في فصل الشّتاء؟
د. خطيب: في فصل الصيف عادةً ما تنخفض نسبة الأمراض عند الأطفال، مقارنةً بفصل الشتاء. وكما في الشتاء، فإنّ الأمراض الأكثر انتشارًا لدى الأطفال في الصيف هي تلك الأمراض الناتجة عن ڤيروسات مختلفة تؤدّي إلى التهابات عديدة. ومن بين الڤيروسات الّتي يمكنها أن تسبّب التهابات في فصل الصيف: الڤيروسات المعَويّة الّتي تسبّب الإسهالات و/أو التقيّؤات؛ "نظير الإنفلونزا" الّذي يسبّب الزكام؛ الالتهابات المختلفة في الجهاز التنفّسيّ؛ وڤيروس شلل الأطفال الّذي كان شائعًا في سنوات سابقة في فصل الصيف، ولكن - وبفضل التطعيمات - ليست هناك حالات جديدة منه في البلاد.
هناك بعض الأمراض النادرة الّتي تميّز موسم الصيف، وتنتشر عن طريق البعوض، مثل: التهاب سحايا الدماغ الناجم عن ڤيروس «النيل»؛ كما تكثر في الصيف حالات التسمّم لسبب الطعام الفاسد الّذي لا يُحفظ جيّدًا في الطقس الحارّ؛ حيث تتكاثر فيه البكتيريا بشكل سريع. وهناك ڤيروس آخر شائع في الصيف، من فصيلة الڤيروسات التاجيّة، يؤدّي إلى ارتفاع في درجة حرارة الطفل لمدّة يومين أو ثلاثة أيّام، ثمّ يظهر على شكل طفح جلديّ في الأطراف، عادة اليدين والرجلين، مع التهاب الفم القلاعيّ (حمّاوة).
من الجدير بالذكر أنّه في عطلة الصيف تكثر الصدَمات (الـ"تراوما") لدى الأطفال، وذلك من جرّاء الحوادث الّتي يتعرّضون لها، داخل البيت وخارجه، مثل الوقوع عن علو أو الانزلاق أو الغرق أو حتّى الإصابة في المنزل، بالإضافة إلى حوادث الطرق؛ كما تصلنا حالات إصابة عديدة من جرّاء ابتلاع الأطفال لأدوية بشكل غير متعمّد، أو شربهم موادّ سامّة.

الجزء الكبير من العلاج وقائيّ
يحدّثنا الدكتور إيهاب خطيب عن العلاج الوقائيّ، قائلًا: عن طريق حماية صحّة الأطفال وحياتهم في سن مبكّرة، يمكننا أن نمنع الكثير من الأمراض الّتي قد تصيب الطفل في المستقبل.. فجزء كبير من العلاج الطبّيّ هو علاج وقائيّ؛ حيث نستطيع عن طريق الوقاية أن نمنع أمراضًا مزمنة كثيرة. وأنا كطبيب أطفال أنصح بالعلاج وأقدّمه، لا عن طريق الأدوية والعقاقير فقط، بل عن طريق الإرشاد والتوعية للأهل والطفل، أيضًا. ويجب أن نتذكّر، دائمًا، أنّ الطفل في المركَز، فيجب، دائمًا، أن نشرح له المشكلة وطرق العلاج، وذلك وفقًا لعمره، وحسَب اللّغة الّتي يمكن أن نتّصل ونتواصل بها معه.
ويقول د. خطيب: غالبيّة الأمراض المُعدية تنتقل عن طريق إفرازات الجسم، لذا يمكننا الوقاية من حالات مرضيّة كثيرة في فصل الصيف. وأهمّ وسائل الوقاية هي منع انتشار الالتهابات، وذلك عن طريق المحافظة على نظافة اليدين والجسم بشكل عامّ؛ فإنّ غسل اليدين بالماء والصابون بشكل جيّد، يحدّ من انتشار الڤيروسات أو البكتيريا. كما أنصح - خلال فترة المخيّمات الصيفيّة - بأن يبقى الطفل المريض في البيت ويلزم فراشه، بدل أن يذهب إلى المخيّم وينقل العدوى إلى باقي الأطفال. ومن المهمّ جدًّا الوقاية من لسعات الحشرات والبعوض، أيضًا، حيث يمكن استعمال الموادّ الطاردة للبعوض، بالإضافة إلى ما تقوم به السلطات المختصّة في الحدّ من انتشارها.
ويضيف: ولمنع تسمّم الطعام، يوصى، دائمًا، بغسل اليدين عند الطبخ وقبل الأكل، ويجب، خصوصًا، تنظيف أسطح تجهيز الطعام، فهي مكان «محبّب» لدى البكتيريا والڤيروسات.. كما أشدّد على أن تهتمّ المطاعم - بشكل خاصّ - بنظافة المطبخ؛ لأنّ المئات يقصدونها، فمن الضروريّ الحفاظ على النظافة للحدّ من الأمراض، وحفظ الطعام في الثلاجة فورًا، لضمان سلامة روّاد المطاعم، أطفالًا وبالغين.

إهمال.. أخطاء.. وعدم وعي
ويقول د. خطيب: بالنسبة إلى الحوادث، يجب اتّباع تعليمات السّلامة دائمًا؛ مثل ربط حزام الأمان بشكل دائم؛ لا لتفادي المخالفة فقط، بل للتشديد على أنّ الحزام يحمي المسافر بشكل كبير جدًّا، وخصوصًا الأطفال منهم. أمّا السباحة فبوجود منقذ أو بجانب أحد البالغين، فقط؛ كما أنّه من الضروريّ حفظ الأدوية والموادّ السامّة الموجودة في البيت في مكان بعيد عن متناول أيدي الأطفال، فهناك الكثير من الأطفال الّذين أتلفوا المريء لسبب شرب موادّ سامّة، مثلًا. ومن الحوادث الشائعة عند فئة من الأطفال السقوط من الأماكن العالية والارتفاعات، والتي قد تسبّب نزيفًا داخليًّا في الدماغ، وفي حالات عديدة تعرّض حياة الأطفال للخطر؛ فغالبيّة الحوادث نابعة من الإهمال والخطأ.

مرض العصر
- ما هو المرض الّذي يمكن اعتباره "مرض العصر" لدى الأطفال؛ ما هي نسبة انتشاره، وكيف يمكن مداواته؟
د. خطيب: إنّ الحياة العصريّة والتطوّر التكنولوجيّ من الأسباب الّتي أدّت إلى تغيير كبير في نمط حياة الأفراد، وخصوصًا الأطفال منهم. فقضاء ساعات طويلة في مشاهدة التلفاز أو استعمال الحاسوب وقتًا طويلًا، يؤدّيان إلى أن يقضي الطفل وقته، أيضًا، بأكل المقبّلات والمسليّات، ويقوم بشرب كمّيات كبيرة من المشروبات المحلّاة الغنيّة جدًّا بالسكّر، وخصوصًا الغازيّة منها؛ ومن جهة أخرى، فهذه الساعات الطويلة تمنعه من ممارسة الرياضة أو اللعب خارج البيت مع أبناء جيله؛ لذا أدّى هذا النمط من الحياة إلى ارتفاع وزن الأطفال وظهور مرض العصر - السُّمنة.

10% من الأطفال يعانون السُّمنة الزائدة
غالبيّة ألعاب الأطفال، اليوم، لا تحتاج إلى مجهود وصرف طاقة؛ ومعادلة السُّمنة سهلة وواضحة، وهي كمّيّة الطاقة الّتي نستهلكها مقابل كمّيّة الطّاقة الّتي نصرفها؛ فكلّما كانت كمّيّة الطاقة الّتي نستهلكها أكبر من كمّيّة الطاقة الّتي يحرقها الجسم، تُخزَن هذه الزيادة (الفائض) كدهن، حتّى لو كانت التغذية سليمة وصحّيّة؛ وبالتالي، تؤدّي قلّة الحركة هذه إلى السُّمنة. ولكي تصبح المعادلة متوازنة، يمكن أن نتناول كمّيّات متوسّطة أو كبيرة من الطعام، ولكن - في المقابل - يجب أن نبذل الجهد لصرف كمّيّات الطاقة، وعندها لا يخزن الجسم الفائض المتحوّل إلى دهن، بل يحرقه. فالمسألة، إذًا، لا تعتمد على الأكل الصحيّ، فقط.
كما يجب أن نَلفت إلى نقطة هامّة أخرى، حيث يظنّ الأهل أنّ تناول الأطعمة المفيدة كالخضرة واللحوم الطازجة، يساعد الطفل على عدم الزيادة في الوزن، ولكن إذا لم يمارس الطفل الرياضة، ولم يبذل أيّ جهد، عندها، أيضًا، تتحوّل الموادّ السليمة إلى دهنيّات؛ فمثلًا، يجب تحديد ساعات مشاهدة التلفاز، واللعب أمام الحاسوب، وحتّى الدراسة. يجب أن يتوافر الوقت الّذي يتضمّن النشاط والحركة وأن يظلّ الطفل فعّالًا جسمانيًّا.. وتشير المعطيات في البلاد إلى أنّ واحدًا من كلّ عشرة أطفال يعاني من سمنة زائدة تتطلّب العلاج.
ويقول د. خطيب: ففي البلاد، إذًا، يعاني أكثر من 10% من الأطفال السُّمنة، وهذه النسبة آخذة في الازدياد. وتؤدّي السُّمنة إلى حالات مرضيّة عديدة، أهمّها ارتفاع ضغط الدم عند الأطفال وارتفاع نسبة الدهون في الدم، عدا التعرّض لأمراض القلب في المستقبل، هذا بالإضافة إلى المشاكل النفسانيّة والاجتماعيّة الّتي يعانيها الطفل البدين.
فإنّ أهمّ الوسائل لعلاج السُّمنة هي تبنّي نمط حياة صحّيّ، يشمل تغذية صحّيّة قليلة السكّر والدهون، وممارسة الرياضة بشكل منظّم وثابت مع الحفاظ على لياقة بدنيّة. كما أنّه من المهمّ متابعة الفحوصات الروتينيّة عند الطبيب المُعالِج، خصوصًا إذا كانت هناك أسباب عائليّة وراثيّة لارتفاع الدهنيّات في الدّم أو ضغط الدّم المرتفع.

الحذر من أكل الأطعمة السريعة التحضير
- هل هناك أنواع من الأغذية تنصح بعدم تناولها؟
د. خطيب:
الحذر ثمّ الحذر من تناول الأطعمة السريعة التحضير؛ فهي تحوي كمّيّات أكبر من السعرات الحراريّة، كما أنّها غنيّة بالدهنيّات المُشبعة، وهذا بالتّالي يزيد من نسبة السُّمنة بشكل أسرع وأكبر. وهي تحوي كمّيّات كبيرة من السّكّر بما يفوق احتياج الجسم؛ والسكّر بكمّيّات كبيرة يكون عبارة عن سمّ زُعاف للجسم (سريع القتل)؛ لأنّ نتيجته المحتّمة داء السكّر(يّ). فالسُّمنة هي أحد عوامل الإصابة بالسّكّريّ، كما أنّها من العوامل الرئيسة لضغط الدم المرتفع، وأوجاع المفاصل، هذا عدا المشاكل الصحّيّة الأخرى والمشكلة النفسانيّة الّتي نتجاهلها.
فنحن نحاول أن نعالج الوزن والأمراض فقط، ونتجاهل، دائمًا، العامل النفسانيّ لدى الأطفال. نلاحظ الطفل السَّمين، مثلًا، يعاني شعورًا بالنّقص لأنّه لا يستطيع مشاركة الأطفال في فعّاليّاتهم ونشاطاتهم وألعابهم، حيث يؤدّي ذلك إلى مشكلة في شخصيّة الطفل نفسه، وعندها يمتنع الطفل عن مرافقة أصحابه ومشاركتهم، فتكون النتيجة التسبّب بانزواء الطفل، وعندها يزداد ميله إلى اللّعب بالحاسوب ومشاهدة التلفاز، وتتفاقم المشكلة.
ويضيف د. إيهاب خطيب: نلاحظ ظاهرة تناول المشروبات الغازيّة الّتي تحوي كمّيّات كبيرة من السّكّر، والّتي تؤدّي إلى الوزن الزائد والسُّمنة. كما نجد الأطفال أكثر من الكبار تناولًا لمشروبات الطاقة، أحيانًا. وهذه المشروبات مضرّة جدًّا للأطفال؛ لسبب احتوائها على السّكّر والحوامض الأمينيّة بكمّيّات كبيرة؛ حيث تقوم الكبد بتحليل هذه الحوامض والتعامل معها؛ تلافيًا لقيامها بإيذاء إنزيمات الكبد، عدا الكمّيّات الكبيرة من الكافيين الّتي تُضرّ بالأعصاب وقد تؤدّي إلى ارتجاج الأطراف لدى الأطفال.

الإسهال..
- لِمَ تكثر الإسهالات في فصل الصيف؟ وما هي أسبابها؟!
وعن ذلك يقول د. إيهاب خطيب: تكثر الإسهالات لدى الأطفال في فصل الصيف من جرّاء سببين رئيسيّين: الأوّل الإصابة بالعدوى أو البكتيريا، نتيجة الطعام الفاسد؛ والثاني غير تلوّثي بل ولاديّ؛ حيث يولد أطفال تصاحبهم مشاكل في الأمعاء مصحوبة بالإسهال المزمن، صيفًا وشتاءً. وللتغلّب على الإسهال يجب الإكثار من شرب الماء والمحافظة على كمّيّة سوائل معتدلة في الجسم؛ فمخاطر الجفاف، إضافةً إلى الوهن الجسمانيّ وانخفاض ضغط الدم، تُلحق الضّرر بالكُليتين.

أمراض جديدة
- هل هناك أمراض "جديدة" لم يعرفها طبّ الأطفال من قبل، ظهرت خلال العقد الأخير؟
د. خطيب:
في العقد الأخير لم يتمّ تعرُّف مرض "جديد" في علم طبّ الأطفال، ولكن تجدر الإشارة إلى أنّه - وبفضل التكنولوجيا المتطوّرة والفحوصات الوراثيّة المتقدّمة - يتمّ تشخيص أمراض كانت نادرة لدى الأطفال، ومعالجتها مبكّرًا.
إلّا أنّه في السنوات الأخيرة نشهد ارتفاعًا في حالات مرضيّة كانت نادرة عند الأطفال في السابق، وموجودة لدى البالغين، مثل مرض السّكّري من النوع 2، ضغط الدم المرتفع، والدّهنيّات في الدّم.
إنّ أسباب ظهور الأمراض الجديدة متنوّعة، منها:
- وجود طفرات وراثيّة جديدة؛ تظلّ هذه الأمراض نادرة جدًّا مع احتمال زيادة نسبتها لدى زواج الأقارب.
- تطوّر العلاجات الطبيّة الحديثة ساهم في منح العديد من الأطفال المرضى سنوات حياة أطول؛ لا لأنّ المرض بات أقلّ فتكًا، بل بفضل التشخيص المبكّر للمرض وإمكانيّة متابعته، حيث يمكنه أن يؤدّي إلى مشاكل في سنوات العمر المتقدّمة، مثل العيوب الخَلقيّة المركّبة في القلب.
- هناك أمراض عديدة كانت شائعة عند البالغين وقد أصبحت تزداد انتشارًا عند الأطفال، كما ذكرت؛ وأهمّها: مرض السكّريّ من النوع 2، السُّمنة، ارتفاع ضغط الدم؛ وكلّها مرتبطة بشكل وثيق بنمط الحياة الحديث الّذي نحياه، وأنواع التغذية غير السليمة.

العلاج النفسانيّ
- نلحظ، مؤخّرًا، أنّ الأطبّاء يستعينون بالعلاج النفسانيّ لعدد من المرضى، فهل هذا متّبع لدى الأطفال؟ وما الهدف من وراء ذلك؟
د. إيهاب خطيب:
متابعة تطوّر الطفل تشمل تطوّره العاطفيّ والنفسانيّ أيضًا، بالإضافة إلى تطوّره الجسديّ. فالتطوّر العاطفيّ السليم يساهم في تقدّم ونجاح الطفل في مراحل حياته المختلفة.
ومن أهمّ المشاكل النفسانيّة الّتي يعانيها الأطفال: الاكتئاب، القلق، قلّة الانتباه/فرط النشاط (ADHA)، مشاكل سلوكيّة، مشاكل في التغذية؛ مثل فقدان الشهيّة العصبيّ (Anorexia Nervosa).
تكمن أهميّة المتابعة الحسّيّة لدى الطفل في التشخيص المبكّر، فإن لم تعالَج المعاناة النفسانيّة مبكّرًا، فقد تتفاقم وتؤدّي إلى تطوّر مشاكل جديدة أو قد تؤدّي إلى ارتباك الطفل في حياته اليوميّة وتدنّي تحصيله العلميّ مع فقدانه لأصدقائه. مثلًا، قلّة الانتباه وفرط النشاط يؤدّيان إلى ظاهرة الاضطراب والقلق الزائد؛ عدم القدرة على الإصغاء للمعلّمة و/أو المعلّم والصعوبة في تحضير الواجبات البيتيّة، يؤدّيان إلى تحصيل علميّ متدنٍّ لسبب سلوكيّ، وغالبًا ما تكون القدرة التعلّميّة والعقليّة عند الطفل سليمة.
والمثال الآخر الذي أصبح شائعًا هو ما يترتّب على ارتفاع نسبة السُّمنة لدى الأطفال؛ إذ يتراجع لدى الطفل احترام الذّات وتقديرها. فالطفل السَّمين يشعر بأنّه غير مرغوب فيه، وأنّه غير قادر على ممارسة الرياضة أو النشاطات الّتي تتطلّب الحركة أو الألعاب كباقي أصدقائه، ولذلك يلجأ إلى الانزواء والانفراد بنفسه أو إلى العنف في التعامل مع الغير!
من هنا، فإنّ العلاج النفسانيّ بعد التشخيص الدقيق مهمّ جدًّا في تطوّر الطفل ونجاحه. تتوافر، اليوم، علاجات عديدة ومتنوّعة لصحّة الطفل النفسانيّة؛ كالأدوية والعلاج السريريّ من قبل اختصاصيّ نفسانيّ، وبناء نمط حياة صحّيّ يعتمد على التغذية السليمة وممارسة الرياضة والاشتراك في الفعّاليّات الاجتماعيّة.

العيوب الخَلقيّة في القلب
طبّ قلب الأطفال هو اختصاص حديث، وعن ذلك يقول د. خطيب: تطوّر طبّ قلب الأطفال في السنوات العشرين الأخيرة مع تطوّر التكنولوجيا؛ فكلّما تطوّرت التكنولوجيا أكثر، زاد تطوّر طبّ قلب الأطفال.. وأمراض القلب الّتي تعتبر من الأمراض الخَلقيّة، أي الولاديّة الخاصّة بالتشوّهات القلبيّة، كالّذين يولدون بتشوّهات قلبيّة، قد نتمكن من تحسين حالتهم إذا اكتشفنا المرض مبكّرًا عن طريق التشخيص الصحيح. وهكذا يمكننا علاجه بنجاح بعد التطوّر المُذهل في أساليب العلاج. إنّ إمكانيّات التشخيص أصبحت أفضل، حيث يبدأ التشخيص، اليوم، منذ ما قبل الولادة، بالتصوير الدقيق لمبنى القلب وكيفيّة انتقال الدم من الشرايين إلى القلب. كما أنّ العلاج تطوّر بطرق حديثة، حيث تتمّ معالجة الأطفال عن طريق عمليّة جراحيّة أو قسطرة، تحلّ المشكلة من دون أدوية. وتُعطى الأدوية بشكل مؤقّت حتّى يحين موعد الجراحة أو القسطرة. وعلاج الأطفال يختلف عن معالجة الكبار، حيث يتعالج الكبار، عادةً، بالأدوية عند حدوث فشل في عمل القلب.

- ما الّذي دفعك للتخصّص بالعيوب الخَلقيّة في القلب لدى لأطفال؟
د. إيهاب خطيب:
يأتي تخصّصي بالعيوب الخَلقيّة في القلب عند الأطفال، بعد اختصاصي بطبّ الأطفال؛ استكمالًا لهدفي في المساهمة من أجل أطفال أصحّاء ودعم صحّة الطفل في مجتمعنا؛ فالطفل هو مستقبل المجتمع. وعلى الصعيد الشخصيّ تخصّصت بطبّ القلب لأنّه في تطوّر دائم، ويشهد في السنوات الأخيرة تغييرًا كبيرًا وتطوّرًا في وسائل التشخيص والعلاج، خصوصًا عند الأطفال.

- ما هي الأمراض القلبيّة المنتشرة لدى الأطفال، وكيف يتمّ تشخيصها وعلاجها؟
د. إيهاب خطيب:
إنّ أمراض القلب المنتشرة لدى الأطفال تُقسم إلى مجموعتين: مجموعة الأمراض الولاديّة؛ ومعظمها عيوب خَلقيّة أو اضطرابات في النبض من دون عيب خَلقيّ يُذكر؛ ومجموعة الأمراض المُكتسَبة، مثل التهابات قد تصيب عضلة القلب أو أضرار ضغط الدم المرتفع على القلب، وتصلّب شرايين القلب.
عيوب القلب الخَلقيّة هي مشاكل في بُنية القلب عند الولادة، ويمكن أن تشمل هذه العيوب:
- الجدران الداخليّة للقلب؛ جدار غير متكامل يغيّر تدفّق الدم في القلب.
- الصِّمامات داخل القلب؛ توسّع أو تضيّق في الصِّمام.
- الشرايين والأوردة الّتي تحمل الدم من وإلى القلب - تضيّق في الشريان أو انقطاعه.
وتُراوح عيوب القلب بين عيوب بسيطة من دون أيّ أعراض لتشوّهات بالغة التعقيد، وبين أعراض تهدّد حياة الطفل.
عيوب القلب الخَلقيّة هي الأكثر شيوعًا بين العيوب الولاديّة عند الأطفال، فهي تصيب 8 من بين كلّ 1000 مولود. والعديد من هذه العيوب بسيطة - كما ذكرت - فلا تحتاج لأيّ علاج أو أنّه يتمّ علاجها بسهولة. أمّا بعض الأطفال فيولدون مع مشكلة، أو لنقُل عاهة مركّبة في القلب، يحتاجون من جرّاءها إلى علاج مكثّف منذ اللّحظات الأولى لولادتهم.
لقد تحسّنت في السنوات الأخيرة وسائل التشخيص لأمراض القلب، مثل تطوّر أجهزة التشخيص فوق الصوتيّة («الأولترا ساوند») والتصوير بالرنين المغناطيسيّ (MRI) أو التصوير المقطعي المُحوسَب (CT). فاليوم بالإمكان تشخيص معظم عيوب القلب الخَلقيّة بوساطة جهاز التصوير فوق الصوتي (U.S) حتّى قبل الولادة، ويتمّ فحص الجنين وتشخيص عيوبه الخَلقيّة، وخصوصًا العيوب المعقّدة منها.
كما أنّ التطوّر الكبير والمستمر في علاج أمراض القلب المركّبة بوساطة قسطرة القلب أو عمليّات القلب، ساهم في تحسين جودة حياة مرضى القلب، ونتيجة لذلك، نجد أنّ جميع الأطفال، تقريبًا، الّذين يعانون عيوبًا معقّدة في القلب، يبقون، اليوم، على قيد الحياة.
أكثر عيوب القلب الخَلقيّة انتشارًا الثقب في جدار القلب العازل بين البُطينين، ويليه الثقب بين الأُذينين، القناة الشريانيّة المفتوحة (Patent ductus Arteriosus)، تضيّق الصِّمام الرئويّ، ومرض انقلاب الشرايين الكبيرة (الأورطي والرئويّ).
وبفضل التطوّر الطبّيّ، فقد تعدّدت جدًّا طرق العلاج، اليوم؛ حيث إنّ قسمًا كبيرًا من العيوب يحتاج إلى المتابعة فقط، وقد يُشفى الطفل تلقائيًّا عند نمو قلبه. مثلًا، ثقب الجدار بين البُطَينين يبرأ تلقائيًّا في 30% إلى 40% من الحالات، خلال العامين الأوّلين من الولادة.
في بعض الحالات يعالج الطفل بالأدوية حتّى يُشفى تلقائيًّا، أو حتّى يتمّ العلاج الجراحيّ في عمر أو وزن ملائمين، وهناك بعض الحالات الصعبة والخطيرة الّتي تحتاج إلى علاج جراحيّ فوريّ، قد يكون في الأيّام الأولى من حياة الطفل. وبفضل التطوّر الكبير في مجال العلاجات عن طريق القسطرة، نقوم، اليوم، بإصلاح/تصحيح عيوب خَلقيّة عديدة في القلب من دون إجراء عمليّة قلب مفتوح، مثل علاج معظم الثقوب بين الأذين والقناة الشريانيّة المفتوحة. حتّى إنّه أصبح ممكنًا، اليوم، زراعة صِمامات داخل القلب بوساطة القسطرة من دون الحاجة إلى إجراء عمليّة جراحيّة.
ويجب أن نذكر، أنّه في حالات صعبة ومركّبة، ننصح بعمليّة إجهاض كَيْلا يعاني الطفل بعد الولادة مدى الحياة، أو يتعرّض، لاحقًا، للوفاة.

مخفّف لدرجة الحرارة
- وإلى ظاهرة أخرى.. يسرع، عادةً، الأهل بإعطاء أطفالهم مخفّفًا لدرجة الحرارة.. ما هو تعقيبك على ذلك؟
د. إيهاب خطيب:
غالبيّة الأمراض الّتي ترفع من حرارة الجسم عند الأطفال هي أمراض ليست بخطيرة، والشفاء منها لا يحتاج إلى إعطاء عقّار أو دواء خاصّ. غالبًا ما يكون المسبّب هو ڤيروس ينتقل بالعدوى بين الأطفال أو البالغين.
ارتفاع حرارة جسم الطفل قد يؤدّي - في حالات نادرة جدًّا - إلى تشنّج في عضلات الطفل المريض (بين عمر 6 أشهر إلى 6 سنوات، عادةً)؛ تستمرّ هذه الحالة، عادةً، بضع ثوانٍ أو دقائق قليلة؛ ولقد أثبتت الأبحاث أنّها لا تشكّل خطرًا عصبيًّا أو تأخّرًا في تطوّر الطفل؛ إلّا في حالات نادرة جدًّا؛ عندما تطول وضعيّة التشنّج.
علاج الحرارة المرتفعة يتمّ بإعطاء أدوية خاصّة لخفض حرارة الجسم، تساعد، عادةً، في تخفيف الألم، أيضًا، إذا كان موجودًا؛ مثل دواء الپاراتسيتامول، الأكمول أو النوڤيمول (أو الإپوپروفين)، والنوروفين، حيث تُحدَّد كمّيّة الجرعة بناءً على وزن الطفل.
هذه الأدوية آمنة، وأعراضها الجانبيّة نادرة جدًّا؛ وطبعًا، يُنصح باستعمالها بشكل متّزن وعدم زيادة الجرعة.
يجب ألّا يسارع الأهل، دائمًا، إلى إعطاء طفلهم مخفّفًا للحرارة، لمجرّد ارتفاع درجة حرارة جسمه قليلًا، فمن المفضّل استشارة الطبيب؛ إذ إنّه في حالات كثيرة - كما ذكرت - لا تكون هناك حاجة إلى ذلك.

المضادات الحيويّة
- بعض أطبّاء الأطفال، كذلك، يسارعون إلى إعطاء المضادّات الحيويّة على كلّ كبيرة وصغيرة، والبعض الآخر يمتنع عن ذلك، فكيف يمكن للأهل معرفة العلاج الأفضل؟
د. إيهاب خطيب:
ما تقوله صحيح. وهنا أوّد أن أفسّر بأنّ الالتهابات في الجسم تنقسم إلى 3 مجموعات رئيسة:
(1) التهابات ناجمة عن ڤيروسات مختلفة؛ ومعظم هذه الالتهابات تزول تلقائيًّا مع شفاء الطفل تمامًا، من دون إعطائه أدويةً خاصّة بتاتًا؛ فجهاز المناعة عند الإنسان قادر على مقاومة معظم الڤيروسات والتخلّص منها من دون مساعدة الأدوية؛ قد نعطي الطفل دواءً لتخفيف أعراض الالتهاب، ولكن ليست مضادّات ضدّ الڤيروسات. في حالات معيّنة، عندما يعاني الطفل نقصًا أو خللًا مكتسَبًا أو ولاديًّا في جهاز المناعة، أو أنّه يكون معالَجًا بأدوية قد تؤدّي إلى إضعاف جهاز المناعة لديه، نقوم بعلاجه بوساطة مضادّات ضدّ الڤيروسات؛ فمثلًا، الأطفال المعالجون بأدوية كيميائيّة ضدّ الأمراض السرطانيّة المختلفة، تُضعف هذه الأدوية جهاز المناعة لديهم.
(2) التهابات ناجمة عن البكتيريا أو الجراثيم.. نسبة هذه الالتهابات أقلّ بكثير من نسبة الالتهابات الڤيروسيّة، ويُنصح، عادةً، بعلاجها بوساطة المضادّات الحيويّة؛ مثل الالتهاب الجرثومي الرئويّ أو الالتهابات في المسالك البوليّة. إنّ الجراثيم موجودة في البيئة الّتي نعيشها: على أسطح الطاولات، على مفاتيح الحاسوب، أو على الهاتف، حتّى إنّها موجودة على جسم الإنسان؛ كالجلد، الأنف أو الفم. في معظم الأحيان، يتغلّب جهاز المناعة على الجراثيم، مانعًا إيّاها من التسبّب بالتهاب موضعيّ؛ لكن في حال عدم تمكّن الجسم من مقاومة البكتيريا والتسبّب بالالتهاب، عندها يجب التدخّل وإعطاء المضادّات الحيويّة الملائمة.
(3) التهابات ذاتيّة سببها نظام داخليّ في الجسم، لا علاقة له بالڤيروسات أو الجراثيم؛ ففي حالات معيّنة يظهر التهاب في عضو معيّن من الجسم أو أعضاء مختلفة في جسم الطفل، ناجم عن التهاب المفاصل المزمن لدى الأطفال مثلًا، أو أمراض جلديّة ذاتيّة. تُسمّى هذه الأمراض أمراض المناعة الذاتيّة، وعلاجها مختلف عن علاج أمراض الالتهابات الأخرى. ولسبب تنوّع أسباب الأمراض عند الأطفال يجب التدقيق في التشخيص الصحيح لإعطاء العلاج المناسب والقيام بفحوصات مخبريّة من دون الإفراط في العلاج بالمضادّات الحيويّة، لمجرد ارتفاع بسيط في درجة الحرارة، أو التهاب يمكن لجهاز المناعة التغلّب عليه..
فبسبب الاستعمال المُفرط للمضادّات الحيويّة تطوّرت أنواع من الجراثيم المقاومة للمضادّات، وأصبحت الإصابة بها والعدوى تشكّلان خطرًا على حياة الإنسان، الأطفال وحتّى البالغين.

تطعيمات الأطفال
- هل هناك سياسة جديدة بخصوص تطعيمات الأطفال، تختلف عنها قبل عشر سنوات؟
د. إيهاب خطيب:
التّطعيمات تحمي الأطفال من مجموعات متنوّعة من الأمراض الخطيرة، بما في ذلك الخُناق (الـ"دفتيريا") والحصبة والتهاب السحايا وشلل الأطفال والكُزاز (الــ"تتنوس") والسُّعال الديكيّ. لقد أصبحت هذه الأمراض نادرة جدًّا بفضل التطعيمات. هدف التطعيم هو تدريب جهاز المناعة على مقاومة المرض من دون الإصابة بالمرض.

لا إثبات أنّ التطعيمات تؤدّي إلى التوحّد
يؤكّد لنا د. إيهاب خطيب جانبًا هامًا، وهو نفي الادّعاء المغلوط فيه بأنّ التطعيمات تسبّب مرض التوحّد (Autism)؛ فالتطعيمات لا تسبّب حالة التوحّد؛ رغم الجدل القائم حول الموضوع، حيث لم يصل الباحثون إلى أيّ علاقة بين التطعيم والتوحّد؛ حتّى إنّ البحث الوحيد الّذي ادّعى وجود علاقة قد تمّ سحبه ولم يُدوّن في الأدبيّات الطبيّة كمرجع؛ لسبب كونه مغلوطًا فيه.
ويضيف د. إيهاب خطيب: يُعطى، اليوم، 12 تطعيمًا للأطفال في البلاد:
- التطعيم الخماسيّ، ضدّ: الخُناق، الكُزاز، السُّعال الديكيّ، شلل الأطفال، والمُستدمية النزليّة (The Haemophilus Influenzae - Hib)؛ ويُعطى هذا التطعيم الخماسيّ خلال السنة الأولى من عمر الطفل، على مراحل: في سنّ شهرين، أربعة أشهر، ستة أشهر، وسنة.
- التطعيم الرباعيّ، ويُعطى ضدّ 4 أنواع من الأمراض: الحصبة، الحصبة الألمانيّة، النُّكاف (Mumps)، بالإضافة إلى الجدري؛ ويُعطى هذا التطعيم في سنّ سنة وفي الصفّ الأوّل.
- تطعيم ضدّ الـ"پنيموكوك" (جرثومة تسبّب التهابًا رئويًّا أو التهاب الأذنين، غالبًا)، ويُعطى هذا التطعيم خلال السنة الأولى، في سنّ شهرين، أربعة أشهر، وسنة.
- تطعيم ضدّ التهاب الكبد الوبائيّ من النوع A وB. ويُعطى التطعيم ضدّ التهاب الكبد الوبائيّ من النوع B في المستشفى، بعد الولادة، وفي سنّ شهر و6 أشهر. أمّا التهاب الكبد الوبائيّ من النوع A فيُعطى في سنّ 6 أشهر وسنتين.
- تطعيم ضدّ ڤيروس «روتا» المسبّب للإسهال، ويُعطى في سنّ شهرين،4 أشهر، و6 أشهر.

نُدرة ظهور أمراض معيّنة تعود إلى التّطعيمات
- في الآونة الأخيرة نجد حركات تعمل ضدّ التطعيم، ونرى انتشارًا لها في دول أوروپيّة متحضّرة، فهناك عدد كبير من الأهالي يمتنعون عن تطعيم أطفالهم، ويدّعون أنّ ذلك لا يؤثّر على حياة أطفالهم، والفكرة آخذة بالانتشار، فلماذا يجب تطعيم الأطفال إذًا؟!
د. إيهاب خطيب:
الرُّضَّع الحديثو الولادة محميّون عن طريق انتقال مضادّات من الأم إلى الجنين للعديد من الأمراض، لكن هذه الحماية تزول خلال السنة الأولى من حياة الطفل، كما أنّ بعض الأمراض، مثل السُّعال الديكيّ، لا تتوافر لها حماية عند الولادة.
إذا تعرّض طفل لم يتلقَّ التطعيمات إلى أيّ مرض، فإنّ جهاز المناعة لديه غير قادر دائمًا على مقاومة المرض؛ ويكون، عندها، عُرضة لخطر الإصابة بمرض مُزمن، كما بشلل الأطفال مثلًا، أو حتّى الموت أحيانًا، من السُّعال الديكيّ أو الحصبة؛ فقبل عصر التّطعيمات مات العديد من الأطفال لسبب هذه الأمراض. إنّ مسبّبات الأمراض ما زالت موجودة إلى اليوم، ولكنّ الفضل في نُدرة ظهور هذه الأمراض يعود إلى تجاوب الأهل مع مطلب تطعيم أطفالهم.
إنّ إعطاء التّطعيم للطفل يساهم، أيضًا، في حماية صحّة مجتمعنا؛ وخصوصًا أولئك الّذين لا يمكن تطعيمهم؛ وهذا يشمل الرضّع الّذين هم أصغر من أن يتمّ تطعيمهم، مثل لقاح الحصبة الّذي يُعطى في سنّ سنة؛ فالطفل دون هذه السنّ محميّ بعدم نقل المرض إليه عند تطعيم الأكبر منه سنًّا، وأولئك الّذين لا يمكن تطعيمهم كمرضى سرطان الدم (اللوكيميا)، أو الّذين لا يستجيبون للتطعيم ولا تتكوّن لديهم خلايا ذاكرة لإنتاج المضادّات في حال تعرّضهم للمرض.
ويستطرد د. إيهاب خطيب، قائلًا: يولد الطفل مع جهاز مناعة ناجع وفعّال حيث يحميه من هجمات يوميّة عديدة، كالجراثيم أو الڤيروسات؛ وغالبًا ما لا تظهر أيّ أعراض على الطفل. إنّ جهاز المناعة بأقسامه العديدة قادر على ردع مئات الهجمات يوميًّا؛ وعند محاربة جسيم غريب، تُنتج خلايا المناعة مضادّات ضدّ هذا الجسيم تساعد في القضاء عليه. ومن خاصيّة جهاز المناعة أنّه تتشكّل لديه خلايا ذاكرة قادرة على إنتاج مضادّات بسرعة عند تعرّض الجسم لهجوم جديد مشابه للبكتيريا نفسها أو الڤيروس نفسه. على هذا الأساس تُبنى التطعيمات، حيث نعرِّض جهاز المناعة لتركيبة أضعف أو تركيبة "مُيِّتَت"، أو إلى پروتين تابع للڤيروس أو البكتيريا داخل التطعيم، فيقوم جهاز المناعة بتطوير مضادّات ضدّها من دون الإصابة بالمرض. وعندما يتعرّض الطفل - في المستقبل - لنوع معيّن من الڤيروسات، فإنّ خلايا الذاكرة تُنتج المُضادّات فورًا، وتقضي على الڤيروس، مانعةً إيّاه من إحداث المرض.

الوقاية من المرض تحافظ على حياة الآخرين
ويختتم د. إيهاب خطيب حديثه، قائلًا: الوقاية من الأمراض هي مفتاح الصحّة العامّة؛ ومَنع المرض أفضل من علاجه. فالتطعيمات تحمي مَن يحصل عليها، وأيضًا مَن يتواصل معه؛ فتطعيم عدد كبير من الناس يمنع انتشار المرض لدى غير المطعَّمين أيضًا، لذلك تكون الحماية مضاعفة.
اللقاحات/التّطعيمات لها الفضل والفائدة الكبيران في الحدّ من العديد من الأمراض حول العالم؛ كشلل الأطفال، الحصبة، الخُناق (الـ"دفتيريا")، الكُزاز (الـ"تتنوس")، والسُّعال الديكيّ. كما أنّ التطعيم ضدّ وباء الجدري (Smallpox) ساهم في اجتثاثه من العالم، بعدما كان أحد أكثر الأمراض فتكًا بالإنسان.
على مرّ السنين مَنعت التطعيمات الكثير من حالات المرض، وأنقذت حياة ملايين الأطفال والبالغين، وتُعتبر أحد أهمّ التطوّرات الطبّيّة في العصر الحديث.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]