اشتهرت مدينة عكا، منذ نحو قرنين من الزمن، وفي عهد الحكم العثماني بحمام الباشا ،وهو من اشهر معالمها الاثرية، حيث أنه حمام كبير فخم بناه حاكم عكا أحمد باشا الجزار عام 1795. أقيم هذا الحمام على طراز الحمامات الإسلامية، حيث لا توجد به نوافذ، إنما يستمد أنواره من الزجاج الملون في سقفه المقبب، وعند مدخل الحمام نجد العديد من الغرف التي تستخدم لخزن متعلقات الحمام ومنها الحطب الذي يستخدم في تسخين المياه.

إميل غطاس - وهو من مواليد عكا عام 1956 - راوده حلم منذ نعومة اظفاره باعادة التراث التركي الى بلد الجزار... حلم راوده كثيرا في صباه حين كان والده يصطحبه الى الحمام الشعبي وهو في سن الثامنة... وبعد حوالي خمسة عقود تحقق الحلم اخيرا... كان تنفيذ المشروع بمثابة ضرب من المستحيل.. لكن غطاس لم ينحن امام الصعاب وبذل الغالي والنفيس في سبيل ذلك. وأخيرا، وبعد جهد عظيم، تنفس الصعداء وتحقق الحلم...

اشعر انني ولدت من جديد
استقبل غطاس مراسلنا عند مدخل الحمام، حيث غرفة الاستقبال، وراح يستذكر السنوات الصعبة من الجهد والتعب والإرهاق، وقال: "كان حلم حياتي منذ الصغر، فقد ابتعت هذا المبنى وبدأنا بالترميم. كان مشوارا طويلا من التعب والارهاق وسهر الليالي، وأحينا من المرض. بالنسبة لي يعتبر افتتاح هذا الحمام مشروع حياة. وبالمناسبة، ليس من أجل الربح المادي ابدا. لقد ولدت في عكا القديمة عام 1956 وكان والدي يصطحبني احيانا الى الحمام الشعبي انذاك، وكنت في الثامنة من عمري. لم تفارق هذه الصورة مخيلتي خلال عقود، وقد صممت وقررت اعادة التراث التركي الى عكا كما كانت في هذه الجزئية.. لقد استمر هذا الجهد من اعداد هذا الحمام اربع سنوات، وقد عشت اياما صعبة كادت تدب في نفسي اليأس، لكن زوجتي وابنائي قدموا لي كل الدعم المعنوي، ولولاهم ما تحقق الحلم. وكما تعلمون، فإن رحلة الالف ميل تبدأ بخطوة واحدة، وأنا أحمد الله ان الحلم تحقق اخيرا".

أغصان الخروب وبيت النار
بعد ذلك رافقنا الابن كمال، مدير الحمام، الى المحطات المختلفة داخل الحمام وراح يسرد ويشرح سيرورة العملية: نستقبل الزبون في غرفة الاستقبال ونقدم له الضيافة التقليدية بحسب اصولها العربية، من ثم ينتقل الزبون ليدخل الى غرقة تبديل الملابس، وهناك تنتظره الملابس الخاصة بالحمام، ليدخل بعد هذه المرحلة إلى حمام البخار. كل ذلك يرتبط بالتأكد من أنه لا يعاني من ضغط دم عال او صعوبة بالتنفس، ففي هذه الحالة لا يسمح له بدخول غرفة البخار. في غرفة البخار الساخنة، يأخذ الزبون قسطا من الراحة وهو مستلق على بطنه، ومن ثم يقوم احد المختصين بتدليك ظهرة بحزمة من اغصان الخروب المبللة بالماء الساخن. بعد هذه المرحلة، يخرج ويستلقي على طاولة الرخام المضلعة الشكل، وهي موجودة فوق بيت النار. في هذه المرحلة، يعيش الزبون دقائق من الراحة الجسدية والنفسية، حيث يبلل جسمه برغوة صابونة زيت الزيتون المعطرة ويبدأ المختص بفرك انحاء جسمه وتدليكها على انغام وموسيقى أيام زمان. كذلك، هناك مراحل اخرى لمن يريد مثل المساج التركي او السويدي وغرفة الساونا الحارة والجافة.....".

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]