*نتطلع بأمل وبحذر إلى المفاوضات التي بدأت بعد توقف دام أكثر من ثلاث سنوات، متمنين أن تفتح أبواب الحرية الموصدة والمكبلة بالحديد والمستوطنات وبمتغيرات متسارعة على الأرض الفلسطينية والتي يصحبها أصوات عنصرية متطرفة في الجانب الإسرائيلي لا زالت ترى في الضفة الغربية إحدى مستعمراتها التوراتية.

وتحتل قضية إطلاق سراح الأسرى الأساس في هذه الانطلاقة الجديدة للمفاوضات، وربما تكون الأهم وجدانيا وإنسانيا وأخلاقيا ، وقاعدة من قواعد المرجعيات الرئيسية للجلوس على طاولة التفاوض مع الطرف الإسرائيلي.

إن كنت مطمئنا إلى حد كبير هذه المرة فذلك يعود إلى موقف الرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية التي أصرت أن يكون إطلاق سراح الأسرى جزء من التسوية السياسية ومدخلا لقياس مدى مصداقية إسرائيل في مفاوضات سلمية جادة وقائمة على تمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه العادلة والمشروعة.

وأقول بصراحة أن الرئيس أبو مازن وهو أشجع رئيس في العالم يقاتل من أجل السلام العادل في المنطقة، يعتبر الإفراج عن الأسرى قضيته الشخصية تلقي عليه مسؤولية عالية تجاه أبنائه وبناته الذين يرزحون خلف القضبان، يتجرعون الألم والعذاب سنوات طويلة.

لم تعد قضية الأسرى خاضعة لمقاييس ومعايير إسرائيلية كالسابق، بعد أن أدركت إسرائيل والعالم أن هذه القضية تحتل المكانة الكبرى في الرأي العام الفلسطيني والدولي، بل القنبلة التي ستفجر كل شيء إذا تم التلاعب بها أو تجاوزها، لأن حق الإنسان بالحياة والحرية هو من أقوى الحقوق منذ أن خلق الله هذا الكون.

ومع كل هذا هناك أصوات يمينية في إسرائيل تحاول أن تظهر الإسرائيليون دائما أنهم الضحية، وأنهم قدموا تنازلات مؤلمة، وتحاول أن تضع اشتراطات وتعقيدات أمام سبيل إطلاق سراح الأسرى خاصة المعتقلين قبل إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994.

إن خداع العالم، ووضع ستار وهمي على دولة تتجه نحو العنصرية وتمارس الجريمة المنظمة بحق الشعب الفلسطيني، المتعالية على كل القوانين الدولية والإنسانية، عليها أن لا تنسى أنها تحولت إلى دولة ملاحقة عالميا ، معزولة، بدأت العقوبات الدولية تمارس بحقها بسبب عدم احترامها لحقوق الشعب الفلسطيني، وأنها دولة تسير نحو الانتحار السياسي والاجتماعي كما يقول مفكروها والمتنبئون بمستقبلها.

إطلاق سراح كريم يونس عميد الأسرى وأقدمهم أولا، وعدم استثناء أسرى أل 48 والقدس هو ما ينتظره الشعب الفلسطيني خلال الأشهر القادمة ، إذ لا يمكن أن نتحمل أن يبقى كريم يونس وزملائه بالسجن بعد ثلاثة عقود من الظلم الإنساني والسياسي.

كريم يونس هو الذي يفتتح وجه المفاوضات، ويحدد مسارها لاحقا، وهو الذي يطالبنا باسم معاناته الأسطورية أن نضع جدولا زمنيا للإفراج عن سائر الأسرى وكجزء من الحل السياسي والتسوية الشاملة.

كريم يونس لا زالت القيود في يديه، ينظر حوله فيرى أسرى مرضى ومعاقين ومصابين بأمراض خبيثة، ويرى القادة مروان البرغوثي واحمد سعدات والنواب وفؤاد الشوبكي وكبار السن ولينا جربوني والأطفال والنساء ومئات الأسرى المحكومين بالمؤبد، ويرى انتهاكات فظيعة بحق الأسرى، وسجانين لا يجيدون سوى القمع والعقوبات وحفلات الضرب بحق المعتقلين.

ويرى كريم متطرفين إسرائيليين أطلق سراحهم بعد ارتكابهم جرائم بحق فلسطينيين ،وقادة إسرائيليين لا يعترضون على إطلاق سراح أسرى في حالة خطف جنود إسرائيليين، وإنما يعترضون على ذلك في حالة السلام والمفاوضات ليقول: أنها دولة مجنونة تعشق الحرب وتطلق النار على السلام والتعايش وعلى نفسها.

صحيح أن الاسير كريم يونس يحمل الهوية الإسرائيلية بسبب صموده وبقاءه في بلده بعد نكبة 1948، ولكنه ليس "عامي بوبر" الذي قتل سبعة عمال فلسطينيين وتزوج وأقام عائلة ويعيش في ظروف خمس نجوم بالسجن، وليس "دايفيد بن شيمول" الذي قتل فلسطينيا وتم الإفراج عنه وليس"يورام شكولينك" الذي قتل فلسطينيا مكبل الأيدي وخفض حكمه المؤبدة أطلق سراحه، إن كريم يدفع ثمن هويته الفلسطينية والقومية ويرفض أن يكون جزءا من هذه الكارثة الإسرائيلية.

إن كريم يونس الضحية الذي سنراه قريبا محررا، المحكوم عليه بالإعدام الإنساني، والذي حرم من حضور جنازة والده أو زيارة قبره، واكتفى برثاء بعيد له من خلف القضبان، رجل غير قابل للمساومة أو الابتزاز، يضع كرامته أولا أمام الجميع ، ويعلن جهرا أنه فلسطيني ناضل من اجل الحرية وخلاص شعبه من براثن الاحتلال، وان حريته هي جزء من حرية شعبه وأرضه وقدسه العاصمة.

كريم يونس الضحية والذي لم يطرق حتى الآن بوابات المؤسسات الدولية والإنسانية بعد الاعتراف بفلسطين كدولة عضو مراقب في الأمم المتحدة ، لم يجلس أمام لجنة اتفاقيات جنيف كأسير حرية ويخلع قميصه الاعتقالي ويتقيا ما في داخله من أوجاع وآلام وليبحث عن نص آخر أوسع لفضاء العدالة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]