اعتقال رافقه عزل وعقاب ورفض أمني ومنع متعمد من الزيارة ذاقته العديد من زوجات الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما الأسرى الذين يقضون أحكاماً طويلة في الأسر، والذين تنقم عليهم "اسرائيل" وتتعمد حرمانهم من الزيارات.

في التقرير الآتي، يركز مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان، على معاناة نماذج من زوجات الأسرى في سجون الاحتلال لا يزرن أزوجاهن منذ أعوام، بسبب رفض الاحتلال الموافقة على منحهن تصاريح زيارة، ومن هذه النماذج:

السيدة أم عبد السلام، زوجة الشيخ الأسير القائد جمال أبو الهيجا من مدينة جنين، والتي أكدت في حديثها لمركز أحرار الذي تفوح منه رئحة الصبر والاحتساب، إنها لم تزور زوجها منذ 10 أعوام أو أكثر...

وتقول أم عبد السلام:" عشر سنوات وأكثر لا يمكن تخيلها.. فليس بالأمر السهل أن لا ترى الزوجة زوجها طيلة فترة كهذه، ولكننا هنا في فلسطين أرض الرباط نعيش واقعاً فرضه وجود المحتل الاسرائيلي علينا".



وتضيف:" عندما أرى صورة تأتي لنا من داخل الأسر، أرى أن كل شيء في أبي عبد السلام قد تغير، ملامحه وشكله، يصيبني الذهول عندما أراه في الصور، ثم أقول في نفسي: "هي معالم غابت عقداً من الزمن، فكيف ستبقى على ما كانت عليه؟؟.. لقد تغير أبو عبد السلام.. وغيرته مرارة الأسر والعزل الذي قضى فيه من حياته ثمانية أعوام ونصف.

وتأمل أم عبد السلام في حديثها المملوء بالحزن والألم، لو أنها تتمكن من زيارة زوجها مرة واحدة تراه فيها، فغيابه قد طال كثيراً لكن مصير الحي اللقيا وإن طالت الأزمنة.. حالمة أم عبد السلام بأن يأتي زوجها لبيته وبين عائلته، وأن ينتهي الحكم الجائر الذي أصدره الاحتلال بحقه، والذي يقضي بسجنه تسع مؤبدات و20 عاماً.

نموذج آخر من هؤلاء النساء الصابرات، اللواتي منعهن الاحتلال لقيا أزواجهن حتى في الأسر، إنها أم عبد الله، زوجة الأسير عباس السيد من مدينة طولكرم، والتي لم تزر زوجها منذ 7 سنوات وتقول إن حلمها الآن يتوارى خلف زيارة له في سجنه، وسماع صوته عبر ذلك الهاتف، فلقد مرت السنوات، دون أن ترى وجهه وتسمع صوته، بسبب المنع الأمني الذي يفرضه الاحتلال، وهو الأمر الذي ترك في نفس أم عبد الله أثراً سببه الاحتلال وحكمه على زوجها بالسجن المؤبد 36 مرة إضافة إلى 150 عاماً إضافية.

وتضيف أم عبد الله لأحرار:" إنها سنوات وليست أياماً وأسابيع يغيب فيها الإنسان عن شطر روحه... وعلى الرغم من أن أولاده يزورونه، إلا إنني أحلم بتحقيق زيارة لي أراه فيها في سجنه ولو لدقائق، لكن أحتاج أن أشعر بأنني زرته ورأيته وهي اللحظة التي أتخيلها دائماً، ولا بد لها وأن تكون بالعزيمة والتحلي بالصبر".



ولا تنتهي النماذج في فلسطين، من أمثال النساء الصابرات من زوجات الأسرى، فها هي أم جبير، زوجة الأسير عبد الخالق النتشة من مدينة الخليل، والتي اعتقل الاحتلال زوجها في أوائل العام الحالي 2013، ممنوعة من زيارته لأسباب "أمنية" يدعيها الاحتلال في كل مرة، وأم جبير لم تعش هذا الوضع خلال الاعتقال الحالي فقط، وإنما عاشت حرمان ومنعها من زيارة زوجها لمدة عشرة أعوام في أحد اعتقالاته، وعانت لحظات مريرة لا يمكن تصورها ولم تتمكن هي من وصفها لشدة مرارتها، فعاشت أم جبير في منزلها وحيدة، فهي وزوجها لم ينجبا الأبناء..



تقول أم جبير لمركز أحرار لحقوق الإنسان، تلك السيدة الصابرة المؤمنة القوية بعزيمتها:" عندما حرمني الاحتلال من زيارة زوجي لعشرة أعوام، عشت تلك الفترة بأسى وحزن وفراق قاتل وفراغ، وهذا لا يعني عدم الصبر والاحتساب في سبيل الله، إنما هي الفطرة التي زرعها الله في الروح والقلب والشوق للأحبة. حتى إنني وعندما خرج أبو جبير من ذلك الاعتقال، ذهلت لما رأيته.. لقد تغير كثيراً تغيرات بدت وكأنها أكثر من 10 أعوام، والآن يعتقل الاحتلال أبو جبير ويضعه رهن الاعتقال الإداري، ولم أتمكن من زيارته والاطمئنان عليه حتى الآن.. لكنني على تواصل معه بالدعاء في كل لحظة".

هذه هي نماذج من سيدات فلسطين.. اللواتي عرف عنهن القوة والثبات في الأزمات والتحمل والتضحية وتقديم الغالي والنفيس، يغيب الزوج أعواماً فلا تتخلى الزوجة عن وفائها له، ولا تنساه من دعائها، وتحمل هي المسؤولية.. ثم يرجع الزوج، فيرى زوجته تنتظره بابتسامة تحييه وتنحني إجلالاً لصبره وشموخه وتضحياته، ولا زال هناك الكثير من نساء فلسطين وزوجات الأسرى يعجز وصف عطائهن وتحملهن، لكن التاريخ سجل لهن كل ذلك.

من جهته قال مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان إن الاحتلال يخالف القوانين الدولية بحرمانه الأسير من رؤية أقاربه وأن حجج الاحتلال في حرمان الأسير حجج واهية لا قيمة لها والسبب الرئيس في الحرمان التضيق على الأسير الفلسطيني ومحاربته نفسيا من خلال هذا الحرمان من هذا الحق .

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]