اجتاحت حالة من الغضب والاحباط جمهور كرة القدم المكسيكية خلال مشوار المنتخب بتصفيات الكونكاكاف المؤهلة لكأس العالم، التي كان معتادا على اجتيازها بكل سهولة..السفر الى البرازيل كان مهددا حتى اللحظة الاخيرة.

الأداء السيء للمنتخب الأخضر دفع الاتحاد المكسيكي لتغيير أربعة مدربين خلال 42 يوما، مما اعتبر دربا من الجنون، وعبر كثيرون من سكان البلد اللاتيني عن رغبتهم في عدم تأهل المنتخب للمونديال، لأول مرة منذ نسخة 1990 في إيطاليا، لتجنب الفضائح والنتائج الكارثية.
غابت المكسيك عن المونديال طوال تاريخها خمس مرات فقط من أصل 20 بطولة، مما يبرهن على أن غيابها سيشكل صدمة وحدثا غير مألوف للمجتمع الكروي.

قبل سبعة أشهر على انطلاق المونديال، تم تكليف المدرب ميغيل هيريرا (46 عاما) بمهمة قيادة الـ"تري كولور" مؤقتا في الملحق الحاسم امام نيوزلاندا.

بالفعل كانت المكسيك في حاجة لـ"مجنون" مثل هيريرا، رجل مفعم بالحماس والطاقة قادر على إعادة الحياة الى جسد عملاق الكونكاكاف وإفاقته من الغيبوبة، فنجح في مهمته وصعد ببلاده للمونديال بعد معجزة، ومكافأة له تم تكليفه بقيادة الخضر في البرازيل.

حظى هيريرا بدعم المشجعين المكسيكان حين تولى ثاني أهم منصب بعد رئيس البلاد لعدة أسباب، يمكن تلخيصها في الآتي:

1 - شجاع وجريء لا يخشى من تحمل المسئولية، وطموح، طالما تطلع لتدريب المنتخب الأول، وأعلن ذلك صراحة اثناء النتائج السلبية في التصفيات، رأى نفسه الأجدر للمنصب.

2 - فاز مع فريق كلوب أمريكا بلقب دوري كلاوسورا 2013 بعد أداء ممتع وكرة هجومية جميلة، فهو يعشق الهجوم، حتى حين يضطر للدفاع امام خصم أقوى، فإنه يبحث عن سبل لتهديد مرمى المنافس (كما فعل امام البرازيل)، رغم أنه كان يلعب في شبابه كمدافع.

3 - يملك شخصية مرحة وساخرة، ويظهر ذلك في تصريحاته التي تشابه أسلوب البرتغالي الاستثنائي جوزيه مورينيو، حتى أنه لا يغضب من تلقيب الجماهير له بـ"القملة" بسبب قبحه وبدانته، بل اعترف بأنه يحب هذا اللقب، لأنه يجعله فريدا من نوعه مثل لقب النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي بـ"البرغوث"، كما أنه يتواصل مع معجبيه باستمرار على موقع (تويتر).

كيف قاد هيريرا الثورة المكسيكية في المونديال؟

لم يبن خبراء اللعبة أي آمال على المكسيك في كأس العالم، وتوقعت الغالبية العظمى خروج اللاتينيين مبكرا من المجموعة الأولى التي تضم صاحبة الضيافة البرازيل، ومنتخب كرواتيا القوي أوروبيا، وأن يلقى نفس مصير الكاميرون، ممثل أفريقيا الضعيف.

كانت لتلك الآراء كل الحق، فمسيرة المكسيك في التصفيات كانت مخيبة للآمال، كما أنها لا تملك كتيبة من النجوم اللامعين والمحترفين، وأكثرهم شهرة هو خافيير هرنانديز "تشيتشاريتو" المهاجم الاحتياطي لمانشستر يونايتد الإنكليزي.

لكن كل من عرف شخصية هيريرا، كان لديه أمل في تحقيق المفاجأة، فهو رجل يعشق التحديات، ولا يعبأ بالنقد، ففي فترة شبابه كان يختار قصات شعر غريبة تدعو للسخرية، لكنه لا يهتم بآراء الغير، حتى طريقة احتفاله الجنونية بالأهداف لا تتماشى مع تأنقه في سترة رسمية.
طرق الاحتفال الغريبة وتعبيرات وجهه الكوميدية جعلت من هيريرا ربما المدرب الأشهر في المونديال، وملأت صوره مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الجرائد، لكن بخلاف ذلك استحق الإشادة من الجميع، فقد شكل منتخبا ممتعا هو الأكثر ثباتا في المستوى والأقوى دفاعيا وبين الأفضل هجوميا في المونديال، وتغيرت البوصلة ليصبح مرشحا للوصول الى أبعد نقطة في البطولة.

بدأ هيريرا المونديال بشكل مقنع امام الكاميرون وفاز بهدف واحد، لكنه هاجم الحكم لعدم احتساب هدفين صحيحين لجيوفاني دوس سانتوس، ربما كانا سيصعدا به للصدارة لاحقا على حساب السيليساو.

أذهل هيريرا ورجاله العالم في مباراة البرازيل، فرغم الضغط الجماهيري الهائل وحماس راقصي السامبا في الملعب، الا أنه قدم عرضا ممتازا دفاعيا وهجوميا أحرج به صاحب الأرض، وخدمه التألق الاستثنائي للحارس غييرمو أتشوا، الذي راهن عليه ودفع به أساسيا في البطولة رغم الشكوك حول مستواه، لكنه الآن أصبح حديث العالم.

رغم كل المدح، تعامل هيريرا مع الأمر بتواضع شديد، وصرح "النتيجة جيدة، لكنها ليست مدهشة كما تدعون، فريقي قادر على مواجهة أي خصم مهما كان، لن نقلل من شأننا".

وقبل ايام من البطولة حين سؤل عن سقف طموحه، قال دون تردد "الوصول للنهائي يوم 13 تموز/يوليو، والفوز باللقب".
كان ختام مرحلة المجموعات أروع بالفوز الكبير على كرواتيا 3-0 في الجولة المصيرية، رغم أن مدرب الكروات نيكو كوفاتش توعد المكسيكيين، وأراد حربا كلامية مع هيريرا، لكن الاخير اكتفى بالرد في الملعب، وعقب الانتصار صرح "يبدو أن هناك شخص الآن ترتجف ركبتيه" في إشارة لكوفاتش.

شخصية هيريرا الحماسية طبعت على لاعبيه وعلى المشجعين، فقد دعاهم الى غناء النشيد الوطني بكل قوة قبل المباريات وعدم التعامل معه كإجراء روتيني رتيب.

الآن على هولندا أن تخشى المكسيك، وعلى لويس فان غال آلا ينخدع بتألقه في المباريات الماضية، فمواجهة هيريرا خارج الخطوط ستكون الأصعب، فهو لا يخشى شيء ويلعب دون ضغوط، وبرهن على قوة دفاعه وهجومه وحارس مرماه، ويريد كسر عقدة دور الـ16 للمكسيك التي تكررت في آخر خمس مشاركات.

وختاما.. سيكون هيريرا خيارا مثاليا لأحد الفرق الأوروبية الكبرى بعد إنهاء مهمته مع المكسيك، وسينتظر محبو الكرة بمختلف انتمائاتهم الاستمتاع بمشاهدة المزيد من طرق احتفاله المجنونة بالأهداف.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]