يبدو قصيراً مقارنةً بقرناءه الأخرين من حراس المرمى المشاهير، حسنا يبدو قصيراً إذا ما قورن بأي حارس أخر، كانت المباراة فى بالتيمور ولو رآه أحد المارة خارج الاستاد لأيقن أنه عامل مكسيكي يتحدث الإنجليزية بالإسبانية، يكدح خفية فى إحدى مطاعم ماكدونالدز بعدما انتهت إقامته بالولايات المتحدة، هذا ليس وجه حارس مرمى، حتى لونه البرونزي تعرف أن وراءه شقاءً وليس كسمرة فناني هوليوود المكتسبة، بالتأكيد شمس متقدة لفحت ذلك الوجه الذى خرج من إحدى الدور المنمنمة التي تعج بها أضيق أزقة مكسيكو سيتي.

حراس المرمى فى عيونهم لمعة وفى أنوفهم كبر، شخصية نوير وذكاءه، كاريزما ديدا وأطرافه الأخطبوطية التى نست أن تكف عن النمو، برود أعصاب شمايكل بيت الثلج الدنماركي، أليس هذا ما منع كرات المهاجمين الحادة من الصراخ داخل مرمى أولئك، لم يملك المكسيكي خورخى كامبوس شيئا من هذا. ما امتلكه خورخي هو الجنون ، الجنون فقط !
أتذكر تلك المباراة جيداً، مباراة لا طائل من ورائها ولا يتذكرها أحد، مباراة المكسيك ضد أيرلندا فى نهائيات كأس العالم 1994، وقفت أمام شاشة التلفاز وأنا فى السابعة اتأمل ذلك القميص المستعر الذى ارتداه يومها.

ما امتلكه كامبوس هو الجنون !

الدقيقة التسعون من عمر المباراة ، أيرلندا فازت على إيطاليا فى أول مباراة، الطليان يخسرون في البداية كالعادة ثم تجدهم دوماً متواجدين في نهاية البطولة، أما تلك المباراة، تأخرت إيرلندا أمام التريكولور بفارق هدف، تمريرة لا تشوبها شائبة تضع الأيرلندى أندى تاونسند منفردا بذلك القزم المكسيكي في نهاية اللقاء، ثوبا مهلهلا كالبحر يشبه أبوليه فرق الزفة الإسكندراني يرتديه كامبوس، القميص تقطعه ثلاث تعريجات عرضية، فى الأعلى الفوسوفورى، التعريجة الوسطى بلون برتقالي، السفلى مزينة بلون بدا فيروزى، قميص لم أره من قبل وعرفت أني لن أراه بعد ذلك، أندى بحاجة إلى نظارة شمسية حتى يستطيع تجاهل ألوان كتلك، يطلق صاروخا، أصيح مزمجراً في سذاجة "جوووووووووووووووول".

يقفز كامبوس، قفزة كاملة وكأنما صار جزءاً من الرياح، يتمطط كعصا موسى، متر وثمان ستين سنتيمتر هو طول كامبوس، ولكن بدا عملاقاً فى تلك الكرة، لم يمسكها كامبوس فحسب بل سيطر عليها بشكل تام ثم حط على الأرض في هدوء عماد أديب ففازت المكسيك بالمباراة.

جنون كامبوس لم يتوقف فقط عند صده للكرات، في مباراة ناديه "أتلانتا" عام 1997، فشل مهاجمو الفريق في إحراز هدف فسحب المدرب أحد لاعبي الفريق وأنزل حارسا مكانه ودفع بكامبوس كمهاجم فأحرز هدف اللقاء الوحيد ! ما امتلكه خورخي هو الجنون ، الجنون فقط !

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]