نشر الدكتور هشام بشارة , مدير " وحدة امراض الرئة " في مركز " زيف " الطبي في صفد – مقالا هاما في صحيفة " هآرتس " 16/9 تحت عنوان " مرض السل : عدد المرضى يتراجع , وصعوبة التشخيص والكشف تتزايد ." , وفيما يلي ترجمة لهذا المقال نظرا لقيمته العلمية ولأهميته بالنسبة للمجتمع عموما , والمجتمع العربي خصوصا .

مكث في مركز زيف الطبي في صفد مؤخرا عامل اجنبي في الخامسة والثلاثين من العمر , لإجراء فحوصات لاستيضاح أسباب حرارته المرتفعة وسعاله المتواصل , وبعد بضعة أيام تدهورت حالته بسرعة الى درجة اصابته بضيق شديد في التنفس , وبفشل تنفسي . وشخصت اصابته بمرض السل , فوضع في العزل , وقدم له العلاج في القسم الخاص بمرض السل , وتماثل الى الشفاء . وجريا على العادة في مثل هذه الحالات , فقد أجريت فحوصات لأفراد طاقم القسم الذين شاركوا في معالجته , للتحقق مما اذا كان أي منهم قد أصيب بالعدوى , فكانت الخاتمة طيبة وموفقة هذه المرة , لكن الحال ليست على هذا النحو دائما .

تتكاثر الجرثومة داخل انسجة الرئة

ان انعدام الوعي والمعرفة بمرض السل , يؤدي أحيانا الى التأخير في التشخيص والكشف , واتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من انتشاره .
مرض السل هو مرض معد , قد تتسبب في إعاقة او عاهة , وحتى الموت , وهو ينتقل من انسان الى اخر بواسطة النقط ( الرذاذ ) : بمعنى ان ذرات ( نقطا ) صغيرة من الافرازات التي تحتوي على الجراثيم المسببة للأمراض , والتي تتناثر بواسطة سعال الشخص المريض – تتطاير في الهواء لمدة تتراوح ما بين دقائق وساعات . ومن المحتمل ان يلتقط شخص معافى هذه الذرات فتنتقل الى رئتيه , . وتتكاثر الجراثيم داخل انسجة الرئتين , فتؤدي الى نشوء التهابات تتسبب في اتلاف وتعفن الانسجة الى درجة تكون فضاءات وفراغات داخل الرئة , ومن المحتمل ان تنتقل الجرثومة من انسجة الرئة , عن طريق الدورة الدموية وصولا الى أعضاء أخرى في الجسم , بما في ذلك غشاء المخ .
وتتزايد احتمالات العدوى كلما طالت مدة التواصل عن قرب مع المريض , وكلما كانت كمية الجراثيم التي يبثها – اكبر . ومع ذلك , ففي معظم الحالات لا تتم الإصابة بالسل الظاهر بواسطة العدوى , بل تتم الإصابة بما يسمى " السل المخفي , او المخبأ " , لأن جهاز المناعة توقف انتشار الجرثومة , ولذا فان ذوي المناعة الضعيفة , وخاصة الأطفال والأولاد الصغار , معرضون اكثر من غيرهم للإصابة بالسل الظاهر بعد مدة وجيزة من اصابتهم بالعدوى .

350 إصابة بالسل سنويا

لكن حتى حالة الإصابة بالسل " المخفي او المخبأ " اذا لم يقدم علاج وقائي , ففي 5% من الحالات يظهر السل الظاهر خلال خمس سنوات بعد العدوى , اذ ان جزء من الجراثيم تبقى وتصمد , وتتحول الى " وضعية نائمة " داخل الانسجة , وقد تصبح ناشطة لتظهر في المستقبل , وخاصة عندما يصاب جهاز المناعة بالضعف .

تكتشف في إسرائيل 350 إصابة بالسل الظاهر سنويا , وهنا اود ان اشير الى انني سوية مع عدد من الأطباء كنا قد تناولنا واحدة من اكثر تلك الحالات مأساوية من خلال النشرة التابعة للاتحاد العالمي للسل وامراض الرئة ( IJTLD) في ديسمبر كانون الأول عام 2014 . والحالة تخص مريضا بالسل , لم تنكشف اصابته اثناء معالجته في المستشفى فتم تسريحه . وبعد بضعة اشهر ارتكب هذا الرجل جناية وادخل الى السجن , وهنا أصاب سجينا اخر بالعدوى , وبعد سنتين أصيب هذا السجين الاخر بالسل الظاهر , قبيل الافراج عنه , وعندما عاد الى بلدته في شمال البلاد أصاب العشرات من الناس بالعدوى , وكانت النتيجة ان عشرة من بينهم أصيبوا بالسل الظاهر , ومن هؤلاء طفلة عمرها عامان , أدى مرضها الى اصابتها بالتهاب السحايا , وبأضرار دماغية , وبالعمى !

80% من المرضى في إسرائيل ليسوا من مواليدها

وكما اسلفت , فان السبب في تأخر التشخيص والكشف , يكمن احبانا في انعدام الوعي الكافي لدى الأطباء وعامة الناس حول السل , وفي التردد في التوجه للعلاج .
ويعود السبب في ذلك بالأساس الى النسبة المتدنية لحالات الإصابة بهذا المرض في أوساط المواطنين الإسرائيليين.
ووفقا للمعطيات ذاتها , فان 80% من مرضى السل في إسرائيل لم يولدوا فيها , بل في دول ينتشر فيها هذا المرض بشكل واسع , وخاصة في الدول الافريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى , التي يتم فحص مواطنيها بشكل منهجي للكشف عن السل الظاهر والسل المخفي .
ان الكشف عن السل المخفي وعلاجه هما اجراء ضروري للقضاء على هذا المرض. ولعل العائق الرئيسي امام علاج السل المخفي يكمن في عدم استعداد المتعالجين للشروع بالعلاج , او استكماله . ومن الصعب جدا اقناع شخص أصيب بالعدوى , لكنه ليس مريضا – بتناول الدواء والبقاء قيد المتابعة الطبية طيلة اشهر . والصعوبة اكبر عندما يتعلق الامر بشخص يعاني من صعوبة التواصل معه لغويا , ومن عدم توفر الخدمات الطبية والصحية .

20%-50%

تثنت التجارب انه بالإمكان التغلب على هذه العوائق والعقبات بواسطة ملائمة العلاج ثقافيا ( اللغة ) وتوفير وإتاحة الخدمات الصحية للشخص المصاب . واستنادا الى بحث نشر في نشرة ( IJTLD) في يوليو تموز من هذا العام , ومنت شريكا في اعداده , فقد تبين ان الملائمة الثقافية وإتاحة العلاج لمجموعات الخطر السكانية في إسرائيل , أدت الى ان 95% من اصل 700 متعالج استكملوا علاجات وقائية لمرض السل ( وهذه العلاجات تقضي على الجراثيم النائمة في الجسم ) , وهي نسبة تفوق بكثير النسبة الشائعة في دول العالم (20%-50%) , وبالإضافة لذلك , فان هذا الأسلوب أدت الى تخفيض تكاليف العلاج , رغم التكاليف الإضافية المخصصة للطواقم المهنية المشاركة في العلاج . كذلك , فان العلاجات الوقائية تقلل التكاليف المستقبلية للجهاز الصحي وللمرض والمتعالجين , لان هذه العلاجات تمنع العدوى وعلاجات أخرى . وهذه التكاليف باهظة لان معالجة المرض الحاصل تتضمن اربع ادوية متنوعة , وتستمر نصف سنة على الأقل , وتستدعي أحيانا مكوثا طويلا في المستشفى , فينقطع المريض عن اعماله , ويتشوش نظام حياته اليومي .
 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]