مسلسل الأخطاء الطبية يبدو أشبه بقطار بلا مكابح في ظل استمرار توظيف واستقطاب كوادر غير كفؤة أو مؤهلة بما يمنع تكرر أخطائها المكلفة للحياة بدلا من إنقاذها، ولعل آخر حلقات ذلك المسلسل لن يكون الطفل أمير الذي دخل لإجراء عملية جراحية بسيطة في لوزه فخرج معاقا منها.
ولازال النشطاء والمواطنين يتداولون مقطع الفيديو للطفل أمير زيدان (7أعوام)، يعبرون من خلاله على مشاعر الغضب والرفض لحالة الفوضى والإهمال، في ظل تواصل الأخطاء الطبية التي تعصف في المنظومة الصحية وتحصد أرواح المزيد من المواطنين.

فالطفل أمير محمد زيدان لم يبلغ من العمر سوى سبع سنوات، خضع لعملية استئصال اللوزتين، بعد معاينته من قبل الطبيب الذي نصح بإرساله للمستشفى من أجل إجراء عملية جراحية لاستئصال اللوزتين واللحمية، ليخرج بشلل دماغي بنسبة 85%، في أحد مستشفيات رام الله بالضفة الغربية.

ويقول زيدان والد الطفل: جرى إدخاله إلى غرفة العمليات وبعد نحو نصف ساعة حضر الطبيب المسؤول عن العملية، وسألني إن كان طفلي يعاني من مشكلة في القلب فنفيت ذلك، وبدأت المخاوف تحيط بي، لكنه أكد أن الأمر تحت السيطرة "لكنّه اضطر لإعطائه جرعة من المخدر وأنّ نبض القلب تراجع.

وانتظر الوالد خروج نجله من غرفة العمليات لساعات متوالية لكنّه لم يفق، ما أثار تخوفّه من خلل في العملية، لافتا إلى أنّ طاقم مستشفى مسلم التخصصي برام الله تواروا عن الأنظار، واستدعوا له الشرطة دون علمه. لكن نقل الطفل بعدها إلى مشفى المقاصد بالقدس، ليتبين حينها أنّ ما يعانيه هو تلف في خلايا الدماغ بسبب نقص كميات الأوكسجين أثناء العملية.

وأوضح والد الطفل، أنّ التراجع اليومي في صحّة طفله، دفعه لنقله إلى مستشفى "هداسا" الإسرائيلي في القدس، والتي أكّدت في تقاريرها الطّبية أنّه يعاني تلفا في الدّماغ بنسبة 80 بالمئة، فيما اضطر إلى إعادة طفله إلى مستشفى سلم ليقبع في غرفة العناية المركزة بحال صحّية خطرة جدًا.
والد الطفل على أملٍ أن يعود طفله المدلل كما كان، يناديه بصوته وبالأسماء التي يحبها منه.

خلال السنوات الأخيرة أشارت بعض المؤسسات الحقوقية الفلسطينية إلى وجود حالات من الإهمال الطبي في المشافي العامة والخاصة، وصلت حد الوفاة أو الإعاقة الدائمة في بعض الحالات، إما نتيجة إعطاء كمية مرتفعة من المخدر لا تتلاءم مع سن أو وزن المريض، أو إعطاء وحدات دم ملوثة وترك مواد في بطن المريض، وعدم دقة التشخيص.

وتشير تقارير حقوقية إلى تعرض العديد من المواطنين الفلسطينيين لأخطاء طبية متنوعة، وهناك ضحايا فقدوا حياتهم أو أصيبوا بإعاقات دائمة، بسبب تلك الأخطاء، وجراء الإهمال وسوء التقدير أو ضعف الكفاءة، وفي معظم تلك الحالات لم يحصل هؤلاء الضحايا لا على العلاج ولا على الإنصاف بعد الممات.

وتشير التقارير الحقوقية إلى أن جميع الحالات التي ثبت فيها وجود خطأ طبي أو إهمال من قبل الأطباء العاملين في المستشفيات (خاصة وعامة) ضاعت حقوقهم بعد وقوعهم ضحايا، والسبب صعوبة إخضاع الطبيب للمساءلة الجنائية والمدنية وعدم القدرة على إثبات ارتكابه للخطأ الطبي.

الوزارة لا تنكر

يقول وكيل وزارة الصحة الفلسطينية الدكتور اسعد الرملاوي:إن الوزارة تهتم بأوضاع مستشفياتها لتقديم أفضل الخدمات للمرضى، وبخصوص الخطأ الطبي فهو جنوح بالممارسة، وأنه تدخل فيه وجهات نظر مختلفة ومتعددة، ولا يمكننا إنكار خلو مستشفياتنا من الأخطاء الطبية".
ويوضح أن “الوزارة تحاسب على الإهمال والتقصير وليس على “الخطأ الإنساني” الذي ممكن حدوثه”، مشيراً إلى أن تجاوب وتعاطي الوزارة مع بعض الشكاوى التي تقدم إلى وحدة الشكاوى التابعة لها منح الأهالي الثقة بالوحدة وبالوزارة، ولفت إلى قيام الوزارة مؤخرا بتشكيل لجنتي تحقيق لقضية واحدة”.

في حين، يبين الباحث الحقوقي ماجد عاروري أن وزارة الصحة في متابعتها لقضايا الأخطاء الطبية تفتقر لأنظمة رقابية فعالة على الطواقم الطبية، ونوه لوقوع العديد من الأخطاء بسبب الضعف في جاهزية المستشفيات، وعدم وجود أنظمة رقابية فعالة على جودة المستحضرات الصيدلانية، دون استيفاء شروط الفحص الطبي.

اتهامات بالتقصير

وكانت النائب في المجلس التشريعي الدكتورة نجاة أبو بكر قد اتهمت وزارة الصحة والوزير جواد عواد بالتقصير واللامبالاة تجاه أرواح الناس، ورد عليها الوزير عواد باتهامها بعدة تهم اعتبرتها النائب أبو بكر تشهير بها، ما دعاها لرفع دعوى قضائية ضد الوزير عواد.

وقالت أبو بكر:تقع الأخطاء الطبية بشكل عام نتيجة لافتقاد وزارة الصحة للحكمة والإدارة، وهي بحاجة لإعادة البناء على أرض الواقع وليس في وسائل الإعلام، الأمر الذي يجنب الناس شر الأخطاء الطبية، وتكدس المراجعين بالمئات في عياداتها بانتظار العلاج".

وأشارت أبو بكر إلى أن “الكادر الطبي في المستشفيات الحكومية غير كافي لمتابعة المرضى والمراجعين، كما أن غرف العناية المركزة غير كافية لاستيعاب أعداد كبيرة من المرضى، وسياسة الوزارة التحريضية دفعت الأطباء للعزوف بسبب عدم شعورهم بالأمان، الأمر الذي يشير إلى استمرار الأخطاء والإهمال الطبي وبأشكال مختلفة”.

في حين رأى الباحث والأكاديمي الدكتور محمود فطافطة والدي قام بتأليف كتاب عن الأخطاء الطبية في فلسطين أن “المشكلة ليس في وقوع الخطأ الطبي، بل بعدم التعاطي المناسب لمعرفة جذور أسبابه أو الجرأة والاهتمام بمعالجته، وانه لا يتم التعاطي معها بشكل جدي من الجهات المختلفة الرسمية وغير الرسمية”.

ويرى المحامي أسامة المطور أن أهم المعيقات التي تواجه المرضى في حال وقوع أخطاء طبية مسألة إثبات الخطأ الطبي في حق مرتكبه، وأنه يتوجب تضمين التشريعات نصوصاً قانونية تُفرض على الأطباء والمستشفيات التأمين ضد الأخطاء، وسن القوانين والتشريعات الرادعة للحيلولة دون تكرار الأخطاء .

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]