في غالب الأحيان،  يدافع الأهل عن الكذبة التي يروجونها لأطفالهم عن حقيقة وجود بابا نويل بالقول انها مجرد قصة، كقصّة بياض الثلج مثلاً، ولا عيب في أن يخال الطفل أن وجود بابا نويل حقيقة وليس مجرّد خيال. لا بد للأهل من أن يعلموا بدايةً، حسب ما اشارت دراسة نشرها موقع business insider الالكتروني، أن هناك فارقاً كبيراً بين الخيال والكذب. عندما تقصّ على أولادك حكاية خيالية، فهم بالتالي يعون أنها مجرّد قصّة ولا يعتقدون أنها حقيقية فعلاً. كذلك الأمر عندما يقدم الأولاد على اللعب، حيث يختار كلٌّ منهم دوراً يؤديه في اللعبة، يدركون فعلاً أنها مجرّد لعبة وأن شخصيتهم الحقيقية تختلف عن تلك التي يؤدونها. أما التسليم بحقيقة وجود بابا نويل بالنسبة إليهم، فإنها ليست مجرّد قصّة، بل هي أكذوبة ليس من المحبّذ لهم أن يصدّقوها لأسبابٍ كثيرة.

أمر خاطئ معنوياً

أولاً، خداع الاطفال حول بابا نويل يساعد بطريقة أو بأخرى على تنمية مخيّلتهم. هذا صحيح. ولكن ليس عليكم ان تحددوا بأنفسكم المفاهيم والمعتقدات الخيالية التي يحبذون التفكير فيها. انتم بهذه الطريقة تساهمون في تغذية معتقداتهم، لا في تعزيز مخيلتهم. بعبارةٍ أخرى، أنتم تستغلون عامل الثقة الذي يربط أولادكم بكم، وتدفعونهم الى الايمان بوجود شخصياتٍ خيالية لا صحّة لوجودها. هذا يعني ان ما تفعلونه هو مجرّد تمرير كذبة لأطفالكم، وهذا أمرٌ خاطئ معنوياً. لا بل انه يعتبر نوعاً من الأكاذيب التي تفقد الولد ثقته بأهله في حال اكتشف الخديعة في سنواته العمرية العشرة الاولى، خصوصاً في حال اكتشافه الهوية الحقيقية للمتنكّر بشخصية بابا نويل وكان هذا الشخص مقرّباً منه او سبق له أن رآه سابقاً.

صدمة

هذا ما حصل فعلاً مع احدى العائلات، حيث اكتشف الطفل أن بابا نويل ليس سوى أحد أقاربه، بعدما دعته العائلة الى الانضمام اليها بعدما انتهى من توزيع الهدايا. هذا الامر شكّل صدمة بالنسبة الى ابن الثماني سنوات، الذي كسر حلمه وصدم وما عاد يشعر بأهمية العيد. حتى إنه بات يرفض طلب الهدايا او كتابة الرسائل في كلّ سنة، ويعمد الى تحطيم ألعابه. حتى أنه لم يلبث أن نعت أهله بأقبح الصفات ووصفهم بالمخادعين وحمّلهم مسؤولية خطف واخفاء بابا نويل الحقيقي. قد تبقى هذه الحادثة مجرّد تجربة شخصية، ناتجة من مدى التأثّر الذي كان يبديه الطفل بهذه المناسبة التي لا تتكرّر سوى مرّة واحدة في السنة. لكن، ما حصل معه يمكن ان يحصل مع أي ولدٍ آخر، خصوصاً في العقد الأول من العمر، حيث لا يمكن الاستخفاف بأحلام الأطفال.

الابتعاد عن الأساطير

وفي سياقٍ منفصل، يكفي مقاربة المسألة من زاوية ان حلم الطفل برؤية بابا نويل قد يعادل حلم البالغ في الحصول على وظيفة الأحلام. اكتشاف ان بابا نويل مجرّد كذبة في العقد الأول من حياة الطفل يساوي الاخفاق في الحياة المهنية لشخصٍ طامح. من هنا لا بدّ من التفكير في الاحتفال بالميلاد بطريقةٍ مختلفة. فلنجعل بابا نويل جزءاً لا يتجزّأ من احتفالاتنا السنوية وجزءاً من التقليد السنوي، لكن دون ان يشكّل معنى الأسطورة.

تبين الدراسات المجتمعية أن نسبة كبيرة من الأهل عادةً ما يعمدون الى اختلاق الاساطير لأولادهم كسباً لمصالحهم الخاصة وليس خدمةً لأطفالهم. وهم يلجأون الى هذه الاستراتيجية بشكلٍ خاص لضبط سلوكاتهم وحضّهم على الدراسة وتحقيق نتائج ممتازة في تحصيلهم العلمي لا أكثر. وهم يخاطبونهم بمنطق أن بابا نويل سيستاء منهم في حال عمدوا الى اعمال الشغب، وتاليا لا بد لهم من الحفاظ على حسن سلوكهم في حال رغبوا في زيارته لهم ليلة العيد: "ان لم تحقق نتائج مميزّة في المدرسة، لن تحصل على الهدية التي اردتها من بابا نويل". ان هذه الطرائق في التعامل مع الأطفال ساذجة للغاية، لأنها غير فعّالة، وهي قد تريح الأهل لمدّة زمنية قصيرة لا تتعدى الخمسة عشر يوماً.

لا بل إنها تجعل الأولاد يعتادون منطق الابتزاز، وتحضّهم على وضع الشروط التي تلائمهم مقابل اي فائدة مرجوّة يقدّمونها لغيرهم. كما أنه من الخطأ الاعتقاد أن الطفل ساذج، ومن السهل تمرير الأكاذيب عليه، لأنه قد يتكتّم عن الحقائق التي يعرفها في حال وجد أنها غريبة او غير قابلة للنقاش. ما يعني أن التعامل المبني على الأكاذيب بين الأهل والأولاد من شأنه ان ينعكس على العلاقة بينهما مستقبلاً. بمعنى آخر، معرفة الطفل أن والده يكذب عليه في مسألة معينة خدمةً لصالحه الخاص تجعل الولد يستخدم الاستراتيجية نفسها لتمرير مسائل معيّنة يريدها ويعلم انه لن يلقى قبولاً عليها خصوصاً في مرحلة المراهقة.

كيف علينا مقاربة شخصية بابا نويل؟

لعلّ الطريقة الأمثل التي لا بدّ للأهل من التعامل بها مع أطفالهم تكمن من خلال إخبارهم القصة الحقيقية للقديس نيكولاوس الذي كان يوزّع الهدايا والأطعمة والألبسة الى العوائل الفقيرة من سكان آسيا الوسطى تزامناً مع حلول الليلة الميلادية دون أن يعلم أحدٌ بهويته الحقيقية. ان سرد هذه القصّة في قالبٍ تشويقي من شأنه ان ينقل رمزية المناسبة الى الأطفال ويعطيها بعداً أهم من الحصول على الهدايا. واخبروهم صراحةً أن التنكر بزيّ بابا نويل سنوياً يحصل تيمناً بذكرى القديس نيكولاوس، بدلاً من إيهامهم انه آتٍ من مكان بعيد برفقة غزلانه. هذا ما يحضّهم على فهم معنى العيد والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والتفكير بمساعدة الفقراء والمرضى وتقديم جزء من اغراضهم واختيار حاجيات خاصّة وتقديمها للعائلات المحتاجة كمبادرة لافتة. إن هذه المبادرات من شأنها أن تنعكس على انطباعات الاطفال وتؤثّر في بناء شخصيتهم وافكارهم وتحضّهم على عمل الخير ومساعدة الآخرين في المستقبل، وبالتالي يجب عدم التقليل من أهميتها والاكتفاء بتأمين متطلباتهم وتوفير الهدايا التي يريدونها وحسب.

المصدر: النهار

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]