نظمت في مركز "إعلام" يوم الجمعة الفائت ندوة بالتزامن مع الذكرى الـ 69 للنكبة تم من خلالها إطلاق إصدار "إعلام" "النكبة في الحيّز العام الإسرائيلي" والذي عمل على تألفيه كل من بروفسور أمل جمّال والباحثة سماح بصول فيما عملت على إصداره مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
ويناقش الكتاب خطاب النكبة في الإعلام الإسرائيلي حيث يرتكز في بحث مناهج هيْكَلة العقائد والمدارك الخاصّة بالنكبة الفلسطينيّة في الوعي الجمعيّ الإسرائيليّ، كما تتكشّف في الخطاب الإعلاميّ في إسرائيل.

وشارك في ندوةِ الانطلاق كل البروفسور أمل جمّال، الباحثة سماح بصول، د. رائف زريق والباحثة همت زعبي حيث قام الأخيران بالتعقيب على الكتّاب والمعطيات التي خلص لها.

وفي معرض حديثها قالت الباحثة سماح بصول أن البحث يعتمد على الفرضيّة الأساسيّة، بأنّ الخطاب الإعلاميّ، وخصوصًا مقالات الرأي في الصحف المركزيّة، لا ينحصر دوره في التعبير عن مواقف رائجة ومتنوّعة في الوعي الجمعيّ الإسرائيليّ تجاه النكبة، بل يتعدّى ذلك نحو بلورة هذه المواقف وتحديد حدود الخطاب المُستحسَن تجاهها.

وتحدثت عن منهجية البحث مشيرةً إلى أنّ البحث فحص الخطاب الإعلاميّ في خمسة صحف مركزيّة: "يديعوت أحرونوت"، "مَعاريف"، "يسرائيل هَيُوم"، "هآرتس"، وصحيفة "همُودِيَّع" لليهود المتدينين. وأوضحت أن البحث أختار عيّنة من أسبوعيْن قبل يوم الاستقلال الإسرائيليّ وأسبوعيْن بعد 15 أيار –يوم النكبة- لمدة خمس سنوات: 2008-2012، موضحة أنّ العّينة المُختارة لا تسمح بتبيان مميّزات المعتقدات حول النكبة فحسب، بل ساعدت في تعقّب التطوّرت على مرّ السنين أيضًا، وخصوصًا عشية سنّ القانون المُسمّى "قانون النكبة"، الذي سُنّ عام 2011.

وأوضحت بصول أنّ العيّنة تشمل 318 خبرًا ومقالًا موزعة كالتالي: 19 تقريرًا ومقالاً من صحيفة "معاريف"، 81 تقريرًا ومقالاً من صحيفة "يسرائيل هَيوم"، 37 تقريرًا ومقالًا من صحيفة "همُودِيَّع "، 27 تقريرًا ومقالاً من صحيفة "يديعوت أحرونوت" و154 تقريرًا من صحيفة "هآرتس".

ولخصت بصول نتائج البحث بالإشارة إلى اننا نلحظ مركزيّة واضحة للموقف الذي يتنكّر للنكبة كحدث تاريخيّ ويعارض تحمّل أيّ مسؤوليّة عن وقوعها؛ ومن جهة أخرى ثمة تطرّق غير قليل إلى الحاجة لا للاعتراف بوجودها فحسب، بل إلى استمرار تمثُلاتها حتى اليوم.
وعللت بصول ذلك بالإشارة إلى أنّ إنكار مجرّد وجود النكبة، بالذات، أو المسؤوليّة الإسرائيليّة عن وجودها، على غرار المحاولات الإسرائيليّة القويّة لدحضها من الذاكرة ومن الخطاب الجماهيريّ العام، تشير إلى ضعف هذا الموقف رغم بروزه.
كما أوضحت أن التعدّديّة المفاهيميّة بخصوص النكبة تعكس تخبّطات إسرائيليّة داخليّة وتشير إلى المتاهة التي يدور فيها المجتمع الإسرائيليّ والتي تحرّجها من أيّ تعبير عن ذاكرة النكبة الفلسطينيّة.

وأضافت أنّ جانب آخر من جوانب الاهتمام الإسرائيليّ بالنكبة هو جانب أخلاقيّ أيضًا، لأنّه يضع تحدّيًا يخصّ التنكّر لها أو الاعتراف بها، فثمة جزء من الجمهور ينظر إلى النكبة باعتبارها مسألة إنسانيّة-أخلاقيّة لا أقلّ من كونها سياسيّة.
بدوره شدد بروفسور جّمال أنّ أهميّة هذا البحث تنبع من محاولة تبيان الفارق القائم بين نتائج الأبحاث التاريخيّة حول النكبة وبين المواقف الرّائجة في الحيّز العام الإسرائيليّ، بما يخصّ أحداث النكبة ودلالاتها.

واشار إلى أنّ عدد الأبحاث التاريخيّة حول النكبة في تصاعد مستمرّ منذ عام 1948 وحتّى اليوم. وقد خلصت الأبحاث الأساسيّة في هذا المجال إلى نتائج تُقوّض الخرافات الإسرائيليّة الخاصّة بالنكبة، وخصوصًا خرافة "القلّة مقابل الأكثريّة"، وخرافة "الهرب الجماعيّ" مقابل التهجير والطرد المتعمّديْن وخرافة "طهارة السلاح، حيث جاء هذا البحث ليؤكد ان هنالك تحوّل في التعامل الإسرائيلي مع النكبة خاصة مع تصاعد عدد الأبحاث التي تنفد الراوية الإسرائيلية التي حاولت أن تروجها من خلال عدة وسائط، بما يشمل الإعلام.
وفي معرضِ حديثها أكدت الباحثة همّت زعبي أنّه وبالرغم أن نتائج البحث لم تأتي بجديد على صعيد الانكار الإسرائيلي للنكبة، خاصةً لأننا لا نتوقع تعامل مغاير من الإعلام الإسرائيلي مع النكبة لكن هذا لا يختزل أهمية البحث الذي جاء ليؤكد على الاعتقاد السائد أن المؤسسة الإسرائيلية جندت كافة وسائطها لتغييب الرواية الفلسطينية.

وأوضحت زعبي على ضرورة توضيح جمهور الهدف للدراسة، ومدى الاستفادة منها على المستوى الشعبي ومستوى متخذي القرار مع ضرورة التوضيح لهم في فروقات التعامل مع النكبة في وسائل الإعلام الإسرائيلية مما يعني أي أكثر الوسائل إنصافًا للموضوع وأي أقلها.
وشددت زعبي على أنّ غياب الرواية الفلسطينية للنكبة في وسائل الإعلام الإسرائيلية يشير إلى دلالات حضورها وبقوة، فلا نحاول أن نخفي إلا ما يؤرقنا وما نعمل على طمسه، كما وشددت على أنّ حضور النكبة فقط من خلال تغطية النشاطات والفعاليات حتى ولو بصورة سلبية، كمسيرة العودة السنوية، يدفعنا إلى التفكير في استراتيجية التكثيف والتعزيز من فعالياتنا مما يساهم في زيادة حجم التغطية وبالتالي عدم تغييب الخطاب والرواية الفلسطينية.

وتساءلت زعبي عن دور الإعلام البديل والمجتمعيّ في تجاوز هذا التغييب وايضًا دور المؤسسات اليهودية التقدمية المتضامنة مع خطابنا في تغيير هذا التعامل من قبل الإعلام الإسرائيلي.

بدوره، أكد د. زريق على أهمية البحث إلا أنه أشار أنّه يستوجب أنّ يفصل أكثر، مما يعني التفاوت في التعامل مع خطاب النكبة في الإعلام الإسرائيلي ما بين اليهود الشرقيين واليهود من أصل اشكنازي وايضًا ما بين اليسار واليمين الإسرائيلي، مضيفًا أنه ووفقًا لقراءته فأن اليمين الإسرائيلي يعترف أكثر بالنكبة من اليسار إلا أنه ينكر المسؤولية عنها.

كما وأشار د. زريق إلى ضرورة توسيع البحث إلى سنوات ما بعد قيام الدولة وفحص هذا الخطاب بالإعلام بشكل دوري كل عشر سنوات، مثلا، لفحص مدى التحوّل الإسرائيلي في التعامل مع الخطاب والرواية الفلسطينية.

وخلص د. زريق ملاحظاته بالقول أنّ هنالك ضرورة ايضًا ربط ذاكرة الهوية بالنسيان من خلال التطرق إلى أدبيات أوسع توضح آلية الإنكار في علم الاجتماع، كما تعامل الأتراك مع قضية الأرمن، مشددًا على أنّ هذا يفسر حاجة إسرائيل إلى إنكار النكبة.

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]