دمرت سلطات الاحتلال الاسرائيلي يوم 30/6/2017 النصب التذكاري للشهيد خالد نزال عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية في محافظة جنين، وبذلك تكون قد اغتالته مرتين، في الحياة وبعد الممات ، ولا زالت تلاحق الروح الفلسطينية وآثارها ووهجها في الذاكرة ومفعولها في التجدد والولادة والانبعاث جيلا وراء جيل.

الهدف الاسرائيلي هو محو التاريخ الوطني الفلسطيني ، وشطب الرواية النضالية والانسانية الفلسطينية ماديا وثقافيا، ودفعنا نحو التيه والانقراض بهدف تثبيت الرواية الاسطورية الصهيونية عن حق اليهود المزعوم في ارض فلسطين وشرعنة الاحتلال وطرد سكانها من المكان والحكاية والوجود.

اغتيال النصب التذكاري للشهيد المناضل خالد نزال هو اغنيال لكل الاحياء الباقين على ارض فلسطين، وهو ملاحقة كل ما هو وطني وإنساني في الدنيا والآخرة، ويأتي في سياق الهجمة الاسرائيلية التحريضية على نضال الشعب الفلسطيني ووضعه في اطار الارهاب والجريمة.
اغتيال النصب التذكاري للشهيد نزال اكبر من مجرد تدمير مادي، إنه اطفاء للصورة المثلى المشعة المقدسة للفلسطينيين، تشويه القيم والثقافة وزعزعة الانتماء واعدام الزمن الفلسطيني المتواصل شهيدا وراء شهيد واسيرا وراء اسير، فليس لك قبر في المنفى، ولا قبر وإشارة هنا، ولا من يسرد قصتك في كتاب المدرسة.

الاسرائيليون يطاردون الفلسطينيين حتى في المناهج التعليمية التي يجب ان تكون فارغة محلقة في اللامكان واللازمان، لا يريدون ان يكون هناك بشر يسيرون على الارض، لا بيت ولا حديقة ، ولا من يذكر مذبحة هنا وهناك، ولا من يغني وينشد لأجل الحرية والسلام والامان، يريدون اخفاء الضحية ودفنها في العدم.
سلطات الاحتلال تهدم النصب التذكاري للشهيد نزال، تعتقد انها تريد ان تخفي اثار جريمتها الاولى وجرائمها اللاحقة ، وان تتبرأ من دمنا وتنظف الساحة من آلامنا وجثثنا حتى لا تبقى شاهدا عليهم في يوم من الايام.
الاسرائيليون يسعون لهدم المعاني والدلالات الانسانية والقانونية لكفاح الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال ومن اجل الحرية و العودة والاستقلال، فالهجمة المتواصلة على حقوق الاسرى والشهداء وإعاناتهم، والهجمة على كل من يقدم العزاء لعائلة شهيد ويقرأ الفاتحة، والهجمة على الارض وطمس اسماءاشجارها وطيورها وصخورها وينابيعها وذكرياتها ، والهجمة حتى على الشهداء وحجزهم في مقابر الارقام والثلاجات ، الهجمة متكاملة على الحزن والفرح الفلسطيني، فلا يريدون الابيض للشعب الفلسطيني سوى بياض الكفن.
دمروا نصب الشهيد نزال لأنهم يخشون ان يروا فرسا نافرا في الغمام، لا منزلة للشهيد والاسير ولا مقام، يقطعون الطريق امام اي توجه الى المحاكم الدولية لمحاسبتهم على نكباتنا وأوجاعنا وفجائعنا المستمرة، يقطعون الطريق امام الراحلين والعائدين والذين يفكرون بالسلام.
دمروا نصب الشهيد نزال لأنهم لا يريدون ان نتذكر الوجوه، وان لا يبقى لها ظلال وبصمات في القلب والقصيدة والصلاة، هم أقاموا نصبا لغولدشتاين الذي ارتكب مذبحة الحرم الابراهيمي الشريف، واعطوا النياشين والاوسمة للجندي آزاريا قاتل الشهيد عبد الفتاح الشريف، ونجد على كل رصيف شارع نصبا لكل جندي او مستوطن اسرائيلي اطلق النار على الفلسطينيين واستباح الحقول، ويدعون كل زائر الى متحف الكارثة والبطولة ليقولوا له: انهم لا زالوا في المحرقة وليسوا محتلين وجلادين.
تدمير نصب الشهيد نزال يعني ان المشروع الصهيوني قد اكتمل ، وبداوا يتدخلون في التفاصيل اليومية، فالاحتلال انتقل من بعده العسكري الاستيطاني الى تحديد كمية المياه التي نشربها ، والى مستوى الصوت الذي نطلقه علانية او همسا، وانتقل من زج البشر في السجن الى مطالبة السجناء بتعويض السجانين ماليا ونفسيا، وانتقل من المحظورات الى الاباحات، التعذيب مباح، والمحاكمات غير العادلة مباحة، والحرمان من الزيارات مباح، واعتقال الاطفال مباح، ومطالبة عائلات الشهداء بتعويض القتلة مباح، وممنوع ان تعلق صورة جدك على الحائط لانه يحمل مفتاح بيته القديم، وممنوع ان تزرع الزهور على قبر الشهيد وترويها بالدمع والماء، وممنوع ان تحمل صورة اسير او تذكر اسمه في المدرسة مع كل نشيد صباح.
تدمير نصب الشهيد نزال هو خلق حالة عدم يقين سياسي ووطني ونفسي، وكان الجماجم ليست لنا، الخطوات السابقات واللاحقات ليست لنا، الكلمات ليست لنا، تنحدر الشمس، ينحدر الامس، والغد ليس الا جثة متفحمة ، ولن نكون في الميادين لا تماثيل من حجر ولا احصنة من طين، يجف تاريخنا، يجف من رئتينا الصهيل.
النصب التذكاري للشهيد نزال يركض في سهل مرج ابن عامر في جنين، يتفقد البساتين والناس ولحظات القطف وسلال الورد على رؤوس النساء قبل الظهيرة، يجمع كل باقة وكل قطرة دم وكل إغفاءة وإقامة، وكل حبة تراب تتمنى له طول العمر وهي تجود بانفاسها الاخيرة.
سمعت النصب التذكاري يقول لكافة القادة: انتم موجودون لمنح شعبكم الحرية، لا تنشغلوا بالفتات الذي اعطاكم اياه الاحتلال، لا تغرقوا في التفاصيل الرمزية الشكلية، وان لم تقاتلوا سيسلبونكم ما تبقى من حياتكم القادمة.
النصب التذكاري يركض في سهول جنين، يمر عن قبر عز الدين القسام وصرح الشهداء العراقيين، ويلقي السلام على الشهداء: زياد العامر وابو جندل وقدورة موسى، يقول لهم : كل رجل يموت ، ولكن ليس كل رجل يحيا.
النصب التذكاري يتقدم،
يتنفس
يركض في سهول جنين
جناح في الحجر الحي يرفرف
شهداء في السماء يظهرون
شهداء على الارض يسيرون..
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]