أعادت "الفتاة الموصلية"، إحدى انتحاريات "داعش"، التي فجرت نفسها أخيراً مع طفل رضيع تحمله على يدها، بعد تظاهرها بأنها من بين الفارين من منطقة يسيطر عليها الدواعش في المنطقة القديمة بالموصل، الحديث من جديد عن توظيف النساء وامتدادهن كفرق خاصة في داخل تيارات الإسلام السياسي والحركي السني والشيعي على حدٍ سواء، وما قد يتفرع عنها من تنظيمات راديكالية.

دروب المرأة في متاهات الإسلام السياسي بزغ فجره مع إنشاء "حسن البنا"، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ومرشدها، أول فرقة نسائية عام 1932، أطلق عليها اسم "فرقة الأخوات المسلمات"، وتولى هو بنفسه قيادتها وتوجيهها قبل أن تقبل زينب الغزالي الملهمة الروحية لنساء الجماعة رئاستها، مخصصاً يوماً من كل أسبوع درساً دعوياً لنسوة الجماعة.

وفي عام 1993م، أصدر علي خامنئي مرشد إيران، قراراً بإنشاء فرقة تقوم بأداء مهام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، انبثق عنها ما عرف باسم "أخوات زينب" التي تعد قوة خاصة تابعة للحرس الثوري الإيراني.

وفي عام 2014، ومن مدينة الرقة السورية، شكل تنظيم "داعش" ما يعرف بكتيبة "الخنساء" أو "الحسبة" النسائية، والتي تعد كقوة أمنية "تجسسية"، و"حِسبوية" فرضها التنظيم لإحكام سيطرته على مواقع نفوذه.

فكيف التقى كل من المرشد "البنا"، والمرشد "الخميني" والخليفة "البغدادي" جميعهم، في مشروع تأسيس فرق الأخوات والتي تحمل كل منها برنامجها الخاص المنسجم مع أيدلوجية المرجعية؟

نقطة الالتقاء

بينما تمارس أخوات زينب وظيفة الحسبة، وهو الأمر الذي لا يختلف عند نسوة داعش، إذ يقمن بالأمر ذاته الذي تقوم به نساء #الخميني، كما وكان التشابه أيضاً باللباس. إلا أن الفارق هو أن الإيرانيات ينتمين للحكومة الرسمية.

انطلقت "كتيبة الخنساء" النسائية التابعة لتنظيم داعش من مدينة الرقة السورية مطلع العام 2014، متكونة من عناصر مختلطة عناصر من الجنسيات الأجنبية التونسية والأوروبية والشيشانية وغيرها، لاعبة دوراً رئيساً في مراقبة واعتقال النساء ممن يخالفن أوامر التنظيم، كما ويتم إخضاع المنتسبة لمعسكر تدريبي يشمل دروساً دينية وتدريبات لياقة بدنية ومهارات قتالية إلى جانب التمرن على استخدام السلاح.

بدأت الكتيبة كمجموعة احتسابية تدور في الشوارع والأسواق وتدخل البيوت للاحتساب على النساء - أي مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - حتى تطورت إلى إقامة الحدود والعقاب كالجلد والسجن وكذلك التعذيب ثم أصبحت جزءاً من الكتائب المشاركة في القتال والعمليات العسكرية بالإضافة إلى عملهم الأساس، كما للكتيبة مشاركات فاعلة ضمن منصات الإنترنت.

فقد تولّت الكتيبة فور تشكيلها مهمة ملاحقة النساء اللواتي يخالفن تعليمات وقوانين "داعش" في المنطقة، قبل أن تتسّع مهامها إلى تدريب مجموعات نسائية على حمل السلاح ضمن معسكرات خاصة، محاطة بالكثير من السريّة والغموض ويظهر تأثير العنصر الأوروبي في صفوف الكتيبة خاصة البريطانيات والفرنسيات.

المسؤولة عن هذه الكتيبة تدعى أم "مهاجر"، أو أم ريان، وهي تونسية وتتولى "أم مهاجر"، مهمة الإشراف على جلد النساء المخالفات في المدينة، أم حارثة وأم وقاص وأم عبيدة، وهم زوجات قياديين بارزين في التنظيم.

"أخوات زينب"

في عام 1993، أصدر المرشد الأعلى للثورة الخمينية علي خامنئي قراره بإنشاء فرقة تعرف بـ"منظمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، تفرع عنها ما يسمى بفرقة "أخوات زينب" التي تعد قوة خاصة من #الباسيج التابع للحرس الثوري الإيراني، حيث يتم منح المنتسبات رتباً عسكرية.

وفي لقاء أجرته "العربية.نت" مع أحد المحامين الإيرانيين في عاصمة إقليم كردستان "أربيل"، طلب عدم ذكر اسمه، أفادنا بمعلومات خاصة عن المنظمة التي أفاد باستقلاليتها الإدارية، حيث تعد جهازاً خاصاً قائماً بذاته، وبميزانية مستقلة يتم تمويلها من خلال الباسيج، ولا يعرف رواتب المنتسبين كما ولا تظهر لها قوائم مالية محددة.

تتبع التشكيلات النسوية الزينبية لأئمة الجوامع المكلفين بمهام الترشيح والتدريب للقوة الخاصة من الرجال والنساء الراغبون في الانتساب إلى المنظمة التي ينقسم تكوينها إلى فرعين (نظامي، وتطوعي)، ومن ثم تعيين مشرف خاص عن كل مجموعة غالباً ما يكون إمام الجامع.
توزع "أخوات زينب" - اللاتي عادة ما يكن زوجات لقيادات ومرجعيات دينية - تبعاً لمكتب مرجع الديني التابع لخامنئي، كما ويعد أئمة الجوامع أنفسهم الممثلين عن خامنئي في المدن.

دوريات خاصة

وفي دوريات خاصة، تتجول فرق "الأخوات الزينبيات" في المدن الإيرانية برفقة عناصر من الرجال لتوجيه النصح للعامة والتدقيق بحجاب الفتيات، مع منحهن صلاحية القبض والتحقيق وكتابة التعهدات على المخالفات قبيل إبلاغ ذويهن، وفي حال كونهن من أصحاب السوابق تتم إحالتهن إلى الجهاز القضائي.

وعادة ما تقوم الزينبيات بجولاتهن التفتيشية، مزودات بأسلحة مكافحة الشغب المتنوعة من عصي حديدية وخشبية والصاعق الكهربائي، كوسيلة للدفاع عن أنفسهن في حال مواجهة أي عصيان من قبل أي مخالف أو مخالفة.

ولا تقتصر مهام "الأخوات الزينبيات" على البعد الاحتسابي وصلاحية تغيير ما يرونه اختراقاً للقوانين والتعليمات الفضفاضة بـ"اليد" فقائمة المحظورات والمخالفات غير محددة، بل إلى مهام أخرى تجسسية أيضاً، من خلال صلاحية دخول التجمعات النسائية في المناسبات الخاصة وكتابة التقارير عن بعض النساء، تمهيداً لتقديمها إلى مرجعيتها في الباسيج.

بنات "المرشد"

تجسد النشاط الدعوي السياسي للأخوات المسلمات، منذ إنشاء حسن البنا فرقة الأخوات المسلمات عام 1932، كما وتولى البنا بنفسه رئاسة الفرقة، ووكيلتها لبيبة أحمد، والتي كانت حلقة الوصل ما بين المرشد والأخوات.

ومن مهام لجنة "نشر الدعوة" - وفقاً للائحة - فهي تعنى "بإرشاد المجتمع النسائي بنشر الدعوة فيه وتشجيع الفضائل ومحاربة الرذائل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصبغ المجتمع بالصبغة الإسلامية، وكسب الأنصار".

وفي عام 1944، أطلق البنا أول لجنة تنفيذية لـ "الأخوات المسلمات" وضمت 12 عضوة، تجسد الدور الدعوي والاجتماعي لنساء الإخوان منذ بدء التأسيس وحتى نهاية أزمة الجماعة 1965 في الاهتمام بالأسر الفقيرة، من خلال دار الأخوات المسلمات، والتركيز على دعوة النساء إلى الجماعة في الأماكن العامة والمؤسسات والهيئات الحكومية.

أثمر نشاط قسم الأخوات عن شبكة عميقة وقوية للأخوات استفادت منها الجماعة وقت صدامها مع الأنظمة الحاكمة، حيث استطاعت نساء الجماعة التحرك بحرية أكبر في جمع الأموال والتبرعات والإنفاق على أسر المعتقلين أو الهاربين.

عمل عسكري

في بداية مرحلة التسعينيات أشرف على القسم محمد عبدالله الخطيب، بمساعدة مجموعة من زوجات قيادات الإخوان وبناتهن، مثل وفاء مشهور، ابنة المرشد الأسبق الحاج مصطفى مشهور، ومكارم الديري، زوجة القيادي الإخواني الراحل إبراهيم شرف.

سعت الجماعة إلى توظيف الأخوات المسلمات في العمل الميداني والعسكري والتخلي عن الثوب الدعوي، متجلياً ذلك بمشاركة الأخوات بكتيبة في حرب 1948، إلى جانب الدور الذي لعبنه خلال ما يسمى بـ "محنة" الجماعة في 1954 و1965، وصدامها مع نظام الرئيس المصري حينها جمال عبدالناصر، من خلال مشاركة زينب الغزالي في إنشاء التنظيم الخاص 1965، كذلك ما يسمى "تنظيم الفنية العسكرية" عام 1972م، الذي أنشئ لاغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات.

وفي أغسطس 2011 وافقت الجماعة على إقامة أول معسكر مفتوح للأخوات على مستوى القاهرة والجيزة والبحيرة والإسكندرية، وفقاً لما نشره موقع "إخوان أون لاين"، وذلك استجابة لمطالب نساء الإخوان بإعطائهن الحق في إقامة معسكرات تربوية مفتوحة ومغلقة على مستوى المناطق والقطاعات، وأحقيتهن في تنظيمها وإدارتها، ليبرز دورهن في التحريض وممارسة العنف خلال ما يعرف باعتصامي رابعة والنهضة 2013، وما ترتب عليهما من تبعات.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]