النساء في اللد والرملة هُنّ الأكثر عرضة في الداخل الفلسطيني للعُنف والقتل على أيدي أزواجهن أو أفراد أُسرهن أو أسر أزواجهن. حتى باتت هذه الظاهرة تُقلق مواطني المدن الساحلية، وتشعر النساء أنّهن مستهدفات لا أمان على حياتهن، ولا تأبه الشُرطة الإسرائيلية للتهديدات التي يتعرضن لها، مع أنّ وظيفة الشرطة في البلدات العربية، كما يدّعون - هي منع الجريمة، لكنّها في اللد والرملة ويافا ليست إلا مشاهد مُتكررة، إذ تسيل دماء النساء، ويتم ملاحقتهن من قبل أزواجهن أو أقاربهن، ليس لأنهن كما تدّعي بعض العائلات، على خلفية ما يُسمى شرف! العائلة!

أما دور الشرطة فبات اليوم، وفي السابق أيضًا، مجرّد نقل إفادة الضحية أو أهلها، بينما هناك عدم اهتمام بالكشف عن القاتل، أو يُمكن أن نتحدث عن استخفاف بحياة المرأة العربية، مُقابل التساهُل في جرائم القتل التي يرتكبها رجال للأسف، ورُبما ايضًا، بادعاء أنّ المعطيات غير كافية، بينما لم تنجح الشرطة خلال الفترة الماضية بالكشف عن القاتل، أحيانًا كثيرة تكون النساء جزءًا من الجريمة التي تحدث لبناتهن، فنساؤنا، ينصعن لأوامر الذكورية، وقد تُخفي الأم الحقيقة عن الشرطة لتضمن حياتها مع أولادها.

بعض النساء يكون دورهن ودورها ينحصر في المُتابعة مِن بعيد، والوصول إلى موقع الجريمة غالبًا بعد الحدث. وتتذرع الأجهزة الشُرطية أنّ ما من أدلة كافية لتقديم لوائح اتهام ضد مجرمين. وهكذا يبقى القاتل حُرًا طليقًا، باستطاعته أن يتابع مسلسل القتل كما يحلو له، دون رقيبٍ أو حسيب، واعترافُ أحد الشرطيين بالعجز، يُثير السخرية، إذ يقول: "فلان من مدينة اللد، يده ملطخة بقتل 7 نساء، لكننا لا نستطيع فِعل شيء".

هذا التصريح أكدته العاملة الاجتماعية سماح سلايمة اغبارية، مديرة جمعية "نعم" في مدينة اللد، إذ خصّتنا، بتفصيلات حول جرائم القتل ضد النساء، واستهتار الشرطة الإسرائيلية بأرواحِ الفلسطينيين.

قصة قديمة؛ تفاصيلها: جريمة في البيت على مسمعِ الأطفال!

كانت ياسمين أبو صعلوك حاملا ًفي شهرها السادس عندما وضع زوجها حدًا لحياتها. وهذه الضحية ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة في اللد.
وحين قرر الزوج حرمانها أبناءها الخمسة، فضّلت العودة إلى بيت الزوجية، وكانت تنتظر ساعة الفرج عندما تحتضن طفلها السادس، لكن لا أحد كان يمكنه توقع ما سيجري لاحقًا، حين كان القاتل يتربصُ بها ويتحين الفرصة للتخلُص منها، ولأنها كانت تخافه كانت تملك مفتاحًا لمخرجٍ إضافي لغرفتها يُطل على أهلها، كي تتمكن من الفرار لحظة اقتراب الخطر.

عادت ياسمين إلى بيت زوجها، تتعكّز على رجلها إذ سبق أن أصيبت برصاصةٍ مِن زوجها. "وحدهم الراحلون يملكون ردودًا لن نعرفها" ـ قالت مريم أبو صعلوك والدة ياسمين، وأضافت: لقد اختارت العودة إلى بيتها مِن أجلِ أطفالها، لكنّ القاتل لم يأت من باب غرفتها، بل اختار أن يزج بها في مخزن المنزل حيث لا مخرج ولا مفتاح ولا شِبّاك. تابعت والدة ياسمين: ساقها كالأغنام إلى مصيرها، من دون أن يراعي أنها حامل، ودون أن يلتفت إلى أطفاله الذين يسمعون صراخ والدتهم وهو يجرها بالقوة من ملابسها ومن شعرها في ذلك المخزن. قالت الوالدة بصوتٍ منخفض: ياسمين شهيدة عند الله، حسبي الله ونعم الوكيل.

والمغدورة ياسمين، واحدة من النساء الضحايا في اللد والرملة، حيثُ العُنف المُستشري في المدينة وصمتُ الشرطة عما يجري من جرائم، علمًا أنّ القتل يقف وراءه مُجرم، لو أرادت الشرطة الإمساك بِه لاستطاعت.

وقالت سماح إغبارية في إحدى المقابلة: عادةً ما يتم تصنيف جرائم قتل النساء تحت إطار "جرائم الشرف"، لكنني أؤكد أنّه لا يوجد ما يمتُ للشرف بصِلة، فالمعطيات أمامي تؤكِد أنّ خلفية القتل هي: جرائم عنف، خلافات عائلية أو زوجية، أو فشل العلاقة الزوجية والطلاق، أو الخلاف على الإرث. فإذا كانت هذه الجرائم التي تقترف على يد مُدمِن أو تاجر مخدرات أو تاجر أسلحة أو مجرم، فهذا لا يعني الحقيقة، أنّ الشرف أو عدمه يقرره مجرمٌ.

الشرطة ضد قتل اليهود؟! فماذا مع العرب؟!

تُفيد المعطيات عن جرائم القتل في الوسط اليهودي أنّ الشرطة تتمكن في أقل من 24 ساعة من كشف أي جريمة قتلٍ تعرضت لها امرأة يهودية، لكنها تُصبح "عاجزة"عن كشف الأدلة حين تقتل النساء العربيات. وتكشف المعطيات أيضًا أن الشرطة الإسرائيلية نجحت في سنة 2010 بإلقاء القبض على 10 يهود قتلوا نساءهم، وفي الوقت ذاته أفلحت الشرطة في القبض على متهمين فقط بالقتل، من بين حوادث قتل 10 نساء عربيات، على يد عشرة رجالٍ مِن العرب.

هذه الحقائق المؤلمة تجعل مِن السهل جدًا قتل المرأة العربية، فلا أحد يستطيعُ حمايتها، ولا يُلاحق أي مُجرم حتى يرتدِع. والمرحومة ياسمين أبو صعلوك من اللد خيرُ مثالٍ على تهاون الشرطة، فلو أنّ الشرطة تعقبت زوجها القاتل لكانت اعتقلته، وهو الذي حاول أيضا قتل شقيقته المقعدة، وهناك دلائل تشير إلى هذه المحاولة، لكن الشرطة لم تُحرك ساكنًا. وأمام المعطيات التي تتحدث عن أنّ نسبة الجريمة في مدينة اللد والرملة تصل إلى عشرة أضعاف الجريمة في أي مدينة أخرى في الداخل الفلسطيني، وأنّ كل شخصٍ ثانٍ يُقتل في الداخل هو عربي، رجلاً أم امرأة، هُنا يحق لنا التساؤل عن دور الشرطة، وسبب وجودها في البلدات العربية، وهل تحارب الجرائم أم تعزّز مكانة المجرمين؟!

عائلات تحررت مِن الخوف!

لعلّ التغيير الأبرز الذي حدث في المجتمع الفلسطيني، وخاصةً في اللد والرملة، بفضل وجود جمعية "نعم"، هو إقامة منتدى لأسر الضحايا، يشمل ثماني عائلات عربية أنكرت العلاقة بين القتل و"شرف العائلة"، وتمّ شرح أسباب الجريمة الحقيقية، الأمر الذي فرض على الشرطة التخلي عن مصطلحها "جريمة شرف"، كلما قُتلت امرأة من المدينتين المختلطتين. يبقى القلق على النساء المُهددات بالقتل، فرغم أنّ ملف الشرطة لسنة 2012 خلا مِن أي جريمة قتل، فإنّ هناك 34 امرأة اضطررن إلى الخروج من بيوتهن، والإقامة في ملاجئ هربًا مِن تهديداتٍ بالقتل، ما يعني أنّ هناك نحو ثلاث نساء شهريًا، يتوجهن إلى مؤسساتٍ لحمايتهن من القتل.

إهمالٌ فاضح

وكشف تقرير لمراقب الدولة عن مدينتي اللد والرملة، عن تقاعس فاضح في علاج النساء المعنفات في المدينتين، حيثُ اكتفى مركز الشؤون الاجتماعية بمعالجة 37 حالة لنساءٍ عربيات معنفات مِن أصل 337 امرأة كُنّ قد توجهن إلى مركز منع العنف في العائلة، وتبيّن خلال التحقيق أنّ المركز تلقى رسالة بهذا الخصوص عبر جهاز "الفاكس" مِن الشرطة في مدينة اللد، لكنه أنكر وصولها. التقصير مخز، ليس بخصوص المهمات الملقاة على العاملات الاجتماعيات فحسب، وإنما بضياع الميزانيات التي تصِل إلى بلديتي اللد والرملة (اليهوديتين)، مِن أجل دعم النساء العربيات، لكنّ البلديتين إما تقومان بإعادة الميزانية لعدم استخدامها، أو أنّ الميزانية تختفي بسبب تلاعب بعض المسؤولين. وبناءً على التقرير، اضطُر المدير العام لوزارة الشؤون الاجتماعية إلى اتخاذ القرارات بنفسه وإعداد ميزانية خاصة لدعم نساء الرملة واللد، وتوظيف ثلاث موظفات.

يُشار أنّ جمعية "نعم" لها دورٌ بارز في تغيير هذا الواقع، وتقديم محاضراتٍ تربوية يتم من خلالها نشر الوعي في المدارس العربية في المنطقة، كما تؤهِل الجمعية طاقات قيادية ومجموعات شبابية للتطوع ولمحاربة العنف.

صورة سيئة عن المرأة العربية

في بعض الأحيان، تنقل وسائل الإعلام العبرية أخبارًا مشوّهة عن جرائم القتل التي تحدُث في في الداخل، لتُظهر أنّ المرأة ضحية ما يُسمى "شرف العائلة"، ولا تُبدي الصحافة العبرية أي اهتمام، بوجود نساء عربيات أكاديميات ومثقفات، بينهن من تقتلن لأسباب تافهة، عدا عن عدم توفر إطر دائمة للطفولة المبكرة ولتعزيز الوعي لدى النساء. يُشار أنّ العام الحالي، شهد مقتل نحو 10 نساء.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]