وقف ثلاثة إسرائيليين على جانب الشارع عند مفترق الطرق بالقرب من مدخل مستوطنة شيلا في نهاية عيد المظلّة (عيد العرائش). وأعطوا إشارات لسيارات فلسطينيّة، وعندما كان السائق يُخفِّف السرعة، رموه بالحجارة من مسافات قصيرة. وقد جُرح الشرطي الفلسطيني محمد جرارعه، وأدْخِل المستشفى وخضع لعمليتين جراحيّتين في رأسه.

يرقد الآن على السرير الحديدي تحت فاترينة الكؤوس الزجاجيّة في صالون بيته في بلدة عصيره الشماليّة، ضوء النيون الأبيض يضيء رأسه المضمّد بقبعة سوداء كبيرة. تُخْفي تحتها ندبة مفتوحة من 40 دَرْزَة على عرض جمجمة رأسه، على شكل قَوْس، وجرح عميق مفتوح بجبينه، فوق عينه اليُمْنى، مضمّدة، لا زال يصعب عليه النزول عن السرير بسبب ضعفه، وتبدوعليه أيضا صعوبة في الكلام وإذا تكلّم صوته ضعيف.
محمد جرارعه ضحيّة عمل عُدواني، ومشوه إرهاب، ثلاثة إسرائيليين، مستوطنون أو ضيوفهم، كمنوا للسيارة التي سافر بها في نهاية عيد المظلّة، أوقفوها وقذفوا الحجارة لداخلها، أصابه حجر قُذِف عن بُعْد أمتار معدودة، أدّت الإصابته لجروح بليغة. عاد هذا الأسبوع إلى بيته بعد عشرة أيام في المسْتشفى خضع خلالها لعمليّتين جراحيّتين.

محمد جرارعه أعزب عمره 29 سنة، شرطي في قوّات الأمن الوطني، يخدم في بيت لحم ويُمْضي أسبوعا في الوظيفة وأسبوعا في البيت. والده يعاني من مرض باركنسون منذ سنوات طويلة، وهو يساعد في معيشة أبناء البيت. هم أربعة أخْوة وأربع أخوات. تقع بلدتهم، عصيره الشمالية، بالقرب من نابلس والطريق أليها تمر صعودا في كروم الزيتون الذي يبدأ قَطْفه هذا الأسبوع.

قطف الزيتون في الضّفّة الغربية احتفال عائلي: تتجنّد كلّ العائلة للمساعدة فيه، يصعدون على السلالم، يهزون أغصان الشجرة، يضربون عليها بالقضبان (الشقاشيق وهي جمع شُقْشيقة - المترجم) حتى يسقط الثمر على رِقاع من البلاستيك مفروشة على الأرض تحت الشجرة.

يوم الخميس، 5 أوكتوبر، سافر جرارعه من مُعسْكره في بيت لحم ليشارك بحفل زفاف صديقه من قرية بوركين قضاء جنين، سافر معه أيضا زميلاه في قوّات الأمن الوطني، ثائر عبيدي 43 سنة وغسان قصراوي، 23 سنة. بعد التاسعة بقليل تركوا حفل الزفاف وبدأوا طريق العودة إلى معسكرهم، بالنسبة لليهود كان الوقت نهاية عيد المظلّة. سافروا بسيارة قصراوي، من نوع كايا بيضاء، موديل 2010، قادها قصراوي. جلس عبيدي بجانب السائق وجلس جرارعة في المقعد الخلفي، من الجانب الأيمن وكان الشباك بجانبه مفتوحا. كانت معنويات الثلاثة عالية.

قبل مفترق الطرق عند مدخل مستوطنة شيلا على الشارع رقم 60 العابر للضفّة الغربيّة، رأوْا عن بُعْد ثلاثة أشباح يقفون على جانب الشارع. أخذ أحد الواقفين على جانب الشارع يُشير لهم ليقفوا، كان يُشير بفانوس يضيئه ويُطْفِئه. اعتقدوا أن ألأمر يتعلق بحاجز عسكري مفاجئ أو حاجز للشرطة لذلك بدؤوا بتخفيف السرعة.

كما روى عبيدي عمّا حدث لحظة بلحظة للمحققة الميدانيّة العاملة مع منظمة "بتسيلم"، سلمى الدّبعي: "حوالي الساعة 9:45 وصلنا منطقة شيلا، عن بُعْد 500 – 800 متر من مفترق قرية تُرْمُس عيا رأيت شعاع فانوس يدوي وعددا من الأشخاص يقفون بجانب الشارع. كنّا على بُعْد 50 – 80 متر عنهم. اعتقدتُ أنهم رجال شرطة أو جنود. طلبتُ من السائق، غسان، أن يُخفّف السرعة، كنّا نسافر بسرعة 80 كم /الساعة تقريبا فبدأ يخفف السرعة.
"تفاجأت من رؤية ثلاثة أشخاص بلباس مدنيّ، حمل أحدهم فانوسا، وقذفنا الآخران بالحجارة. كنّا على بُعْد أمتار منهم، كسر حجر زجاج شُبّاك السيّارة بجانبي، وأصاب حجر آخر محمد الجالس على الجانب الأيمن من المقعد الخلفي، سمعت صراخ محمد وعرفتُ انّه قد أُصيب.
نظرتُ نحوه فرأيت وجهه ينزف دما. انتقلت للمقعد الخلفي بجانب محمد الذي كان ينزف بشدّة."استعملت المعطف الذي كان على المقعد الخلفي لإيقاف النزيف، تفاجأت من شدّة الإصابة. كان جرحه كثغرة مفتوحة برأسه، أصابه حجر بشكل مباشر، كان الشبّاك بجانبه مفتوحا، ولهذا السبب أصابه الحجر مباشرة، صرخ وأنّ من شدّة الألم وقال إنه سيموت، حاولت تهدئته، لكنني خفتُ عليه.
المسافر الثالث في السيّارة، السائق غسان قصراوي، قال في إفادته ل"بتسيلم": أصاب حجر واحد الزجاج الجانبي من جهة اليمين وأحدث دويّا في السيّارة كالانفجار . سمعت محمد الذي كان يجلس على المقعد الخلفي يصرخ، سألته، ماذا أصابك؟ فقال لي ‘تفجّرت عيني’ نظرتُ نحوه فرأيت الدم يغطّي وجهه. جُنِنتُ، وانطلقت بسرعة لأبتعد عن المستوطنين، نظرت بالمرآة فرأيت على يمين الشارع عددا من المستوطنين، وكأنهم كانوا يكمنون بالقرب من الشارع، ثمّة على هذا الشارع مجموعات من المستوطنين.

سِباق عيد المظلّة

كان ما وصفه جرارعه من على سريره مشابها، سافروا، لاحظوا ثلاثة أشباح خلف الحاجز الحديدي الفاصل على الشارع. يقول جرارعه إن أحدهم كان يلبس قميصا أبيضا واعتمر طاقيّة (دينيّة يهودية – المترجم) كبيرة وتدلّت سوالف طويلة على خدّيْه، بدّوا كأبناء 17 – 18 سنة، لم ير معهم سلاحا ناريّا. خفّفوا السرعة فتلقى جرارعة حجرا برأسه، لم يفقد وعيه، لكنه نزف الدم من رأسه، خشي من أن يموت، أخوه ، عماد، يُرينا في بيته صورة الحجر الذي أصاب أخاه، موجودة على المقعد الخلفي من السيّارة، أكبر من قبضة الإنسان، تُبيّن صور الأشعّة من المستشفى الأثر الذي خلّفه الحجر بجمجمته، الحجر الذي تكسّر على مقدّمة وجهه.

انطلق قصراوي، سائق السيّارة، باتجاه القرية القريبة، تُرمس عيّا، توقف بجانب المستوصف المحلي التابع لمنظمة الأمن الفلسطيني. بعد الإسعاف الأولي نُقِل جرارعة الجريح بواسطة سيارة إسعاف فلسطينية إلى المستشفى الحكومي في رام الله. وبعد تدخّل المسؤولين عنه نُقِل إلى المستشفى الاستشاريّ في المدينة، حيث يوجد به أطباء جراحين مختصّين.

اتصل ثائر عُبيدي بقائد المنطقة في الأمن الوطني، رياض صلاحات، وقدّم له تقريرا عمّا حدث. واتصل أيضا بالدكتور راسم أبو ربيع، المسؤول عن الخدمات الطبيّة العسكريّة، وروى له عن الإصابة برأس جرارعه، والطبيب هو الذي اعتنى بنقل الجريح إلى المستشفى الخاص.
وقد عَرِف أبناء عائلته عن إصابته في صباح اليوم التالي، من زملائه في الأمن الوطني، سارع إخوته بالسفر إلى المستشفى في رام الله. إلاّ أنه ، جرى في نفس اليوم سِباق عيد المظلّة الذي يقيمه المستوطنون، والذي يسميه الفلسطينيون بالماراتون. وكان الشارع رقم 60 مغلقا للحركة.
استغرق السفر إلى المستشفى، في الطرق البديلة، حوالي الساعتين، بدلا من 40 دقيقة. وعندما وصلوا كان جرارعه يرقد في وحدة العناية المكثّفة، ولم يُسْمح لأبناء العائلة برؤيته. وخضع في اليوم التالي لعمليتين جراحيّتين في رأسه. كان عدد من العظام في رأسه مُحطَّما، وزُرِع له بلاتين في جبهته.

كِدْنا أن نموت

قدّم زميلا جرارعه في اليوم التالي شكوى عن الحادث لقائد التنسيق والارتباط الفلسطيني في بيت إيل، كي ينقلها بدوره إلى شرطة إسرائيل. يقولون إن منطقة مفترق طرق شيلا مغطاة بكاميرات تصوير كثيرة وليس من الصعب فحص ما حدث. ولكن منذ قدّما الشكوى لم يسمعا شيئا ولم يقم أيّ شرطي من شرطة إسرائيل بالتحقيق مع أحد، منهما أو مع جرارعه.

الناطقة بلسان الشرطة في منطقة الضفة الغربية ، شلوميت بكشي، لم تكلِّف نفسها خلال ثلاثة أيّام بالرد على توجّهات جريدة "هآرتس" للإجابة على السؤال إن كانت شرطة إسرائيل قد حقّقت بما حدث.

عندما كنّا ببيته، هذا الأسبوع، جاء وفد من مجلس عصيره الشمالية لزيارة جرارعه برئاسة رئيس البلديّة، حازم ياسين. "يعمل معي منذ زمن طويل وهو بمثابة الأخ لي"، قال عبيدي في إفادته، "كدنا أن نموت جميعنا. مَن قام بذلك قَصَد أن يقتلنا لو أصيب السائق، كنا مُتْنا جميعا".
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]