كانت مدة عشرة شهور كافية لمحققي قسم التحقيقات مع افراد الشرطة في وزارة " العدل " الاسرائيلية ( "ماحش")، كي يقرروا اغلاق ملف بالغ الخطورة، كان مطروحا امامهم طوال هذه المدة ، يتعلق بشبهات حول جريمة اغتصاب شابة فلسطينية في احد اقسام الشرطة بالقدس .

وكان عدد المشتبهين معروفا لدى المحققين ، بل كان معروفا مكان تواجد كل واحد منهم ساعة ارتكاب الجريمة ، وكذلك هوياتهم ووظائفهم : انهم عناصر في شرطة اسرائيل !

وقعت الجريمة في ساعات الليل المتأخرة قبل خمس سنوات : فعند أحد الحواجز العسكرية المنتشرة في منطقة القدس تم توقيف الشابة "ل" ، بشبهة مكوثها داخل الاراضي الفلسطينية دون تصريح . واقتيدت الى قسم الشرطة للتحقيق معها . وبعد انتهاء التحقيق ، جرى نقلها الى غرفة اخرى ، وهنا – حسب افادتها – تعرضت للمضايقة والتحرش من قبل شرطي الذي حقق معها ، والذي غادر الغرفة بعد وقت قصير وبعده – كما أفادت – دخل شرطي من حرس الحدود ، واغتصبها ، رغم مقاومتها ، تاركًا اثارًا دامغة على جلابيتها ، ثم هرولت خارجة من القسم ، دون التوقيع على أي مستند.

فحص بالبوليغراف ...

وافادت "ل" بانها روت لزوجها ما جرى، وفي اليوم التالي جاء معها الى مكاتب " ماحش " وقدما شكوى بالواقعة ، ثم توجهت بصحبة المحققين الى قسم الطوارئ في احد المستشفيات لمقتضيات الفحص الطبي ، فلم تظهر علامات تؤكد وقوع الاغتصاب ، ربما بسبب مرور الوقت ، لكن ظهرت آثار كدمات على يدها اليسرى .وبعد ذلك تم فحص السيدة المشتكية بآلة التمييز بين الكذب والصدق ( البوليغراف ) فأظهرت انها صادقة بما تقول .

وزيادة على ذلك ، أفاد شهود عيان بأنهم شاهدوها في تلك الليلة وهي خارجة في حالة تشنج وانفعال شديدة من قسم الشرطة ، وقد تقيأت من فرط انفعالها وتقززها بما جرى لها .

وحسبما افادت صحيفة " هارتس " التي نشرت هذا الخبر ( الجمعة 29/12) – يبدو انها بذلت في الايام الاولى التي اعقبت الجريمة جهود كبيرة من جهة المحققين للتوصل الى الجاني ، او الجناة ، كاستدعاء عدد من العناصر للاستجواب، وفحص مجال تغطية الهواتف الخليوية واحداثياتها ، وفحص البوليغراف – لكن اجراءات هامة واساسية في اطار التحقيق لم تتخذ ، ابرزها تحديد هويات عناصر الشرطة الذين كانوا على مقربة وعلى صلة بتوقيف المشتكية والتحقيق معها في المدة الزمنية المحددة .

ستة مشتبهين محتملين...

ولم يجر التحقيق سوى مع مشتبه واحد بالاغتصاب ، وهو الشرطي الذي حقق مع المشتكية ، والذي ادعت انه ضايقها وتحرش بها ، ثم غادر الغرفة لكنها اكدت انه ليس هو الذي اغتصبها ، بل شرطي في حرس الحدود . وقد نفى المحققون ان يكون قد ضايق السيدة ، ورتب محققو "ماحش" مواجهة بينه وبينها ، وانقطعت المواجهة بسبب انفعالات السيدة "ل" وبكائها وصراخها على المحققين . وقد اظهر الفحص بواسطة البوليغراف ان الشرطي المحقق صادق في روايته ، فأغلق ملفه ، لكن بقيت لدى المحققين شكوك وتساؤلات بشأن المدة الفاصلة بين لحظة خروجه من غرفة التحقيق الى المراحيض ، وعودته ، تاركًا السيدة وحدها .

و بالاضافة الى المشتبه المذكور – جرى جمع افادات من خمسة عناصر اخرين بالشرطة ، هم الشرطي الذي اوقف المشتكية عند الحاجز وحولها الى القسم ، واربعة عناصر من حراس القسم ، لكن لم يتم التحقيق رسميا مع اي واحد من هؤلاء ، على الرغم من بعض التناقضات التي اظهرتها الافادات ، وهي تناقضات تستدعي التحقيق والتمحيص.

وزيادة على ذلك ، لم يقم محققو " ماحش " بتنظيم " طابور تشخيص " لتمكين المشتكية من تشخيص وتحديد هوية العنصر أو العناصر الذين كانت لهم علاقة بتوقيفها والتحقيق معها ، ثم اغتصابها – وفقا لافادتها – وهي مسألة يعتبرها ضابط كبير خللًا في مجريات التحقيق .

قادة الشرطة " ساخطون على ماحش " !

وجاء في الخبر المنشور في " هارتس " ان الجهات المختصة في الشرطة " فوجئت " حين توجهت الصحيفة اليها طالبة التعقيب على التفاصيل المتوفرة لديها ، والتي علمت بها الشرطة نفسها من المراسل ، على الرغم من كل ما جرى ، حيث تبين ان " ماحش " لم تكن على تواصل متزاحم مع الجهات المختصة ، حسبما يقتضي الامر ، وقد ابدى ضابط كبير في الشرطة سخطه وغضبه من تصرف " ماحش " ، وتقاعسه وعدم ابلاغ المفتش العام للشرطة ، وسائر الجهات المعنية – بالواقعة الخطيرة . وورد في التعقيب الرسمي من قبل الناطق بلسان الشرطة ، انها تبدي أسفها للقصور الذي بدر عن " ماحش " في هذه الواقعة " كما جرى في حالات سابقة " – حسبما جاء في التعقيب ، الذي خلص الى القول انه تبين ان الملف قد اغلق ، مشيرًا الى انه " نظرًا لغياب التبليغ المنتظم واللازم من جهة قسم "ماحش" ، يؤسفنا عدم استطاعتنا التطرق الى هذه الحادثة لان تفاصيلها غير معلومة لدينا "!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]