الاعتقال لحين انتهاء الإجراءات - بحقّ معتقلين قاصرين أيضًا - هو جزء من روتين القمع الذي تتّبعه إسرائيل ضدّ الفلسطينيين، وكلّ شيء يجري بمصادقة جهاز المحاكم العسكرية، حيث القضاة والمدّعون هم دائمًا عسكر يحاكمون فقط فلسطينيين، وحيث نسبة الإدانة تقارب 100% من الحالات

اليوم (الاربعاء، 17.1.2018)، صادق القاضي العسكري على طلب النيابة العسكرية تمديد الاعتقال لحين انتهاء الإجراءات لكلّ من عهد وناريمان تميمي. الجلسة، التي جرت في المحكمة العسكرية في "عوفر"، هي مثال واضح - واحد من آلاف كثيرة - على أنّ جهاز المحاكم العسكرية ليس أداة لتحقيق العدالة، وإنّما هو آليّة قمع مركزية تعمل في خدمة سيطرة إسرائيل على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

عهد تميمي (16 عامًا) تقبع رهن الاعتقال منذ 19.12.2017. والدتها، ناريمان (42 عامًا) اعتُقلت لاحقًا، عندما جاءت لتستفسر ماذا جرى لابنتها التي اقتيدت من منزل الأسرة في منتصف الليل. صادق القضاة على جميع طلبات تمديد الاعتقال التي تقدّمت بها النيابة، وفي هذه الأثناء لفّقت النيابة لكلتيهما لائحتي اتّهام مضخّمتين، تشملان سلسلة طويلة من التّهم المؤرّخة تراجعيًّا حتى نيسان 2016، في تجاهل لحقيقة أنّ السلطات لم تجد في حينه أيّة حاجة لاعتقالهما أو التحقيق معهما جرّاء هذه التّهم المزعومة.

حظي اعتقال عهد وناريمان تميمي بتغطية إعلامية واسعة وردود فعل متطرّفة من جانب وزراء كبار - بدءًا بالدّعوة إلى زجّهما في السجن بقيّة حياتهما، وانتهاءًا بإعلان سحب تصاريح الدخول من أيدي أفراد أسرتهما. من ضمن أسباب ردود الفعل هذه، أنّ أسرة تميمي قد تحوّلت منذ زمن إلى رمز لمقاومة الاحتلال الفلسطينية غير المسلّحة. في صراعها مع الأسرة تستخدم إسرائيل أدوات تحتفظ بها وتستخدمها منذ خمسين عامًا ضدّ السكّان الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة، كجزء من سعيها لإدامة نظام الاحتلال.

المركّبات البارزة في الإجراءات الإسرائيلية ضدّ عهد وناريمان تميمي معروفة (فقط مقاديرها تتغيّر) من آلاف الملفّات القضائية الأخرى التي أدارتها وتديرها إسرائيل ضدّ متّهمين فلسطينيين - بدءًا بالاعتقال العنيف في منتصف الليل، مرورًا بتكويم التّهم في لائحة الاتهام وانتهاءًا بالاعتقال لفترة طويلة، الذي أصبح اليوم بمصادقة المحكمة اعتقالاً لحين انتهاء الإجراءات. حقيقة أنّ هذه الخطوات تُتّخذ ضدّ متّهمة قاصرة، تزيد انتهاك حقوق الإنسان خطورة - هذا الانتهاك الذي تمارسه إسرائيل كروتين جارٍ ضدّ مئات القاصرين الفلسطينيين: حتى تاريخ 30.11.2017، وفقًا لمعطيات سلّمتها مصلحة السجون لبتسيلم، كان 181 قاصرًا فلسطينيًّا معتقلين لحين انتهاء إجراءات محاكمتهم.

اعتقال إنسان لحين انتهاء الإجراءت يعني أنّ التحقيق معه قد انتهى، وجرى تقديم لائحة اتّهام ضدّه، ولكن يستمر اعتقاله إلى حين انتهاء الإجراءات القضائية، أي انتهاء محاكمته. يقبع ذلك الشخص في السجن لكن قبل إدانته وقبل إصدار حُكم من المحكمة بالسجن - رغم أنّه يُفترض أنّه بريء طالما لم تثبت التهمة. من هذا المنظور، ينبغي أن يقتصر استخدام الاعتقال لحين الإجراءات على حالات استثنائية، ولكن في المحاكم العسكرية في الضفة الغربية من العاديّ أن تطالب النيابة العسكرية المحكمة بالمصادقة عليه، وفي معظم الحالات يصادق القضاة بدورهم على طلب النيابة. هذا الواقع يدفع المتهمين إلى الاعتراف بالتهم المنسوبة إليهم والتوقيع على صفقة مع النيابة - بغضّ النظر عمّا إذا كانوا مذنبين أم لا، وعن وجود أو عدم وجود أدلّة ضدّهم - لأنّهم إذا اختاروا المثول لمحاكمة إثبات وهم في السجن فقد يقبعون رهن الاعتقال مدّة أطول من المدّة التي سيقضونها بحُكم صفقة مع النيابة.

نظرًا لذلك، تكاد النيابة لا تحتاج أبدًا إدارة محاكمة إثبات تستدعي منها إثبات ارتكاب المخالفات أمام المحكمة. وهكذا، يصبح قرار الاعتقال لحين انتهاء الإجراءات بمثابة إدانة، لانّ القرار في الملفّ ومصير الشخص يُحسَمان لدى اعتقاله لحين انتهاء الإجراءات القانونية وليس لدى إثبات التهمة عليه ببيّنات تقدّم كأدلّة. إصدار قرار قبل-قضائي باعتقال شخص لحين انتهاء الإجراءات، حين يصبح أمرًا روتينيًّا، يُفرغ الإجراء القضائي كلّه من أي مضمون.

هذه الإجراءات تكشف عار النظام العسكري الإسرائيلي عمومًا وجهاز المحاكم العسكرية خصوصًا. في هذا الجهاز يكون القضاة ومدّعو النيابة دائمًا عسكريّون، يُجلب للمحاكمة أمامهم فقط فلسطينيون، ويُدان ما يقارب 100% منهم. إنّه أحد أكثر أجهزة نظام الاحتلال ظلمًا، إذ ليست غايته التوصّل إلى الحقيقة وتحقيق العدالة، وإنّما إدامة سيطرة إسرائيل على الشعب الفلسطيني. هكذا في حالة أسرة تميمي - وهكذا في مئات وآلاف الحالات الأخرى.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]