قبل حوالي شهرين، فوجئت فيديريكا موغيريني مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، ومجموعة من وزراء خارجية أوروبيين، بأن نتنياهو في اجتماعه مع قيادة الليكود يقول إنه سيجتمع مع وزراء خارجية أوروبا لدى عقد اجتماعهم الدوري في بروكسل، ذلك أن نتنياهو لم يكن مدعواً الى هذا الاجتماع، وكادت موغيريني تصل إلى إلغاء الاجتماع نتيجة تطفل رئيس الحكومة الإسرائيلية الوقح، إلاّ أنها وبالتوافق مع وزراء خارجية دول أوروبية، فضلت التوصل إلى حل دبلوماسي، يقضي بتوجيه دعوة رسمية إلى الرئيس أبو مازن للمشاركة في أعمال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي التالي، والذي عقد فعلاً قبل ثلاثة أيام، إضافة إلى أن يتصدر الموضوع الفلسطيني جدول اجتماع هذا الانعقاد، وهذا ما حدث فعلاً.
وإذا كانت موغيريني حلت مسألة قيام نتنياهو بالتطفل، فإنها لجأت إلى تشجيع وزراء الخارجية الأوروبيين على طرح الأسئلة الصعبة على نتنياهو، وإشعاره ضمناً، أن الاتحاد الأوروبي ليس الكونغرس الأميركي حتى يقوم بدعوة نفسه إليه، مع ذلك لم يتردد نتنياهو، إثر اجتماعه بمجلس أوروبا، إلى الادعاء بأن هذا الاجتماع يشكل أحد إنجازاته السياسية، معتبراً أن الساحة السياسية الأوروبية باتت بالغة الأهمية، بعد أن عزلت القيادة الفلسطينية الولايات المتحدة عن دورها السياسي على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي إثر قرار ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، والاهتمام المتزايد سياسياً، من قبل الجانب الفلسطيني بالساحة السياسية الأوروبية، وبروكسل باعتبارها عاصمة الاتحاد الأوروبي، باتت ساحة الحرب السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ونعتقد أن الرئيس أبو مازن، كان يدرك وهو يعد ملفاته لاجتماع بروكسل مؤخراً، أن نتنياهو قد خضع لاستجواب سياسي من قبل مجلس أوروبا، إلاّ أنه ـ أبو مازن ـ سيواجه انقساماً حاداً في اطار دول المجلس حول الموقف من القضية الفلسطينية، خاصة في سياق المطلب الفلسطيني من الاتحاد الأوروبي بالاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وهذا يقضي باعتراف رسمي بالدولة الفلسطينية تحت الاحتلال، إلاّ أن مثل هذا الانقسام يجب ألا يشكل عقبة أمام اصرار فلسطيني على خوض هذه الحرب السياسية على الساحة الأوروبية.
في الوثيقة الصادرة عن مجلس أوروبا رداً على قرار ترامب حول الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية، تمت الإشارة بكل الوضوح إلى أن الاتحاد الأوروبي ملتزم بحل الدولتين وأن موقفه من القدس لم يتغير، إلاّ أن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة حول هذا الأمر، شهد انقساماً واضحاً بين دول الاتحاد، عندما خالفت ست دول مضمون الوثيقة هي: كرواتيا والتشيك ولاتفيا والمجر وبولندا ورومانيا، (يلاحظ هنا أن كل هذه الدول من دول أوروبا الشرقية وحلف وارسو السابق) ويلاحظ في هذا السياق، أن هذا الانقسام الأوروبي يتحدد في أن دول شرق ووسط أوروبا تقيم علاقات وطيدة مع إسرائيل على مختلف الأصعدة، بينما تبدي دول غرب أوروبا تعاطفاً أكثر مع القضية الفلسطينية، خاصة الدول الاسكندنافية، ومن المفارقات أن دول أوروبا الشرقية بأسمائها القديمة والجديدة تقريباً، كانت تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية بينما دول أوروبا الغربية، بما فيها الاسكندنافية لم تكن كذلك، في الحقبة السوفياتية!
وإضافة إلى الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي بشأن الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، إلاّ أن نتائج اجتماع الرئيس أبو مازن مع مجلس أوروبا تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يريد تأزيم علاقاته مع الولايات المتحدة انطلاقاً من هذا الملف الشائك، وفي حين تم التجديد للالتزام الأوروبي بحل الدولتين والقدس عاصمة مشتركة «استناداً إلى اتفاقات أوسلو» والتفاهمات الدولية بهذا الشأن، إلاّ أنه لم يتم الاستجابة للطلب الفلسطيني بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وتركيز الحديث عن اتفاق أوسلو، يمكن اعتباره محاولة أوروبية لردع الجانب الفلسطيني عن إلغائه، وهو الأمر الذي تمت مناقشته في الأروقة السياسية الفلسطينية في الأسابيع الأخيرة!
كما يمكن ملاحظة تقدم الموقف الفرنسي الذي بات أكثر تعاطفاً مع الجانب الفلسطيني قياساً بسياسة فرنسا الخارجية السابقة، وذلك عندما أشار وزير خارجيتها إلى ضرورة الارتقاء بالعلاقات مع الفلسطينيين من الاتفاقية الانتقالية إلى «اتفاقية شراكة» كما هو الأمر مع إسرائيل، إلاّ أن ذلك غير ممكن من الناحية القانونية، ذلك ان اتفاقيات الشراكة التي يعقدها الاتحاد الأوروبي تتم مع دول وليس مع «سلطة» إلاّ أن بحث هذه المسألة، يشكل بذرة ونوايا أكثر جدية، تتطلب جهداً فلسطينياً وعربياً مثابراً من أجل توسيع دائرة الدول الأكثر تعاطفاً من الناحية السياسية مع الجانب الفلسطيني، وعلى الأرجح أن هناك مساعي استكشافية جديدة، بالنظر إلى توجه عدة دول أوروبية بالإعلان عن نواياها بالدراسة الجدية للاعتراف بالدولة الفلسطينية!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]