يذهب ابنك إلى المدرسة المجانية، ليحصل على وجبة الغذاء بلا مقابل، لتستكمل أنت دراساتك العليا مجانًا، ولديك نظام تقاعد يجعلك تحصل على معاش كبير بعد انتهاء خدمتك. هذا الأمر ليس محض خيال ولكنه ما يحدث بالفعل في السويد، ولا يقتصر الأمر على ذلك ليمتد أيضًا إلى العلاج المجاني في أي مستشفى تختارها، بما يشمل أطباء الأسنان الذين لا يشملهم التأمين الصحي تقليديًا.

مزايا خيالية!!

وفي العديد من الدول المتقدمة قد توجد مزايا مقاربة، ولكن ما يميز نظام التكافل الاجتماعي السويدي أن الجميع يحصلون على تلك المزايا، فقيرًا كنت أو غنيًا فأنت مستفيد. ولا عجب من ذلك إذا ما عرفنا أن الدولة الأوروبية الثرية هي الأقل إنفاقًا بين دول العالم المتقدم على الدفاع بنفقات لا تتعدى 1.2% من الميزانية بما يجعلها قادرة على الإنفاق بصورة أكبر على نظامها الاجتماعي. ويشير تقرير حكومي محلي إلى أن أهم مزايا النظام الاجتماعي للدولة الإسكندنافية أنه يسمح للأشخاص الأقل ماديًا أو في التعليم بصعود السلم الاجتماعي. فمع تعليم مجاني متطور ونظام تأمين صحي شامل، وإيجارات سكنية في المتناول يجد الشخص نفسه قادرًا على تطوير ذاته للتطور وتحقيق قفزات ملحوظة.

وهناك قيود كبيرة للغاية على سبيل المثال على أسعار العقارات والإيجارات في السويد، مما ساعدها في عبور الفترة العصيبة التي مرت إبان أزمة الرهن العقاري عام 2008. وتمنح الحكومة السويدية إجازة مدفوعة الأجر (80% من الراتب) للأب والأم لمدة 480 يومًا في أعقاب حصولهما على مولود، في ظل رغبة الدولة في زيادة عدد السكان والتخلص من ظاهرة المجتمع الشائخ. ويصل معاش التقاعد للسويديين 70% من دخلهم الأساسي كجزء من رعاية كبار السن، وهناك حتى معاش الحد الأدنى لهؤلاء الذين لا يكملون فترة كافية للحصول على المعاش تقليديًا ويكون في حدود 50% من الأجر أثناء العمل.

ضرائب كبيرة وقطاع عام فعال

“أنيكا ستراندهول” وزيرة الصحة والشؤون الاجتماعية السويدية تقول إن ما يجعل النظام في السويد قادرا على الاستمرار في تقديم تلك المزايا الاجتماعي هي قدرة البلاد على الادخار في الأوقات الجيدة لمواجهة الأوقات العصيبة. وتقول “ستراندهول”: “هناك العديد من المتغيرات في العالم الحديث التي قد تجعل الاقتصاد عرضة لتقلبات عنيفة ومفاجئة، وواجب الحكومة أن تعمل على تجنب تلك التقلبات أو الحد من آثارها إذا كانت حتمية”. وما يسهم في دعم السويد بالاحتفاظ بهذه القدرة الكبيرة على ضمان استمرار بقاء مظلة الضمان الاجتماعي حقيقة وجود قطاع عام كبير. فقرابة 30% من السويديين يعملون في القطاع العام، وينتجون نسبة موازية من الدخل القومي، وفقًا لتقديرات الحكومة السويدية لعام 2015، بما يسهم في تدعيم الموازنة الحكومية.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن القطاع العام يعمل على تشغيل النساء، والتي قد لا يقبل القطاع الخاص على تشغيلهن بدرجة كبيرة ولذا فإن 72% من العاملين في القطاع العام سيدات. ووفقا لصحيفة جارديان البريطانية فإن متوسط الضرائب على المواطن السويدي يصل إلى 48.2%، أي أنه يدفع قرابة نصف دخله للضرائب ولكنه يظل سعيدًا. وتنقل الصحيفة عن مواطن سويدي قوله: “إذا كنت أدفع نصف دخلي كضرائب وأحصل على كل شيء تقريبًا بالمجان أو بأسعار زهيدة فأنا بالطبع سعيد، لا سيما إذا قارنت وضعي بوضع الإنجليز”.
ويبلغ الحد الأقصى للضرائب في السويد 60%، وعلى الرغم من ذلك فإن السويديين دائمًا ما يصوتون لمصلحة إبقاء الضرائب في مستواها المرتفع بل تظهر أصوات تنادي برفعها على الأكثر ثراءً. وبسبب نظام الرعاية الصحية المتقدم، تشير الحكومة السويدية إلى أن الأمراض العادية لم تعد تواجه الغالبية العظمى من السويديين حاليًا، حيث إن السواد الأعظم إما “أصحاء” أو “أصحاء جدًا”. ولكن هذا الأمر لا يمتد للصحة العقلية وفقا لإحصاءات الحكومة، حيث إن كثيرين يعانون من التوتر واضطرابات النوم، ولذلك بدأت الحكومة برنامجًا موسعًا لمواجهتهما.

القطاع الخاص يشارك في المسؤولية

ففي الوقت الذي تعمل فيه غالبية الدول على مكافحة الأمراض المتوطنة أو تلك المستعصية يبدو أن السويد حققت قفزة فريدة بسعيها للحفاظ على صحة مواطنيها النفسية في المقام الأول. ولا تقتصر المسؤولية الاجتماعية على الحكومة السويدية، بل تمتد لفكرة توفير الكثير من المطاعم والمخابز لوجبات مجانية لغير القادرين. كما أن الشركات السويدية تقوم بعمل مواثيق مع بعضها البعض تتخطى فيها المعايير الحكومية لا سيما في مجال الحفاظ على البيئة ومكافحة الفساد والرشوة.

وعلى الرغم من أن الشركات تقيد نفسها بنفسها بمثل تلك المواثيق، التي تقر معايير متشددة إلا أنها تعتبر ذلك جزءاً من مسؤوليتها تجاه المجتمع وتنميته. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أرض الأحلام كما يقولون، وفرنسا أرض النور، ولندن عاصمة التنوع، إلا أن السويد تأتي بمكانة متفردة كالدولة “الأكثر إنسانية” في العالم. ولعل هذا هو ما دفع صحيفة إندبندنت البريطانية لكتابة عنوان لافت في نوفمبر يجعل مواطني باقي دول العالم يشعرون بالغيرة : “السويد.. الدولة التي تقدم خدمات للإنسانية أكثر من أي بلد آخر”.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]