خلال نموّه النفسي، يتعلّم الطفل، من خلال التجارب التي تصادفه في حياته اليومية، كيفية التصرف. تقوده هذه التجارب إلى انفعالات تنمو تدريجاً. فيكتسب الطفل «متى» و»كيف» و»لمَ» يصرخ أو يضحك وصولاً إلى البكاء. ولاحظ علماء النفس، من بينهم المتخصّصون بعلم نفس النموّ، أنّ الانفعالات عند الطفل، ولا سيما الانفعالات السلبية، مرتبطة أشدّ الإرتباط بالظروف التي يعيشها الطفل وبالمواقف التي يواجهها. كما تتغيّر هذه الانفعالات من سلبية إلى إيجابية (أو العكس صحيح) من خلال علاقاته مع الأشخاص الذين يحاوطونه. فما هي مظاهر الانفعالات السلبية عند الاطفال؟ وما هي العوامل المؤثرة بها؟ وما هو دور الأب والأم تجاه إنفعالات طفلهما؟

عندما نتكلّم عن الإنفعالات عند الطفل، يمكن أن نميّز عدداً كبيراً منها، بعضه إيجابي والبعض الآخر سلبي: الفرح والضحك والبكاء والحب الشديد والصّراخ والغضب الشديد وغيرها من الانفعالات التي تؤثّر مباشرة على الحياة الأسرية، خاصة إذا كانت هذه الإنفعالات متكرّرة ولا يمكن للطفل أو الأهل ضبطها.

وتظهر الإستجابات الإنفعالية منذ أن كان الطفل رضيعاً وترافقه مدى العمر، ولكنّ هذه الإستجابات تتغيّر مع مرور الوقت. فعندما يكون الطفل رضيعاً، تقتصر إستجابات انفعالاته على حركات جسمه وصراخه. بينما كلما مرّ الوقت، وبدأ الطفل تَعلّم الكلمات والتعبير عن نفسه، تتحوّل تلك الإستجابات الإنفعالية الجسيمة (تشنّج اليدين والدوران واللّطم...) إلى إستجابات لفظية وحركية (الصراخ والبكاء أو الضحك وإظهار الحب...).

ما هي مظاهر الإنفعالات السلبيّة عند الطفل؟


لكي يكتشف الأهل ما هي هذه الإنفعالات، يمكن تمييزها عن باقي المشاعر إستناداً إلى النقطة التالية والأساسية: الإنفعالات هي «مشاعر» شديدة ومبالغ بها وتتميّز بالتنوع وبالإنتقال من إنفعال إلى إنفعال آخر بشكل سريع. ويمكن تسمية بعض هذه الإنفعالات التي تنبسط ما بين الإنشراح إلى الإنقباض: الحب الشديد أو الغضب الشديد، أو الكراهية بشكل واضح.

ولا يمكن أن ننسى أنّ هناك ثمة إنفعالات تتوجّه ليس فقط تجاه الأهل (كالحب) ولكن هناك أيضاً إنفعالات تجاه الذات. وهذه الإنفعالات يشعر بها الطفل بعدما يكون قد اكتسبها من خلال تجاربه الإجتماعية: الشعور بالذنب ولوم الذّات (بعد عمر الخمس أو الست سنوات) أو الشعور بالنقص (لا سيّما عند العائلات التي تقسو كثيراً على أطفالها أي تربية صارمة جداً) أو الخجل وعدم الثقة بالنفس وصولاً إلى عدم حب الذّات ما يؤدي طبعاً إلى مشكلات جمّة خلال مرحلة المراهقة ومرحلة الرّشد فيما بعد.

الخوف ونوبات الغضب

احد الإنفعالات التي يعاني منها الأطفال الصّغار هو الخوف، حيث يصبح الطفل الصغير فريسة سهلة لتخيّلاته التي لا أساس لها من الصّحة. ويلاحظ علماء النفس أنّ هذا الخوف يزداد عند الأطفال الذين يعيشون ضمن عائلات تَكثُر فيها المشكلات، فيزداد شعوره بالخوف ويقلّ بالتّالي الشعور بالأمان عند الطفل الصّغير الذي تختلف عنده مثيرات الخوف وتنوعّها. وطبعاً، يتعلّم الطفل من والديه وإخوته وأخواته «الخوف». فإذا أحد والديه يخاف من الرّعد والبرق، «سيقلّده» الطفل وسينتقل الخوف إليه أيضاً.

وطبعاً يختلف نوع الخوف من طفل عمره 5 سنوات عن طفل آخر عمره 8 سنوات. فالطّفل الصّغير الذي لم يتجاوز الست سنوات، يخاف من الظلمة ومن الليل ومن الحيوانات خاصّةً المفترسة منها. وكلّما كبر، كلّما تغيّر نوع خوفه: خوف من الفشل أو حتى من الموت والخوف من الوحدة...

كما هناك إنفعالات نفسية يواجهها الطفل، لا سيّما خوف الإنفصال عن الوالدين (بسبب الموت). وهذا النوع من الخوف له علاقة وطيدة «بطريقة وحدّية» الإنفصال الذي عاشه الطفل مع والدته خلال الولادة، والإنفصال الثاني الذي عاشه أيضاً عندما انفصل عنها عند إلتحاقه إلى المدرسة. وتظهر في هذه الفترة الصعبة التي يعيشها الطفل، العلاقة الوثيقة بين مخاوف الأمّ ومخاوفه.

أمّا بالنّسبة للصراخ، وهو إنفعال مزعج كثيراً عند الطفل وعند الأهل على حدّ سواء. فكم من الأهالي لا يعرفون كيفية التصرّف، أمام صراخ أطفالهم اللامتناهي والذي غالباً ما يرافقه العناد والعدوانية الجسدية تجاه الآخرين وتجاه الذات واستعمال الكلمات النابية. وأسباب هذا الصراخ هي في غالب الأحيان عدم تلبية متطلّبات الطفل. وفي بعض الأحيان، تكون غيرته المفرطة من إخوته وأخواته الأصغر منه سنّاً بشكل عام هي السبب. وتظهر عنده إنفعالات يمكن أن تؤذيه وتؤذي إخوته. كما تظهر تصرّفات يكون الطفل قد تخلّص منها كمصّ الإبهام، أو التبوّل اللاإرادي، فيلجأ الطفل إلى وسائل دفاعية غير واعية منها النكوس والكبت والإنكار. وهذه آليات دفاعية يستعملها الطفل بطريقة غير واعية للتخفيف من قلقه أمام موقف مثير للقلق. ودور الأهل في هذا الخصوص هو مراقبة أطفالهم بشكل دقيق ومعالجة «الغيرة» بشكل هادئة، بعيداً عن العدوانية.

وما هو دور الأهل في ضبط انفعالات أطفالهم؟


دور الاهل أساسي في ضبط إنفعالات أطفالهم. فمشاركة الأهل أطفالهم في حياتهم اليومية، بالإضافة إلى مرافقتهم في جميع مراحلهم النفسية، يساعدهم على إستيعاب إنفعالاتهم وضبطها. ومن أهمّ الأمور التي يجب على الأهل مراعاتها في البيت هي التالية:

• إشباع حاجات الطّفل الأساسية وتوفير الشعور بالأمان والحب والسعادة له. وكلّ ذلك، ليس له علاقة بالمستوى الإقتصادي للعائلة. فكم من عائلة غنية لا توفّر السعادة والشعور بالطمأنينة لأطفالها؟

• مرافقة الأب لأطفاله في كل مراحل نموّهم النفسي لتوفير لهم الثقة بالذات والشعور بالقوة وخاصة الشعور بالإنتماء.

• منع الطفل من مشاهدة الأفلام العنيفة واستبدالها بالموسيقى الهادئة وممارسة النشاطات الهادئة والمفيدة (كالرسم والتلوين وصناعة قالب حلوى وغيرها.)

• تشجيع الطفل على التعبير عن مشاعره الإيجابية والسلبية.

• الإبتعاد من العدوانية الجسدية بشكل مطلق للطفل. لأنّ العقاب «البدني» يحوّل الطّفل إلى إنسان عدواني أو شخص إنطوائي.

• التعبير عن الحب والإهتمام بشكل منصف لجميع أفراد العائلة وليس الإهتمام بالبكر فقط أو بصغير العائلة. لأنّ الغيرة تولّد إنفعالات سلبية خطيرة عند الطفل الذي يشعر بعدم التوازن العلائقي بين مختلف أفراد عائلته.

• عدم ترك الطفل وحيداً حتى لو إنفصل أو طلّق الوالدان. فيجب أن يشعر الطفل دائماً بوجود والديه واحترامهما لبعض مهما كَبُرَت المشكلات بينهما.

من أجل أن يضبط الأهل إنفعالات طفلهم، يجب أن يحترموه وأن لا يجعلوا منه موضع سُخرية وإنتقاد لاذع أو تسلية وتهكّم...

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]