النقد الذاتي ومواجهة النفس بعيوبها ونواقصها ومحاسبة الذات يعتبر مرحلة نضوج ووعي متقدمة نحن بأمسّ الحاجة إليها لوضع الأمور في نصابها وسياقها الصحيح. هذه المرحلة مهمة من أجل تشخيص صحيح للحالة التي يمر فيها مجتمعنا العربي الفلسطيني في الداخل.

من غير المعقول، ومن الظلم لأنفسنا ولمستقبلنا، أن نواصل تجاهل دور المفاهيم الخاطئة والسلوكيات المنحرفة والمعوقات الذاتية والأمراض الاجتماعية والأخلاقية ومساهمتها في سوء أوضاعنا وحالنا. لا يمكن مواصلة اتهام الآخرين ووضع الكرة في ملعب الحكومة والسلطات- مع قناعتنا وعلمنا بدور سياسة الإقصاء والتمييز المتراكمة في تدهور الأوضاع في القرى والمدن العربية- ولكن آن الأوان للنظر بجديّة للداخل وليس للخارج فقط. فالعوامل الداخلية لتدهور هذه الأوضاع لا تقل خطورة من العوامل الخارجية. هذه الأسباب والعوامل الداخلية تؤدي إلى ضعف المناعة الذاتية في مواجهة السياسات والعوامل الخارجية وتهيئ المناخ لنفسية قابلة للمرض والتدهور، والأخطر قابلة لتمرير المخططات الحكومية والسلطوية مثل مخطط "فرّق تسد" وغيره.

إن ثقافة "أنا ومن بعدي الطوفان" أو كما قال المثل الشعبي: "حيّد عن ظهري بسيطة"، تحرق الأخضر واليابس . فالمواطن لا يهمه أن يشق شارع أو تبنى مدرسة أو مؤسسة أو أي مشروع للمصلحة العامة ولخدمة الجميع.. إن ما يهمه هو ماذا فعلت لي؟ ماذا أربح؟ هل ينفعني؟. هذا هو السؤال وهذا هو الهم الوحيد: المصلحة الشخصية الضيقة. هذه العقليات وهذا النهج أدى ويؤدي إلى تلويث وتسميم المناخ السياسي الانتخابي في كل قرانا ومدننا العربية لدرجة أن حزب المال وحمولة ملء الجيب والمصلحَة وجماعة "زبّطني " أصبحت هي المؤثرة في مجريات الانتخابات المحلية وحتى في نتائجها.

في السابق كانت هذه الأمور مخجلة أو من العيب والمس بكرامة الإنسان، ولكن اليوم هناك مقاولات وهناك من يعمل ويطلب في وضح النهار مقابل مالي لصوته في الانتخابات دون أي شعور بالذنب أنّ هذا الأمر هو بيع للضمائر وانحطاط بالإنسان وبقيمته لأسفل درجة.
إن ثقافة "الغاية تبرر الوسيلة" لوثت الغاية وانحطت بها وبنا عبر وسائل قاتلة لكل القيم التي قام عليها بناء مجتمعنا وبيتنا المشترك. مسؤولية تنقية هذا الجو تقع على عاتقنا جميعا، خاصة الحركات والأحزاب والجمعيات والشّخصيّات الإعتباريّة الفاعلة على الساحة والتي وضعت جهودها في مواجهة سياسات السلطة الخارجية وغفلت عن التصدع الموجود في جبهتنا الداخلية والشقوق في أسس بيتنا والتي تهدد بدماره من الداخل.

إذا كانت الحكومات الإسرائيلية مسؤولة عن 70% من سوء ورداءة أوضاعنا ونحن نتحمل 30%، فيجب أن نسأل أنفسنا: ماذا فعلنا بحصتنا من هذا التدهور؟ كيف نصلح الـ 30% التي من صنع أيدينا؟ لا يعقل الاستمرار باتهام الآخرين لدرجة أن هؤلاء أصبحوا شمّاعة نعلق عليها أخطاءنا ونلوم ونعاتب، ولا نوجّه أصبع الاتهام لأنفسنا . ما دخل سياسة الحكومة بتعدي مواطن على الملك العام واحتلاله لرصيف أو قسم من شارع لصالح حانوته أو سيارته أو حاوية نفاياته؟ ما دخل سياسة الحكومة في توزيع رئيس المجلس للمناصب والوظائف على أساس الولاء وليس الكفاءة؟ ما دخل سياسة الحكومة في عدم رصد الميزانيات التي تصل للبلديات والمجالس وعدم وضعها في المكان المناسب، وإنما رصدها لأهداف ومواضيع أخرى لا تمت بصلة للهدف الأساسي من الميزانية؟

الأخطاء والمعوقات الذاتية كثيرة ونعرفها جميعا. وهذه الأوضاع ستؤدي إلى تدهورنا أكثر وأكثر ما دمنا نضع رؤوسنا في الرمال كالنعامة متجاهلين هذه المعوقات ومتّهمين للحكومة وسياستها فقط. يجب أن نملك الشجاعة والجرأة لنواجه أنفسنا بحقيقتها ولا نخاف من تشريح حالتنا مهما كان مؤلماً وموجعاً لكي نشخّص المرض بشكل صحيح، وبالتالي نبدأ بالعلاج وتوصيف الدواء.

اللوم والعتب واتهام الآخر أسهل طريقة للدفاع والتهرب من المسؤوليّة والتنصل من مشروع التصحيح والمصالحة الذي يجب أن يمر به مجتمعنا، اذا أردنا فعلاً أن نكون مجتمعا سليما صحيحا جاهزا لمواجهة المخاطر والمخططات الخارجية.

تَم نشر هذا المقال عام 2014 وأعيد نشره الآن للفائدة

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]