تستحق نقاط كثيرة في انتخابات الحكم المحلي التوقف عندها وربما أكثر ما تستدعي الانتخابات للكنيست. قبل أن تبان ما تحمله صناديق الاقتراع تدلل خريطة الاصطفافات استمرار تراجع الأحزاب العربية لا نتيجة هيمنة الحمائلية السياسية فحسب بل لأسباب ذاتية أيضا تتعلق بضعفها بكل الساحات بعدما فضلّت البرلمان على الميدان،حيث تتوفر الميزانيات والمايكريفونات وبعد تفاقم ظاهرة عزوف الناس عن السياسة جراء عوامل محلية وإسرائيلية وإقليمية وعالمية تتعلق بـ "انهيارات الأمل " وبسقوط " الربيع العربي ". وهناك نحن نتأثر بما يجري في العالم في ظل توحش العولمة وتوغل الاستهلاكية والفردانية والثورة المعلوماتية وهناك خيط يربط بين ظهور شخصيات شعبوية محلية في الحكم المحلي وبين انتخاب رؤساء دول كبرى على أسس مغايرة أبرزها المعطيات الشخصية والشعبوية. هناك ما هو مشترك من هذه الناحية بين واشنطن وبين الناصرة على سبيل المثال من هذه الناحية. بحالتنا الاستثنائية كفلسطينيين في إسرائيل على الأقل لا بديل عن الحزب اليوم من أجل الخدمات والكرامة الوطنية والتجربة تدلل بالقاطع أن رؤساء حمائليين وفردانيين ومن جماعة السلطة لم يقدموا لبلداتهم أكثر من مرشحين حزبيين ووطنيين. عن ورطة ،أخطاء النخب الثقافية والسياسية وخسارتها لصالح جهات شعبوية تكسب ثقة الجماهير رغم أنها ليست الأكثر غيرة وجدارة وأهلية لخدمة مصالحها، وعن سبل تفكيك هذا " اللغم " لنا عودة في مقام آخر.

إن شخصنة السياسة واستمرار حرب النجوم حتى بعد تشكيل " المشتركة " والسماح بتفضيل الحزب على الوطن والرموز عليهما أحيانا،التشاؤم حيال جدوى العمل الجماعي في ظل هجمات إسرائيلية غير مسبوقة على المجتمع العربي الفلسطيني في البلاد،كل ذلك وغيره يقيّد مساحة العمل المتاحة للسياسة العربية. ويوما عن يوم تتفاقم الأزمة وتعيد إنتاج ذاتها ومن وجوهها تراجع العمل الشعبي والاحتجاج الجماعي حتى إزاء خطر حقيقي كما شهدنا بعد تشريع قانون القومية. كما تتجلى في الانتخابات المحلية وبعجز الأحزاب العربية خاصة العريقة كالحزب والجبهة عن خوض الانتخابات المحلية بمرشحين منها، من لحمها ودمها والاتكاء على من هم خارجها. إن مبادرة الجبهة في الناصرة بالتراجع عن مرشحها لصالح مرشح آخر من شأنها أن تكون مفيدة ومبررة رغم أن المرشح البديل يميل للارتباط بمنظومة مصالح اقتصادية أكثر من التزامه بمنظومة قيمية سياسية خطوة شرعية مما يعني المخاطرة بمغامرة جديدة تذكر بـ "غلطة العمر " السابقة . بيد أن هذه الاحتمالية مشروطة بمراجعة الجبهة بعد الانتخابات لتتجاوز هذه المرحلة الانتقالية دفاترها وأخطائها والسعي لكسب ثقة الجمهور الواسع حقيقة بعيدا عن الفهلوية والألعاب البهلوانية اللفظية. هذا يعني تحمل المسؤولية والكف عن اتهام كل العالم بهزيمة 2013 والاعتراف والمكاشفة والحديث الصريح مع النصراويين والتواصل الدائم معهم ومشاركتهم مختلف همومهم الحياتية والسياسية. وهذا ينبغي أن يتم على مبدأ أن من يعمل يخطأ (فما بالك إذا دام العمل 40 سنة) وعلى مبدأ طلب فرصة ثانية للثقة والعمل باعتبار أن العمل الحزبي مصلحة عليا للجمهور أيضا كونه يتيح الشفافية والرقابة والمحاسبة بدلا من استبداد فرد بكل شيء. بدون ذلك لن تشق الطريق أمام استعادة العمل الحزبي وتصبح البلدات الأخرى معرضة للتجربة ذاتها وهذا ينطبق على كل الأحزاب العربية( الجبهة، التجمع والحركة الإسلامية). طالما أن الحكم المحلي أهم في الحقيقة من العمل البرلماني لاتصاله بالجبهة الداخلية ومناعتها، وطالما أن الحكومة تبحث عن تشجيع قيادات محلية اقتصادية موالية لها منسلخة عن هموم شعبها السياسية فإن تعميم تجربة تحالف الأحزاب في بعض المواقع مهمة وطنية خاصة حيث ينافس مرشحون عدمّيون ومقربون من السلطة ويهددون بقية المرشحين الحزبيين بمفاجأة غير سارة. تشكّل مدينة شفاعمرو مثال واقعي لهذه الحالة إذ يستدل من معطيات متنوعة المصادر أنها مرشحة لتكرار تجربة الناصرة في 2013. والحديث هنا خطر عودة رئيس بلدية شفاعمرو الأسبق عرسان ياسين للبلدية والمقصود هنا ليس شخصه بل ما يرمز له سياسيا فهو من أنصار " الليكود " وخارج عن إجماع المتابعة ويطرح وعودا اقتصادية ومواقف متماثلة مع المؤسسة الإسرائيلية في حل من أي موقف سياسي وطني. هل تتعلم الجبهة والتجمع والإسلامية الدرس من تجربة فوز وإدارة علي سلام ؟ أم تكرر هزيمتها المشتركة على مذبح الخصومات الحزبية القديمة والمنافسات الشخصية واعتبارات أو عقد " الأنا " ؟ الطريق ما زالت مفتوحة لنجاة شفاعمرو مما أصاب الناصرة من ناحية خسارة الأحزاب التي تكسرت عصيّها كل على حدة وهذا يستدعي تحلي قيادات الأحزاب بمسؤولية وترجيح كفة العقل والصالح العام وهناك متسع لتكتيكات وأدوات ومرجعيات تتيح التوافق وتحكمه.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]